تعيش إيران الرسمية في حالة صدمة، ليس لأن الرئيس ومعه مسؤولون كبار قتلوا في تحطم طائرة فحسب، بل لأن الدولة بإمكاناتها المدنية والعسكرية لم تنجح في الوصول إلى مكانهم بعد أكثر من ١٢ ساعة!
مؤشرات ودلائل خطيرة
ما يحدث أبعد من مجرد مقتل رئيس ومسؤولين في حادث ليس الأول في تاريخ إيران، لكنه يحمل مؤشرات ودلائل خطيرة، ويأتي في توقيت بالغ الحساسية:
الترهل في بنية الدولة الرسمية
كشف الحادث حجم الترهل في بنية الدولة الرسمية، فثمة تخبُّط غير مسبوق في التصريحات وتداخل الصلاحيات، والافتقار إلى وجود إدارة أزمة تتمتع بالخبرة والقدرة على التعامل مع حدث من هذا المستوى، وطلب مساعدة دول مثل تركيا بعد ساعات من الحادث، مما يضع علامات استفهام حول أداء المؤسسات، علماً أن التذرُّع بمسألة الجو ليس مبرراً، فالحادث وقع في شهر أيار (نهاية الخريف)، وليس في فصل الشتاء، كما أن وحدات الإنقاذ مُدربة بالأساس على مواجهة أجواء من هذا القبيل.
أسئلة مشروعة تبحث عن إجابات
لم تقدم أجهزة الدولة الإيرانية إجابات وافية عن الأسباب التي دفعت “رئيسي” لركوب المروحية والانتقال في جو ماطر، ولم يتم تغيير مسار الطائرة، ولماذا سُمح لهذا العدد من المسؤولين بالوجود في طائرة واحدة، علماً أن هناك ٣ طائرات، كان يمكن أن يتوزعوا فيها، وذلك أيضاً يطرح تساؤلات، فيما إذا كان هناك من له مصلحة في تركيب المشهد على هذا النحو!.
ما هي إفادة قائدي المروحيتين الناجيتين؟!
ثمة سؤال بقي مبهماً، فالمروحيتان اللتان كانتا في الوفد، هل عبرتا نفس الأجواء؟، وإن كان ذلك صحيحاً، فلماذا لم تواجهها نفس المشكلة؟، وإن كانتا سلكتا مساراً آخر، فهذا يطرح علامة استفهام إضافية!، كما أن الطائرات التي تطير معاً تكون على اتصال بين قادتها، فما هي إفادة قائدي المروحيتين اللتين وصلتا دون مشكلة؟.
تحديات هامة تواجه إيران
الحدث يأتي في ظل تحديات هامة تواجه إيران، منها مسألة النفوذ الإقليمي، والتهديد باستهداف أذرعها في المنطقة، ما لم يتم تغيير سلوكها، والمفاوضات التي تجري بينها وبين إدارة بايدن، والجزرة التي قدمتها واشنطن لطهران، من أجل عدم التدخل المباشر في دعم غزة خلال العدوان الإسرائيلي، والاكتفاء بدور المساندة، وهذه المحادثات ليست محل توافق بين الأجنحة المتحكمة في مفاصل السلطة الإيرانية، لأن واشنطن تركز على دعم جناح سياسي مقابل تقليص نفوذ الأذرع العسكرية.
ملفات شائكة وخلافات محتدمة بين الأجنحة الإيرانية
هناك خلافات محتدمة بين الأجنحة الإيرانية، حول مستقبل الحكم، وخلافة خامنئي (٨٥ عاما)، والعلاقة مع واشنطن، وأمن الخليج، والعلاقة مع الدول العربية والخليجية تحديداً، ومستقبل العلاقة مع تركيا، إلى جانب صراع حول السيطرة على المؤسسات والاقتصاد في إيران، و”رئيسي” هو جزء من هذا الصراع، ورغم قربه من خامنئي إلا أن له طموحاته الخاصة، ومنها أن يكون خليفته في حال وفاته، وهو ما يغضب “مجتبى” نجل خامنئي، الذي يسعى بكل قوة لأن يكون في مكان والده عقب رحيله.
ماذا بعد “رئيسي” و”عبداللهيان”؟
سيواجه خامنئي مشكلة في اختيار شخصية تخلف إبراهيم رئيسي، ويكون بنفس مستوى الولاء له، ولا شكَّ أن ذلك يزداد مع اقترانه بالحاجة إلى شخصية مناسبة لتحل محل خامنئي نفسه، كما أن الحرس الثوري سيسعى لترشيح شخصية بديلة لـ “عبداللهيان” في وزارة الخارجية، وهو الذي عمل مع الحرس وكان قريباً منه، ويعكس أجندته، ونجح في تبريد الاهتمام الإيراني بالحرب على غزة، وإبقائه في دائرة الإسناد والتضامن، وليس الدعم والتفاعل.
ستحتاج إيران إلى وقت كي تصحى من الصدمة، وتتغلب على الفشل الكبير الذي ظهرت به الدولة ومؤسساتها بعد ٤٥ عاماً من حكم المجموعة الدينية الشيعية، وإلى أن يتحقق ذلك، ربما يكون القطار قد فات لمواجهة التحديات المتزايدة التي تواجه إيران، وتضعها في خانة الأزمة المزمنة، وحالة التآكل نتيجة الترهل، وحالة الانكفاء نتيجة العجز.
المصدر
صفحة الدكتور أحمد رمضان.
اقرأ أيضا
جدلية العلاقة بين إيران والغرب
نقاط حاكمة في فهم أحداث المنطقة
المشروع السني.. أين.. وإلى أين..؟