في الماضي كان الناس يتخذون معبودات من حجر أو خشب يعبدونها ويقدمون لها القرابين، أو يعدلون بالله تعالى ما لا يستحق العبادة من نجوم وكواكب كالشمس والقمر. أما في الحاضر، فقد ظهر الشرك بمظاهر شتى خادعة…فما هي أهم صور ومظاهر الشرك في زماننا؟
نواقض الإيمان – التوحيد – وما يخالفه
إن عدم الإيمان، وإنكار قول: لا إله إلا الله، وإنكار البعث والثواب والعقاب، وجحد النبوة وآيات الله وأعلامه وحججه، وعدم قبول نصيحة الرسل عليهم السلام، وعدم تصديق ما جاؤوا به من عند الله عز وجل والإعراض عنهم، واختلاق الباطل على الله جل ثناؤه، كل هذا من صفات الكافرين المستكبرين المكذبين الذين يأنفون الخضوع والانقياد لأمر الله تعالى، ويمتنعون عن متابعة رسله عليهم السلام، مع العلم بصدقهم، إذ جاؤهم بأدلة دامغة وبراهين وحجج قاطعة.
وهذا النوع من الكفر يضاد الإيمان من كل وجه، ويخرج صاحبه من الدين والملة، ويوجب له الخلود في النار. كما أن صفات الكفر يتصف بها المشركون الذين يتخذون مع الله سبحانه وتعالى إلها آخر، يعبدونه بنوع من أنواع العبادة غير المشروعة. وهذا الشرك الذي يتضمن تسوية آلهة المشركين برب العالمين لا يغفره الله عز وجل إلا بالتوبة. وهو أعظم الظلم؛ لأنه يناقض أصل التوحيد.
الشرك قديما وحديثا
وفي الماضي كان الناس يتخذون معبودات من حجر أو خشب يعبدونها ويقدمون لها القرابين، أو يعدلون بالله تعالى ما لا يستحق العبادة من نجوم وكواكب كالشمس والقمر. أما في الحاضر، فقد ظهر الشرك بمظاهر شتى خادعة، قد تكون مذهبا من المذاهب الفكرية أو الاقتصادية. وقد تكون أهواء وشهوات يخضع لها الناس فيتخذونها آلهة من دون الله تعالى. وقد تكون المعبودات مجموعة من العادات الاجتماعية والمادية والشعارات التي تسيطر على الناس بواسطة العرف ووسائل الإعلام والدعاية: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً) [الجاثية: 23].
الشرك في الطاعة والاتباع والحكم
على أن أخطر أنواع الشرك في هذا العصر هو شرك الطاعة والاتباع، وشرك المحبة والنصرة. وقد جاءت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة لتؤكد أن إفراد الله تعالى بالحكم في شؤون الحياة كلها، أصل من أصول الاعتقاد، وركن من أركان توحيد الألوهية، وعروة من عرى الإيمان.
ولأجل ذلك، فكل من أطاع مخلوقا في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فهو مبدل مشرك شرك الطاعة والانقياد والاتباع؛ لأن التشريع من خصائص رب العالمين، وتحكيم شرع الله تعالى في حياة الناس شرط الإيمان الذي لا يتحقق إلا به.
شيوع مظاهر شرك الطاعة والاتباع في واقعنا وبلادنا
وللأسف نجد هذا النوع من الشرك يعم اليوم أصقاعا كثيرة في بلدان العالم حتى تلك الداخلة تحت مسمى الإسلام، بعد تنحية الشريعة الإسلامية عن الحكم في شؤون الحياة كلها، ولم تسلم حتى الأحوال الشخصية من ذلك. وتم استبدال الشريعة بالقوانين الوضعية التي فرضها الحكام المستبدون على الناس وشاركتهم الشعوب في ذلك عن رضا واختيار إلا من رحم الله عز وجل ولم يرضى بذلك، وهم قلة من العلماء والدعاة الغيورين على دين الله تعالى.
ولذلك فمن الواجب العناية بهذا اللون من الشرك وبيان خطورته، والتصدي له وتوعية الناس بآثاره على الأمة في الدنيا والآخرة.
ذلك أن غالب الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين اليوم نجدها بعد استقراء دساتيرها، منسلخة من عقيدة إفراد الله عز وجل وحده بالتشريع، وجعلت سلطان التشريع للمجالس النيابية التي تحلل وتحرم بموجب القانون الوضعي الذي أصبح طاغوت العصر.
الشرك في المحبة والولاء
أما شرك المحبة والنصرة والولاء فيكون عندما يتوجه الإنسان بالمحبة لغير الله تعالى. وقد وقع في عصرنا شيء من هذا عند النخب العلمانية في العالم الإسلامي التي افتتنت بما عند الكفار الغربيين من أفكار ومناهج، وسارت على خطاهم في نشر المذاهب اللادينية بين المسلمين عن طريق وسائل الإعلام ومناهج التعليم، لغرس المحبة لأعداء الله من اليهود والنصارى في قلوب الناشئة، وموالاة الكافرين ونصرتهم.
وقد عم وطمّ البلاء بهذه الفتنة في بلاد المسلمين، فنجد من المنتسبين إلى الإسلام من يمجد الكفار ويثني عليهم ويسميهم شرفاء، لأنهم في رأيهم أتقنوا العمل، ومهروا في الصناعات، ويقدرون قيمة الوقت، إلى غير ذلك من المزاعم التي تتناقض مع المعيار الشرعي للحكم على الناس وهو معيار العقيدة، الذي يزن الأشخاص بميزان التوحيد والإسلام والإيمان، هل هم مسلمون موحدون أم هم مشركون ضالون؟ هل هم مؤمنون أم هم كافرون؟
الولاء والبراء على أساس العقيدة
فالعقيدة في الدين الحق هي التي تجمع وتفرق، وبها نوالي أو نعادي، وبها نحب أو نبغض، لقول الله تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22]، وقوله عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51]، وقوله جل ثناؤه: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء: 138-139].
أما الأحاديث النبوية الواردة في الولاء والبراء، والمحبة والنصرة، فمنها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»1(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الإيمان، 11/41، بسند حسن، وأحمد في المسند، 4/286.. وقوله صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله»2(2) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، 1/425. وحسنه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير، 2/343.. وعن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن: «تنصح للمسلم وتبرأ من الكافر»3(3) أخرجه أحمد في المسند، 4/357..
مفاصلة الكفار واتخاذ المواقف منهم
وعلى العموم، فإن الولاء للمسلمين بمحبتهم، ونصرتهم، والاهتمام بشؤونهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، ومواساتهم من مقتضيات تحقيق الإسلام. كما أن البراءة من الكافرين والمنافقين ببغضهم، والحذر من التشبه بهم، ومخالفة مناهجهم وأفكارهم من لوازم تحقيق الإيمان.
فالتميز والمفاصلة أمران ضروريان للمسلمين في هذا العصر، فليس هناك أنصاف حلول ولا التقاء في منتصف الطريق مع أعداء الدين من الكافرين، ومن سار على دربهم من المنافقين. وإنما هو التشبث بالدين الخالص في كل نواحي الحياة، والثبات على منهج الدعوة الأول، وإلا فهي البراء الكاملة والمفاصلة التامة والحسم الصريح: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون: 6].
لكل أمة شريعة ونظام، ينبعان من عقيدته وهويته..
ومن التنبيه بمكان أن الأمة عندما تؤمن إيمانا كاملا بأن الشريعة الإسلامية هي هويتها ودستور حياتها، وأن مبادئها وقيمها هي منهاج تعاملها فيما بينها وبين الآخرين، فإنها ستحرص على تطبيقها؛ لأنها مصدر عزتها وقوتها وكرامتها، ومن ثم ستحافظ عليها وتعادي وتوالي من أجلها، وستعتبر أي مساس لسلطانها وسيادتها خيانة في حق هذا الدين.
أما عندما يغيب التحاكم إلى شرع الله من حياة المسلمين، فإن الفراغ الرهيب في حياتهم ستملأه النظم والقوانين والمناهج المستوردة من الغرب الكافر، التي تنكب على صنع أجيال متمردة على حكم الله تعالى بالسياسات الإعلامية والتعليمية والثقافية الجاهلية، ومن ثم تذوب الفواصل بينهم وبين أعدائهم فيتشبهون بهم في أنماط العيش وطرق الحياة المختلفة؛ لأن المغلوب لا يزال مقلدا للغالب في كل شيء.
ولهذا أمر الله جل ذكره في كتابه الكريم بعدم تتبع أهواء الذين كفروا من أهل الكتاب والاحتكام إلى نظمهم الجاهلية، بما يقتضي عدم موالاتهم والبراءة منهم.
الهوامش
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الإيمان، 11/41، بسند حسن، وأحمد في المسند، 4/286.
(2) أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، 1/425. وحسنه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير، 2/343.
(3) أخرجه أحمد في المسند، 4/357.
اقرأ أيضا
من أخطر صور الشرك.. شرك الطاعة والاتباع