من عجيب أمر الطغاة أن أكابرهم اليوم؛ لا يرتدعون أو يعتبرون بمصائر أسلافهم السوداء بالأمس ، وكأنهم من فرط جهلهم بالله لا يصدقون بوعيد ولا يرعوون لتهديد، ولهذا قال سبحانه: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:16-19].
هؤلاء تحت الحرب الإلهية المعلنة
.. وهو – عز وجل- يذكرهم بضعفهم وعجزهم.. عندما تعمى بصائرهم فيظنون أن بوسع الآدمي منهم أن يتمادى في الجرم والظلم دون رقيب أو حسيب، فيقول لأمثال هذا الصنف المغرور الجهول :
– {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد:5]…
– {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:7]..؟!
- ولحسبان أهل الطغيان أنهم لن يقدر عليهم أحد؛ يخوضون في المظالم فيعادون أولياء الله أفرادا وجمعات وشعوبا، مع أنهم لو عادوا وليا واحدا لكانوا موضع إعلان الحرب من الرب، كما جاء في الحديث القدسي : (إنَّ اللَّهَ تعالى قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ)1(1) [البخاري/٦٥٠٢]. وفي رواية: (من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربةِ)..
- ولأن كل مؤمن متق لله يعد من أولياء الله، كما قال الله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٢-٦3] .. فإن من يعاديهم بغير حق فقد عادى الله، بل بارزه بالمحاربة، وما أكثر من يبارزون الله بالحرب في هذا العصر.
- فحرب غزة المستمرة منذ نحو عام ونصف بصور متنوعة من القهر والتجبر على المستضعفين؛ مثال صارخ على الحرب على أولياء الله، ولذلك فإن كل مسؤول أو مشارك أو مبارك لما حصل ويحصل فيها من التدمير والتشريد وتشديد الحصار – وبخاصة في شهر الصيام -؛ هو تحت الحرب الإلهية المعلنة، مهما كانت آثارها غير واضحة عند البعض أو مبهمة..
- وكذا يقال في كل من مكروا لإعادة الشعوب الإسلامية التي ذاقت حلاوة الحرية إلى مرارة عهود الظلم والظلام والعبودية – كما حدث في سوريا مؤخرا – مستكثرين على المسلمين حياة الكرامة الإنسانية في ظل الشريعة الإلهية؛ وكذلك كل الذين يؤذون المسلمين ويملأون بهم السجون بلا جريمة ولا جريرة؛ هم من المبارزين لله بالمحاربة، وهم لذلك معادون محادون للدين لاستحلالهم أذى المؤمنين، والله تعالى يقول : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [ الأحزاب:٥٨].
- وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الكعبة، فقال: (مرحبًا بك من بيت، ما أعظمك، وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك)2(2) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وهو في السلسلة الصحيحة برقم:[٣٤٢٠] ..
- كم رأينا وسنرى آثار محاربة الله لمن حاربوه، وكيف انتقامه ممن بارزوه وأغضبوه، والأمر كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة:٥٢] .
وحتى لو أرجأ الله أخذ بعض الأعداء.. فلن يتعدى ذلك حد الإمهال والإملاء، كما قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ عن أولئك الظالمين المتربصين بالمؤمنين: {إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] 3(3) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ..
فاللهم اجعلنا سلما لأوليائك..حربا على أعدائك، وأرنا في الظالمين مظاهر بأسك وعجائب قدرتك ..
الهوامش
(1) [البخاري/٦٥٠٢].
(2) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وهو في السلسلة الصحيحة برقم:[٣٤٢٠] .
(3) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
المصدر
صفحة د.عبدالعزيز كامل على منصة ميتا.
اقرأ أيضا
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ
عواصف التغيير، والحكم الإلهية في التدبير (١)