لقد حظي البيان باهتمام عالمي كبير، لاسيما أنه يحظى بدعم دول لها وزنها وثقلها الدولي، بعضها قد يكون راغبًا في تحقيق مراد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية بتصفية المقاومة، وبعضها قد يراه محاولة أخيرة لحقن الدماء وفق تقدير منه لحساب قدرات المقاومة الفلسطينية الآخذة في التراجع بسبب طول مدة الحرب…

إعلان نيويورك وحل الدولتين: هل يُنهي العدوان أم يُكرّس التطبيع؟

فيما تواجه المفاوضات الرامية إلى وقف العدوان الصهيوني الجائر على غزة، وفيما تبلغ سياسة التجويع والقتل “الإسرائيلية” ذروتها، في محاولة أخيرة للضغط على المقاومة الفلسطينية من أجل وضع السلاح والقبول بالاستسلام، صدر في نيويورك بالولايات المتحدة في (29 من يوليو الماضي) “إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين” والذي وقع عليه 17 دولة، من معظم قارات العالم، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، والذي اشتمل على 42 بندًا، تتوزع ما بين وضع إطار عام للبيان الختامي لـ”المؤتمر الدولي بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين”، وما بين دعوات ومقترحات لآليات تنفيذ ما نجم عنه البيان.
وقد سِيق البيان كبادرة لوقف الحرب، وإيجاد حل سلمي، وسياسي، وتمهيد لعملية تطبيع واسعة النطاق، كتتويج لحل دائم لـ”الصراع” الفلسطيني/”الإسرائيلي”.

نزع سلاح المقاومة مقابل وعود ورقية.. 

وباختصار، فالبيان “يُبشر” بدولة فلسطينية منزوعة السلاح تحت حماية دولية في البداية، وفقًا لما أعلنه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ميرزا عن سياسة: “دولة واحدة، حكومة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد”، وإنهاء الحرب، وإجراء عملية تبادل “الرهائن الإسرائيليين”، مع “الأسرى الفلسطينيين”، وانسحاب “إسرائيل” بالكامل من غزة، والبدء بإعادة إعمار غزة، وإقامة مشاريع اقتصادية وغيرها في القطاع المنكوب.
وفي الطريق، “يُبشر” البيان أيضًا أو يأمل في وقف “الاستيطان”، والإبقاء على وضع الأماكن المقدسة في القدس وغيرها تحت إشراف المملكة الهاشمية، وإلى منع التهجير القسري للفلسطينيين، وإدخال المساعدات إلى غزة تحت إشراف دولي.. إلخ. ويدين “طوفان الأقصى” والعدوان الصهيوني على حد سواء.

بين داعميه ورافضيه.. هل يُنهي البيان الصراع أم يُمهد لاستسلام فلسطيني؟

وقد حظي البيان باهتمام عالمي كبير، لاسيما أنه يحظى بدعم دول لها وزنها وثقلها الدولي، بعضها قد يكون راغبًا في تحقيق مراد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية بتصفية المقاومة، وبعضها قد يراه محاولة أخيرة لحقن الدماء وفق تقدير منه لحساب قدرات المقاومة الفلسطينية الآخذة في التراجع بسبب طول مدة الحرب، ومدى تمكنها من الاستمرار طويلًا في مناجزة العدو، ويظنه – على غير ما يراه جمهور المؤيدين للمقاومة من الخبراء والباحثين والكتاب أنه محض استسلام بلا ثمن – أفضل الحلول!
وكذلك، فقد استقبلته وسائل إعلام عربية وغربية بالإشادة، لاعتباره سيفتح الطريق نحو وقف نزيف الدم، وإحلال السلام في المنطقة. فيما تجاهلته حتى الآن، الولايات المتحدة الأمريكية، و”إسرائيل” وحركة حماس.

قراءة في إعلان نيويورك لفلسطين

وتكشف القراءة الأولية للبيان عن نقاط، ربما رأى فيها فلسطينيون وغيرهم، مآخذ أو ثغرات في هذا البيان، فبعضها – لديهم – لا يمكن قبولها، وبعضها بدت مبهمة، ويمكن للعدو الغادر أن يلتف عليها، منها ما يلي:

إدانة ‘طوفان الأقصى’ والعدوان في سطر واحد.. 

1- أن البيان يساوي بين “طوفان الأقصى” والعدوان الصهيوني على غزة من حيث إدانة كليهما دون النظر إلى أن الطوفان لم يأتِ إلا كرد فعل على الجرائم الصهيونية، بل إنه من اسمه يعبر عن غضبٍ إسلامي حيال العدوان الصهيوني المستمر على الأقصى المبارك، والذي كان في ذروته إبان تفجّر هذا الطوفان.

ازدواجية البيان: جنود الاحتلال ‘رهائن’.. والمدنيون ‘مقاتلون!

2- أنه قد وصف الأسرى “الإسرائيليين” بـ”الرهائن”، مذكرً بأن “أخذ الرهائن محظور بموجب القانون الدولي”، بينما الواقع أن معظم المحتجزين إنما كانوا “أسرى حرب إسرائيليين” إما كجنود عاملين أو احتياط في الجيش “الإسرائيلي”، بينما وصف “الرهائن الفلسطينيين” بـ”الأسرى”، على عكس ما هو واقع من احتجاز “إسرائيل” للمدنيين الفلسطينيين، وقلة قليلة من المقاومين.

بيان نيويورك يطلب تسليم سلاح حماس.. بينما السلطة لا تستطيع حماية نفسها من الاحتلال!

3- أن البيان يُطالب حركة حماس بتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، وفي ذلك عدة ثغرات: أولها أن سلاح السلطة الذي تقبل به “إسرائيل” هو سلاح خفيف بدائي، وبالتالي؛ فإن تسليم سلاح حماس لا يعني أنه سيقع بين يدي السلطة، بل إنه سيتم التخلص منه تمامًا، وفي هذا تجريد للفلسطينيين من سلاحهم وليس للحركة وحدها. ثانيها: أن السلطة التي أطلق رئيسها نداءً عالميًا من قبل: “احمونا.. ليش ما بتحمونا”، من دون أن يطلق رصاصة واحدة على جحافل الجيش “الإسرائيلي” وهي تجتاح الضفة كل يوم تقريبًا، هي سلطة منزوعة السلاح بالأصل، أو هي غير مخولة بتفعيله إلا ضد الفلسطينيين، كما حصل في حملاتها الأخيرة في جنين وغيرها. ثالثها: أن تسليم السلاح للسلطة سيعني تلقائيًا فقد الفلسطينيين للورقة الوحيدة التي تحول بينهم والتهجير من غزة، وبالتالي، فلا حماية مطلقًا من تنفيذ “إسرائيل” سياسة كهذه من دون أي قوة تمتلكها الجهات الفلسطينية سواء أكانت سلطة أو حركات مقاومة. رابعها: أن السلاح المقاوم هو الورقة الوحيدة التي تُرغم “إسرائيل” على التفاوض، لا غيرها من البيانات والمناشدات.

كيف تحمي دولة بلا سلاح نفسها من كيان يمتلك جيشًا نوويًا؟

4- أن البيان يثني على تأكيد محمود عباس أن “الدولة الفلسطينية ينبغي أن تكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن توفير الأمن على أراضيها، لكنها لا تعتزم أن تكون دولة مسلحة”، وهذا يعني تأكيدًا على قيام دولتين تعيشان جنبًا إلى جنب – وفق البيان – إحداهما مدججة بأحدث الأسلحة في العالم وأشدها فتكًا، وأكثرها إجرامًا، وأشدها خسة وغدرًا ونقضًا لعهود، وآخرها اتفاق وقف إطلاق النار ذي المراحل الثلاث التي نقضته بعد المرحلة الأولى، إلى جوار “دولة” منزوعة تمامًا من السلاح، مطمئنة – بسذاجة – إلى وفاء الأولى بتعهداتها، إن هي فعلتها!

البيان يطلب تنفيذاً فورياً لنزع السلاح.. بينما ‘حل الدولتين’ يبقى مجرد حبر على ورق!

5- أن البيان لا يضع أي إطار زمني لقيام الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، ولا يحدد ما إذا كان نزع سلاح حماس سيسبق إقامة الدولة الفلسطينية أم العكس، وعليه؛ فإن المتلقي للبيان قد يشعر بأن مسألة نزع السلاح وجوبية مثلما ينص البيان على أنه “يجب على حركة حماس إنهاء حكمها في غزة وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية، بدعم وانخراط دوليين”، فيما يكتفي بالتأكيد على الدعم الثابت “وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، لتنفيذ حلّ الدولتين”، وهي عبارة مستهلكة عربيًا لم ينجم عنها شيء منذ عشرات السنين، ولم يضع لها البيان آلية للتنفيذ مبرمجة زمنيًا، وإنما ما ينقدح في الذهن أنها مجرد تطلعات للبدء في مفاوضات طويلة مع الجانب “الإسرائيلي” قد تفضي أو لا تفضي إلى قيام الدولة منزوعة السلاح تلك، بعد نزع السلاح من المقاومة بسنوات.

البيان يعيد إنتاج “قوات دايتون” لقمع الفلسطينيين باسم “الأمن”

6- أن البيان مع تأكيده على نزع السلاح من أيدي المقاومة والسلطة على حد سواء؛ فهو يُثبته للسلطة في معرض الحديث عن أجهزة الأمن (المشهورة بقمعها للفلسطينيين)، ويوكل مهمة تدريبها لجهات إقليمية (اعتادت على لعب هذا الدور من قبل)، ودولية، ونصت على الولايات المتحدة تحديدًا وهي الدولة التي تشاطر “إسرائيل” عدوانها الإجرامي على غزة بـ”الاستفادة من خبرة بعثات مثل منسق الأمن الأميركي (USSC)”.

لماذا يُحظر على حماس السياسية بينما يُسمح لحزب الله بالعمل؟

7- أن البيان حين يتحدث عن دولة فلسطينية “ديمقراطية” ويضرب موعدًا لإجراء انتخابات بعد سنة من إقامة تلك الدولة؛ فإنه يُشدد على اضطلاع هذه الدولة بمكافحة التحريض على الكراهية (المقاومة)، وهو مع ذلك لم يرسم تصورًا لغزة ما بعد نزع سلاح حماس، وما إذا كان بمقدورها لعب دور سياسي، وخوض تلك الانتخابات بجناحها السياسي، مثلما هو ما زال مسموحًا به لـ”حزب الله” الذي خاض حروبًا كذلك مع “إسرائيل” أو أن الحركة “السنية” سيكون لها استثناء خاص من تلك المزية؟ لاسيما مع تشديد البيان على مكافحة الإرهاب، يقول البيان: “التزمنا أيضاً بدعم تدابير وبرامج مكافحة التطرف والتحريض ونزع الإنسانية والتطرف العنيف المؤدي للإرهاب والتمييز وخطاب الكراهية على جميع المنصات ومن جميع الأطراف”، الذي قد يُفسر على أنه سيمهد طريقًا نحو اعتقال نشطاء وأعضاء حماس من غير العسكريين أو ممن يضعون سلاحهم وفق شروط الحل المطروح هذا؟

تغيير المناهج الفلسطينية.. أم غسل أدمغة الأجيال؟

8- أن البيان قد استهدف تحديدًا تغيير المناهج الفلسطينية بما يجعل الطلاب ينخرطون في ثقافة “السلام”، وغيرها مما يقبل به واضعو البيان و”إسرائيل” كذلك، فلقد نص البيان على أن الموقعين ملتزمون بالعمل على “تعزيز ثقافة السلام داخل المدارس في كل من إسرائيل وفلسطين، ودعم انخراط المجتمع المدني والحوار. (مرحبين) بالجهود الجارية لتحديث المناهج الفلسطينية (داعين) إسرائيل للقيام بجهد مماثل. (مؤيدين) إنشاء آلية دولية للرصد والتحقق من التزام الجانبين بهذه الأهداف”.

إعلان نيويورك يُجرّم المقاومة.. ويُشرعن الاحتلال!

9- أن البيان قد مهّد لتجريم أعمال المقاومة، مصادرًا على حق الشعوب في ممارسة ذلك، مغلقًا كل الطرق إلا ما يحددها هذا المسار، مدعيًا أن هذا الموافق للقانون الدولي، وذلك بالقول: “التزمنا أيضاً باعتماد تدابير محددة الهدف، وفقاً للقانون الدولي، بحق الكيانات والأفراد الذين يعملون ضد مبدأ التسوية السلمية لقضية فلسطين، من خلال العنف أو الإرهاب، وبالمخالفة للقانون الدولي”.

بيان نيويورك يتجاهل قرارات القضاء الدولي.. فلماذا يُقدم كـ’حل’؟

10- أن البيان قد عارض القوانين الدولية، ووضع أولويات جديدة، هذا وفق حركة فتح – فرع لبنان (الصاعقة)، والذي يُظهر صوتًا رافضًا للبيان من داخل أطر حركة فتح نفسها، والذي أوضح أوجه هذا التعارض فيما يلي:
“يُعدّ بيان نيويورك، بصيغته الحالية، متعارضًا مع عدد من المرجعيات القانونية الدولية الأساسية: – قرار محكمة العدل الدولية–يونيو 2025، الذي أكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واعتبره حالة مستمرة من خرق القانون الدولي تستوجب إنهاءً فوريًا وشاملاً. – التحقيقات الجارية في محكمة الجنايات الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في غزة، والتي تشمل القصف العشوائي، والتجويع كأداة حرب، والتهجير القسري، وعرقلة المساعدات الإنسانية. وهي انتهاكات يمكن تصنيفها ضمن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

– قرارات الأمم المتحدة، ومنها: – قرار الجمعية العامة رقم 67/19 لعام 2012، الذي يعترف بفلسطين كدولة مراقب على حدود 1967. – قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي يطالب بوقف فوري وكامل للاستيطان الإسرائيلي ويؤكد عدم مشروعيته. – قرارات متكررة تطالب برفع الحصار عن غزة وضمان حرية حركة الأشخاص والبضائع كجزء من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
هذه القرارات مجتمعة تؤكد ضرورة معالجة جوهر الصراع، لا مظاهره، وهو ما تجاهله البيان المشترك.” على حد نص توضيح فرع الحركة في لبنان.

التطبيع الكامل ثمنًا لدولة وهمية.. 

11- أن البيان قد ربط بين التطبيع مع “إسرائيل” في “الشرق الأوسط” كله، وجعله ثمنًا لإقامة هذه الدولة منزوعة السلاح، أو حتى البدء في مفاوضات لمسار يفضي إلى قيامها، بإلزام كل دول “الشرق الأوسط” بإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني نظير ذلك، وهو ثمن باهظ لهذه السلعة الفارغة، من شأنه أن يزيد “إسرائيل” صلفًا وعُتوًا، لأنه يأتي في أعقاب أكبر مجزرة رآها العالم كله – عبر وسائل الإعلام الحديثة – في تاريخ البشر منذ بدء الخليقة، وإذ تعيث “إسرائيل” إجرامًا وفسادًا في فلسطين (67) بشطريها، الضفة والقطاع، ولبنان، وسوريا، واليمن، دون رادع دولي؛ فإن هذا الطرح ربما مثّل مكافأة أكثر من كونه تسوية لطرفي حرب متضررين كليهما.

من القدس إلى حق العودة.. إعلان نيويورك يفرّط في الثوابت الفلسطينية

12- أن البيان لم يضع أي حلول حقيقية لقضية حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، والذي يؤكده القرار 194 بل ويُقر لهم بتعويضات عما تسببت لهم فيه “إسرائيل” منذ العام 1948، ولا يتحدث عن مصير جميع الرهائن الفلسطينيين في سجون “إسرائيل”، وقد اكتفى بتثبيت وضع الأقصى القائم بإشراف شكلي من الأردن، وسيطرة شبه تامة من الاحتلال، مع أن المنطق كان يفرض أن يُضمن الحل وضعًا يتسق مع كون القدس الشرقية ستكون عاصمة لدولة فلسطين المفترضة، وهذا كان من شأنه أن ينزع السيادة “الإسرائيلية” عليها، ويمنحها للدولة الوليدة، التي لا يمكنها أن تجري انتخابات في القدس الشرقية، ولكنها لا تشرف على مسجدها الأثير، قبلة المسلمين الأولى!

كيف يضمن إعلان نيويورك التزام ‘إسرائيل’ وهي تنقض كل الاتفاقيات؟!

13- أن البيان لم يضع أي آلية لضمان التزام طرف لم يلتزم يومًا بأي اتفاق أبرمه، وفي ظل الإجرام “الإسرائيلي” البشع، والذي نقض فيه كل العهود، واخترق فيه كل القوانين الدولية، وضرب بعرض الحائط المحكمة الجنائية الدولية، واعتبرها كيانًا إرهابيًا، وتوعد قضاتها، وفي ظل تواطؤ الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني في كل شاردة وواردة، وعدوان وتفاوض، واستخدامها حق النقض “الفيتو” ضد أي قرار يُتخذ ضد الكيان في مجلس الأمن، فماذا عساه يصنع البيان سوى “تقييد الضحية وإطلاق يد الجلاد”، على حد تعبير بعضهم. يقول توماس فريدمان في مقاله (30 يوليو الماضي في نيويورك تايمز): “في يناير، توصّلت إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف لإطلاق نار من ثلاث مراحل، تضمن تبادلا للأسرى والرهائن، لكن ترامب وويتكوف سمحا لنتنياهو بخرق وقف إطلاق النار من جانب واحد في آذار، قبل التفاوض على المرحلتيْن الأخيرتيْن. وأشار بيبي إلى رفض حماس الاستجابة لمطلب إسرائيل بالإفراج عن المزيد من الأسرى قبل استئناف المفاوضات، رغم أن حماس لم تكن مُلزمة بذلك في المرحلة الأولى من الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة”.

المفارقة الصارخة بين أهداف البيان وحقائق الأرض

وفي الأخير نقول:
هذا رأي الناقدين، وسواه ثمة من يرى أن ما طُرح إنما كان لإنقاذ غزة وأهلها، وأن الظرف الدولي والإقليمي لا يسمح بأكثر من هذا كحل يحقن الدماء، ويسد الجوع، ويداوي الجراح، ويعمر القطاع، بل يراه يفتح كوة للمقاومة يمكنها أن تنفذ منها إن هي ارتأت أن تضع سلاحها قبل أن ترغم على ذلك تحت وطأة العجز عن الاستمرار (والتقدير للمقاومة في ذلك على كل حالٍ، وهي الأدرى بإمكاناتها ومساحة مناوراتها الممكنة).
وهذا يثير شكًا كبيرًا لأن الطرف الآخر – حتى على فرض عدالة الحل وهو ليس كذلك – منفلت من كل التزام، ولا ضامن له ولا رادع، وجل ما سيقبله هو ما يفيده ثم ينقض ما لا يراه مفيدًا له، بل إنه حتى لم يتعاطى مع هذا البيان بقدر من الاهتمام والترحيب.
ثم إن الاعتراف بدولة في الفراغ ليس إنجازًا كبيرًا يسعى إليه، ودون العالم مثال حي لحق قد انتزع بالقوة من دون اعتراف؛ فلا يعني عدم اعتراف العالم بـ”الإمارة الإسلامية” الأفغانية أنها ليست دولة حقيقية بجيش وشرطة وقضاء واقتصاد وتعامل دولي، أنها ليست دولة مرهوبة ذات سيادة حقيقية، ولن يعني الاعتراف بدولة لا تملك من ذلك إلا الشرطة وسلاح القمع الداخلي أنها دولة حقيقية ذات سيادة. جزرة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية لا قيمة له دون أن يكون لها عصا.. عصا حقيقية ضد عدوها الغشوم الغادر المجرم، لا ضد شعبها المظلوم.

المصدر

اللجنة السياسية – رابطة علماء المسلمين.

التعليقات غير متاحة