في هذا المقال تسليط الضُّوء على حادثة من حوادث السيرة العطرة، المشتملة في مطاويها على بعض الأحكام الجهادية المفيدة للمجاهدين في كل زمانٍ ومكانٍ، المتضمّنة في تضاعيفها على لطائف دعوية وتربوية تفيد روّاد هذا الطريق، ويقبس منها السالكون لهذا النهج، ويقتدي بها الراغبون بالسَّيْر على طريقة الأُوَل في الدعوة والجهاد وقتال الأعداء.

إنها حادثة من شامة الأحداث العسكرية يوم خيبر، أبلى فيها الصحابي الجليل عامر بن الأكوع رضي الله عنه بلاءً حسنًا وجمع الله له من العبادات الجهادية في ذلك اليوم ما جعلت رسول الله ﷺ يقول فيه: “إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ“.

نص الحديث الشريف

قال الإمام البخاري -رحمه الله-: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالخَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى خَيْبَرَ، فَسِرْنَا لَيْلًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا…. وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا… فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا… وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا… إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا… وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ هَذَا السَّائِقُ؟ “، قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ، قَالَ: “يَرْحَمُهُ اللَّهُ” قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ؟ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ اليَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ ” قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ، قَالَ: “عَلَى أَيِّ لَحْمٍ؟ ” قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا“، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: “أَوْ ذَاكَ“. فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا، فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ، فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، قَالَ: “مَا لَكَ؟ ” قُلْتُ لَهُ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ – وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ – إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ“1(1) البخاري، الصحيح، رقم (4196)..

قال ابن رسلان في شرح قول النبي ﷺ: “فله أجره مرتين“: “أشار بفاء التعليل إلى الجهتين اللتين ثبت له بهما الأجر مرتين وهما (جَاهِدٌ مُجَاهِدٌ)، فمعنى الثاني غير الأول”.

أقوال العلماء في تفسير الجاهد المجاهد

هما بمعنًى واحدٍ، والتكرار للمبالغة.

قال القاضي عياض: “كرر اللفظين للمبالغة”، ثم نقل عن ابن الأنباري قوله: “العرب إذا بالغت في الكلام اشتقت من اللفظ الأول لفظة على غير بنائها وزيادة في التوكيد، ثم أتبعوها إعرابها فقالوا: جاد مجدٌّ، وليلٌ لائلٌ، وشعرٌ شاعرٌ”. وقال ابن عثيمين: “قيل: إن الكلمتين من باب التوكيد، كما يقال: شعرٌ شاعرٌ، أي: شعر جيّدٌ جدًّا، وجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، يعني: أنه جَاهِدٌ جِدًّا”2(2) ابن عثيمين، الشرح الممتع، (14/186)..

جادٌّ في فعل الخيرات، مجاهد في سبيل الله.

قال القاضي عياض: “قد يكون قوله (جاهدٌ)؛ أي: جادٌّ مبالغٌ في سبيل الخير والبر وإعلاء كلمة الإسلام، مجاهدٌ عِدَاه”3(3) القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم، (6/184).، قال القرطبي: “يظهر لي: أن هذا القول أحسن بدليل قوله في الرواية الأخرى: (مات جاهدًا مجاهدًا، فله أجره مرتين)؛ فأشار بفاء التعليل إلى الجهتين اللتين يؤجر منهما، وهما: جاهد ‌مجاهد. فمعنى أحدهما غير الآخر”4(4) القرطبي، المفهم، (3/ 667).، “فلا تدَّخِر شيئًا من وقتك أو جهدك دون أن تنصر دينك على ثغرة من الثغرات، لتكون من الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واستعدوا لمقام الشهادة”5(5) الخزندار، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا، ص (49)..

يرتكب المشقة في سبيل الله، مجاهدٌ في سبيل الله.

قال ابن المقّن: “(الجاهد): من يرتكب المشقة، و(المجاهد): من يجاهد في سبيل الله، وهو مشتق منه”6(6) ابن الملقن، التوضيح، (21/355)..

وقال القسطلاني: “(إنه لجاهد): مرتكب للمشقة في الخير، (مجاهد) في سبيل الله عز وجل”7(7) القسطلاني، إرشاد الساري، (10/57)..

قال ابن عثيمين: “هذا التفسير أحسن؛ لأنه إذا دار الأمر بين كون الكلام تأسيساً أو توكيداً حُمِلَ على أنه تأسيس؛ لأننا إذا حملناه على التوكيد ألغينا مدلول الكلمتين، وإذا حملناه على التأسيس عملنا بمدلول الكلمتين، ويكون النبي ﷺ أثنى عليه من جهتين: من جهة العمل والجد فيه، ومن جهة الإخلاص”8(8) ابن عثيمين، الشرح الممتع، (14/186)..

جادّ في كلّ أموره، مجاهدٌ في سبيل الله.

قال القرطبي: “معناه: جاهد جادٌّ في أمره”9(9) القرطبي، المفهم، (3/ 667)..

وجمع السيوطي بين القول الثالث والرابع؛ قال: “(جاهدٌ): أي: جاد في أموره، مرتكبٌ للمشقّة في الله، (مجاهدٌ): لأعداء الله”10(10) السيوطي، التوشيح، (6/2167)..

جادٌّ في طلب الأجور، مجاهدٌ في سبيل الله.

قال ابن الملقن: معناه “جاد في الأجر مجتهد فيه مبالغ، ومجاهد في سبيل الله”11(11) ابن الملقن، التوضيح، (28/552)..

صرف جهده في الجهاد واستفرغ وسعه وطاقته في سبيل الله.

قال ابن الأثير: “(الجاهد): المبالغُ في الأمر الذي ينتهي إلى آخر ما يَجِد، و(المجاهد): الغازي في سبيل الله تعالى”12(12) ابن الملقن، التوضيح، (21/355).. وقال الكوراني: “(لجاهد مجاهد) أي: مجاهد حق صرف جهده وطاقته فيه، من جهد في الأمر جدّ فيه، وكان الظاهر مجاهدًا جاهدًا إلا أنه قدمه اهتمامًا؛ لأنه محل المدح”13(13) الكوراني، الكوثر الجاري، (9/497).، وفي موضع آخر: “بالغ غاية الجهد في الجهد أصله مجاهد إلا أنَّه قلبه مبالغة”14(14) الكوراني، الكوثر الجاري، (9/497)..

وجْه المضاعفة للأجر مرتيْن

جَمَع بين أجر الجهاد في سبيل الله وأجر الاجتهاد في العبادة والطاعة.

قال النووي: “له أجرٌ بكونه (جاهدًا) أي: مجتهدًا في طاعة الله تعالى، شديد الاعتناء بها، وله أجر آخر بكونه (مجاهدًا في سبيل الله)، فلما قام بوصفيْن كان له أجران”15(15) النووي، شرح صحيح مسلم (12/168)..

وقال الكرماني: “(الأجران): هما أجر الجهاد في الطاعة، وأجر المجاهدة في سبيل الله”16(16) الكرماني، الكواكب الدراري، (16/90)..

وقال السيوطي: “إِنَّه لجاهد أَي مُجْتَهد فِي طَاعَة الله جاد فِيهَا مُجَاهِد أَي غاز فِي سَبِيل الله”17(17) السيوطي، شرح صحيح مسلم (4/ 416).

قال الأمين الهرري: “قيل أجر بطاعته في حياته وأجر بجهاده في سبيل الله”18(18) الأمين الهرري، الكوكب الوهاج، (19/359)..

وقد جاء السياق الجهادي في بعض آي القرآن وأحاديث النبي ﷺ يجمع بين (الوصْف الجهادي والتعبّدي) معًا؛ كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ [سُورَة الْإِسْرَاء: 5] ، وقوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [سُورَة الْفَتْح :29] ، وقول النبي ﷺ لما سئل: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ“، قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: “مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ“19(19) البخاري، الصحيح، رقم (2786)..

وعليه؛ كل من اجتهد في الطاعة وكان مجاهدًا في سبيل الله حتى نال الشهادة، كُتب له الأجر مرّتين، وفيها دعوة كريمة لكلّ من وهب نفسه للجهاد أن يضيف إلى جهاده أصنافًا من الطاعة، كالصّيام وقراءة القرآن وقيام الليل والصدقة وغير ذلك، فيكون ممن يُؤتى أجره مرتين بإذن الله.

جمع بين أجْر المبارزة وأجْر القتل في سبيل الله.

قال ابن عثيمين: “لأن الرجل بارز، وهذا أجر، وقتل نفسه في سبيل الله، وهذا أجر آخر”20(20) ابن عثيمين، الشرح الممتع، (14/187)..

جمع بين أجْر الجهاد وأجْر الشهادة.

قال الأمين الهرري: “قيل: أجر بجهاده وأجر بشهادته في سبيل الله”21(21) الأمين الهرري، الكوكب الوهاج، (19/359)..

جمع بين أجْر الجهاد وأجْر الجدّ فيه والحزم في طلبه.

قال القاضي عياض: أي: “جادٌّ في أمره”22(22) القاضي عياض، إكمال المعلم، (6/184). مع كونه مجاهدًا في سبيل الله.

جمع بين أجْر إماتة نفسه وإتلافها في سبيل الله وأجْر الجهاد في سبيل الله.

قال ابن بطال -وتبعه: ابن الملقن23(23) ابن الملقن، التوضيح، (28/552).-: “لما أصاب نفسه وقتلها في سبيل الله؛ تفضّل الله عليه بأن ضاعف أجره مرتين”24(24) ابن بطال، شرح صحيح البخاري، (9/323).، وعليه؛ فكلّ من أمات نفسه وقتلها في سبيل الله كُتب له الأجر مرّتين؛ لأن المبارزة في الحروب قبل المعركة لا تخلو من أمرين: إما قاتلٌ أو مقتولٌ، وبكلا الفعْليْن يكون فعْله تشجيعٌ لغيره لخوْض غمار الموت، وهذا وجهٌ صحيحٌ واحتجاجٌ سليمٌ لمن أباح العمليات الجهادية أن يقتل الإنسان نفسه لقَتْل غيره من الأعداء.

جمع بين أجْر قتل نفسه على سبيل الخطأ وأجْر الجهاد في سبيل الله.

قال النجم الغزي: “من مات بفعل نفسه في الجهاد على سبيل الخطأ فإنه شهيد، بل له أجران”25(25) الغزي، حسن التنبّه، (3/516)..

ويدخل فيه: كل من يُقْتَل أثناء التدريب والتصنيع وتطوير السلاح وحفْر الأنفاق الهجومية والدفاعية وغير ذلك.

جمع بين أجْر جهاد الكلمة واللسان وأجْر جهاد السيف والسّنان.

فقد كان محرّضًا على القتال، مشجعًّا عليه، رافعًا للهمم إليه. قال ابن بطال -وتبعه: ابن الملقن26(26) ابن الملقن، التوضيح، (28/552).-: “يحتمل أن يكون أحد الأجرين لموته في سبيل الله، والأجر الثاني لما كان يحدو به القوم من شعره ويدعو الله في ثيابهم عند لقاء عدوهم وذلك تحضيض للمسلمين وتقوية لنفوسهم”27(27) ابن بطال، شرح صحيح البخاري، (9/ 323).

ويدخل فيه: كل من حرّض المجاهدين بِشِعْرِه ونثره الملهب للمشاعر، وعباراته الملهمة للحماس، ونشيده الحماسي المؤثّر؛ سواء على منابر المساجد، أو محاريب الصلوات، أو المجالس العلمية، أو القنوات الإعلامية بأنواعها المرئية والمسموعة والمقروءة، أو شبكات التواصل الاجتماعي أو أيّ مكانٍ آخر، وتسبّب في تثبيتهم في المعركة، ثم مات في سبيل الله، كان ممن يُكتب له الأجر مرتين؛ لاعتبار جمْعِهِ بين جهاد الكلمة والسيف.

وقد عدّ النبي ﷺ اللسان وكلامه من أنواع الجهاد، فعن كعب بن مالك رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْزَلَ فِي الشِّعْرِ مَا أَنْزَلَ، فَقَالَ: “إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَأَنَّ مَا تَرْمُونَهُمْ بِهِ نَضْحُ28(28) نضح النبل: قال البيضاوي في تحفة الأبرار (3/232): “أي: رميه، مستعارٌ من نضْح الماء. والمعنى: أن هجاءهم أثر فيهم تأثير النبل، وقام مقام الرمي في النكاية بهم”. النَّبْلِ“29(29) أخرجه أحمد في المسند رقم (27174)، وإسناده صحيح.. وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب من طريق محمد بن سيرين قوله: “كان شعراء المسلمين: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك رضوان الله عليهم، فكان كعب يخوّفهم الحرب، وعبد الله يعيّرهم بالكفر، وكان حسان يقبل على الأنساب”. قال ابن سيرين: “فبلغني أن دَوْسًا إنما أسلمت فرقًا من قول كعب بن مالك:

قضينا من تهامة كلّ وترٍ… وخيبر ثم أغمدنا السيوفَا

نخبّرها ولو نطقت لقالت… قواطعهن: دَوْسًا أو ثقيفَا

فقالت دَوْس: انطلقوا فخذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف”30(30) ابن عبد البر، الاستيعاب، (3/1324-1325)..

ولما آذت قريشٌ رسولَ الله ﷺ أَمَر حسانَ بن ثابت بالردّ عليهم، فقال له –كما رَوَت عائشة رضي الله عنها-: “اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ“، فلما هجاهم قال النبي ﷺ: “هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى“31(31) مسلم، الصحيح، رقم (2490).. وفي هذا الحديث “إخبارٌ أنّ جهاد اللسان كالجهاد بالسيف”32(32) الصنعاني، التنوير، (3/529)..

وخلاصة لما سبق: يمكن القول بأنّ من جمع بين أمرين، أحدهما: الجهاد، وثانيهما: عملٌ تعبّديٌّ يخدم باب الجهاد في سبيل الله ويعلي كلمة الله في الأرض وينصر دينه الحقّ فإنه يضاعف له الأجر مرّتين.

الهوامش

(1) البخاري، الصحيح، رقم (4196).

(2) ابن عثيمين، الشرح الممتع، (14/186).

(3) القاضي عياض، إكمال المعلم بفوائد مسلم، (6/184).

(4) القرطبي، المفهم، (3/ 667).

(5) الخزندار، هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقا، ص (49).

(6) ابن الملقن، التوضيح، (21/355).

(7) القسطلاني، إرشاد الساري، (10/57).

(8) ابن عثيمين، الشرح الممتع، (14/186).

(9) القرطبي، المفهم، (3/ 667).

(10) السيوطي، التوشيح، (6/2167).

(11) ابن الملقن، التوضيح، (28/552).

(12) ابن الملقن، التوضيح، (21/355).

(13) الكوراني، الكوثر الجاري، (9/497).

(14) الكوراني، الكوثر الجاري، (9/497).

(15) النووي، شرح صحيح مسلم (12/168).

(16) الكرماني، الكواكب الدراري، (16/90).

(17) السيوطي، شرح صحيح مسلم (4/ 416)

(18) الأمين الهرري، الكوكب الوهاج، (19/359).

(19) البخاري، الصحيح، رقم (2786).

(20) ابن عثيمين، الشرح الممتع، (14/187).

(21) الأمين الهرري، الكوكب الوهاج، (19/359).

(22) القاضي عياض، إكمال المعلم، (6/184).

(23) ابن الملقن، التوضيح، (28/552).

(24) ابن بطال، شرح صحيح البخاري، (9/323).

(25) الغزي، حسن التنبّه، (3/516).

(26) ابن الملقن، التوضيح، (28/552).

(27) ابن بطال، شرح صحيح البخاري، (9/ 323)

(28) نضح النبل: قال البيضاوي في تحفة الأبرار (3/232): “أي: رميه، مستعارٌ من نضْح الماء. والمعنى: أن هجاءهم أثر فيهم تأثير النبل، وقام مقام الرمي في النكاية بهم”.

(29) أخرجه أحمد في المسند رقم (27174)، وإسناده صحيح.

(30) ابن عبد البر، الاستيعاب، (3/1324-1325).

(31) مسلم، الصحيح، رقم (2490).

(32) الصنعاني، التنوير، (3/529).

المصدر

موقع هيئة علماء فلسطين، “حديث الجاهد المجاهد عامر بن الأكوع … دراسة تحليلية”، د. محمد خالد كلاب.

اقرأ أيضا

معنى الإعداد الإيماني للجهاد

جهاد البيان

الجهاد في فلسطين واجب على المسلمين

الأسوة الحسنة في رسول الله ﷺ أصلها في الجهاد

الجهاد الإسلامي رحمة للعالمين

التعليقات غير متاحة