من رموز العلماء والقضاة، ومن كبار علماء الإسلام، يتميز بالأناة والرويّة، حادّ الذكاء لا يمكن أن يُخدع، يحتاط في كل ما يقوله أو يفعله، ولا تغيره الدعاوى.

الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله .. (29/12/1329هـ -20/12/1402هـ)

مقدمة .. التعريف بالشيخ

أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن حميد.. ينتهي نسبه إلى “بني خالد”؛ القبيلة المعروفة.

ولادته

ولد في مدينة الرياض في (29/12/1329) هـ، توفي والده وهو في السنة الثانية من عمره، وتوفيت والدته وهو في السنة السادسة من عمره، وكفّ بصره وهو صغير بسبب مرض الجدري.

طلبُه للعلم

ولم يكن فقدُ بصره عائقا له عن طلب العلم؛ حيث قرأ القرآن وحفِظه على المقرئ “علي بن محمد بن مديميغ” وكان متقناً ضابطاً، ثم بعد ذلك استظهره وقرأه مجوَّدا على إمام المسجد الحرام الشيخ “عبد الظاهر ابوالسمح” رحمه الله، وبعد ذلك أخذ في طلب العلم بهمّة ونشاط ومثابرة، ومع اهتمامه بالعلم واجتهاده فيه كان من تقدير الله وجود صفوة من العلماء، اختص كل واحد منهم في باب من أبواب العلم وفن من فنونه.

مشائخه

الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ قاضي الرياض، الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ،  الشيخ حمد بن فارس، الشيخ سعد بن حمد بن عتيق، سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ـ (ت 1389هـ) ـ علّامة الجزيرة ومفتيها فهو شيخه الأكبر؛ فقد أخذ عنه جُلَّ علومه ومعارفه في كل الفنون.

قال الشيخ “عبد الله البسّام رحمه الله ـ (ت 1423هـ):

“لازَم الشيخ “محمد بن إبراهيم” ملازمة تامة حتى صارت له منه الفائدة الكبرى وتخرّج على يديه”

وقال القاضي:

ولازمه زمنا طويلا؛ فقرأ عليه في التوحيد والعقائد والحديث والفقة والفرائض والنحو.

وقد وهبه الله رغبة في العلم وحب التحصيل والاستزادة من العلوم والمعارف بشتّى أنواعها وفنونها، من الشرعية والعربية والأدبية أصولا وفروعا فتأهّل وبرز بين الأقران؛ قال القاضي:

“ونبغ في فنون كثيرة، واتسعت مداركه؛ فقد وهبه الله فهما ثاقبا وذكاء متوقّدا وقوة في الاستحضار لا نظير له. وكان مشائخه يتفرسون فيه الذكاء ويقولون: سيكون لهذا الفتى شأن” مماجعل سماحة الشيخ محمد يعيّنه مدرسا ومساعدا له؛ فمتى غاب انتهى التدريس إليه.

أعماله

كان الملك عبد العزيز شديد الإعجاب به وبغزارة علمه وسداد رأيه وصفاء ذهنة وقوة شخصيته حتى قال عنه:

“لوكنت جاعلا القضاء والإمارة جميعا في يد رجل واحد لكان ذلك هو الشيخ عبدالله بن حميد”

لذلك:

– عيّنه الملك قاضيا في العاصمة “الرياض”، وذلك في محرم (1357)هـ وله من العمر ثمانية وعشرون سنة.

– ثم انتقل إلى قضاء منطقة “سدير” بطلب من الملك خلفا للشيخ “عبد الله بن عبد العزيز العنقري” رحمه الله (ت1373هـ).

– قاضيا في “بريدة”، وصار هو المرجع في القضاء والإفتاء والتدريس والإمامة والخطابة وصار له القبول التام في المنطقة.

– وفي عام (1372)هـ انتدبه الملك إلى الحجاز للنظر في قضايا مختلفة؛ فمكث سنة كاملة متنقلا بين محاكم “مكة المكرمة” و”المدينة المنورة” و”جدّة” و”الطائف” للبتّ في قضايا عويصة طال فيها النزاع وتشابك فيها الخصوم.

– وفي (29) من شعبان من عام (1377)هـ طلب الإعفاء من قضاء القصيم فرفع الرغبة إلى الملك “سعود”؛ فأجيب طلبه بعد مراجعات وإلحاح شديد ثم تفرغ للتدريس.

– وفي عام (1384)هـ اختير ليكون رئيسا للرئاسة العامة للإشراف الديني على المسجد الحرام عند أول تأسيسها، فانتقل إلى “مكة المكرمة” واستقر فيها وباشَر عمله فرتّب إدارتها واهتمّ بتنظيم شؤون المسجد الحرام، واتسعت دائرة اتصالاته بالعلماء في “الحرمين” وغيرهم من الوافدين من أهل العلم والصلاح في مواسم الحج والعمرة، وشرع رحمه الله في التدريس بالمسجد الحرام والوعظ والإرشاد والإفتاء، كما رغب في إنشاء “معهد الحرم المكي” داخل أروقة المسجد الحرام؛ فتم تأسيسة عام (1384)هـ ليكون معادلا للمرحلة الثانوية والمتوسطة، واختار له المعلمين العلماء الأكفاء فكان نبتة صالحة تخرَّج منه الأفواج تلو الأفواج.

– وفي عام (1395)هـ عيّنه الملك “خالد” رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، ليكون المرجع النهائي في القضاء، واستمر في رئاستة حتى وافاه الأجل؛ فكان رحمه الله محمود السيرة، حريصا على توجيه القضاة وتذكيرهم بمهمات أعمالهم، حافظا لحقوقهم، حاميا لجنابهم، كما كان قوي الموقف فيمن يخالف.

كما طلُب منه التدريس في “المعهد العالي للقضاء” حينما أنشئ عام (1386)هـ فوافق واستمر في التدريس كل عام.

كما أن أول رسالة علمية نوقشت في الدكتوراه في الفقة الإسلامي في “المملكة” نوقشت على يدية وهي رسالة “د.شرف الشريف” وعضوية المناقشة الشيخ “صالح الفوزان”.

مواقف في الاحتساب على الملوك

موقف فضيلة الشيخ «عبدالله بن محمد بن حميد» رئيس المجلس الأعلى للقضاء في كتابته للملك خالد في بلاد الحرمين يستنكر فيها ظهور منكرات كثيرة في البلاد ويهدد بالإنكار العلني في حالة عدم التجاوب.

والرسالة طويلة تقتطف منها مايلي:

من عبدالله بن محمد بن حميد إلى حضرة صاحب الجلالة الملك خالد بن عبدالعزيز ـ حفظه الله..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد؛

سلمك الله ـ جرى البحث معكم عصر يوم الاثنين الموافق (12/5/1399هـ)، في بعض الأمور الهامة وطلبت من جلالتكم الاجتماع بكم وبالأمير «عبد الله» النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني والأمير سلطان وزير الدفاع والطيران والمفتي العام لبحث بعض الأوضاع الهامة في المملكة شفوياً.

ولكن حيث لم يحصل ذلك اضطررت أن أكتب لكم ما كنت أريد أن أبحثه معكم ومعهم، وأن أذكّركم بما سبق أن كتبته لجلالتكم برقم (507) وتاريخ (28/3/98هـ) ولسمو الأمير فهد برقم (1918) في (21/11/98هـ)، بما تجدون صورة مشفوعاً بهذا.

والله يعلم أني لكم محب وناصح أمين، ولكن الى الله المشتكى؛ لم نجد منكم تجاوباً ولا تأثّراً بما يقع في البلاد من شرور وأضرار وانحراف، لا بالنسبة لوسائل الإعلام، ولا بما يظهره الأجانب الكفرة من شعائر دينهم ورفع صلبانهم، ولا منع المحرمات الظاهرة مما هو مذكور في كتابينا المشفوعة بهذا؛ مما يهدد كيان الدولة ويسبب زوالها…

إنني أكتب لكم وأنا في قلق شديد والأسى يحزّ في نفسي، ويعلم الله أنني لم أدخر لكم نصحاً ومحبةً، وقد كتبت لجلالتكم سراً عن كثير (كما في كتابينا المرفقة صورهما) من المنكرات التي بدأت تظهر أعناقها وتعلن أمام الخاص والعام سواء بواسطة أجهزة الإعلام أو مايرتكبه السفلة من الناس دون وازع من سلطان أو ضمير.

وتكلمت معكم مشافهة؛ تارة بمفردي وتارة مع أعضاء هيئة كبار العلماء، لكن لم أرَ أي أثر لذلك.

وقد استفرغت الوسع في النصيحة ولم أجد ما أبرر به لما حل بهذه البلاد من الأمور العظيمة التي يندى لها الجبين، ولم يبق أمامنا من المعذرة بين يدي الله سبحانه وتعالى إلا المبادرة بالإنكار علناً، وأن نقوم بكتابة الرسائل وبيان حكم الله ورسوله في ذلك.

والدافع لذلك كله هو ما يعلمه الله من الشفقة عليكم والنصح لكم ومحبتكم وإبراء لذمة الجميع. والله على ذلك شهيد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في (20/9/1399هـ) (1راجع مقال “القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (3-4) قناديل معاصرة)

مجالس وهيئات ومؤتمرات شارك فيها

كانت له مشاركته وعضويته ورئاسته لعدد من المجالس والهيئات والمؤتمرات منها:

  1. عضو “مجلس هيئة كبار العلماء” بالمملكة.
  2. رئيس “المجمع الفقهي” في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة.
  3. رئيس لجنة جائزة الدولة التقديرية.
  4. عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.
  5. عضو المجلس الأعلى العالمي للمساجد في الرابطة.
  6. عضو المؤتمر العالمي لتوجية الدعوة وإعداد الدعاة.

قالوا عنه

قال عنه زميله الشيخ العلامة “عبد العزيز بن باز” رحمه الله:

” ترك أثراً بيراً وفراغاً عظيماً، وذلك بسبب غزارة علمه وكثرة فضله واهتمامه بأمور المسلمين وتوجيههم للخير عن طريق الكتابة والخطابة والوعظ العام.

لقد كان رحمه الله زميلاً لي في طلب العلم والتحصيل..

ومن هنا ربطني بالشيخ “عبد الله” ـ رحمه الله ـ علاقة متيـنة ازدادت على مر الأيام في المذاكرة والتعاون على البر والتقوى والنصح العام لولاة الأمر والمسلمين”.

قال عنه تلميذه معالي الشيخ “محمد بن ناصر العبودي” أمين عام رابطة العالم الإسلامي:

“كان الشيخ قاضياً بل مرجعاً للقُضاة في منطقة “القصيم”، وكان القضاة يلجؤون إليه في السؤال عن مسائل القضاء المشكلة عندهم.

وكان يناقشنا في المسائل الفقهية، ولا يترك المسألة تمر حتى يفهمها أكثر الطلبة.

ولم يكن شيخنا مذهبياً بمعنى أنه لا يخرج عن المذهب الحنبلي الذي كان يسير عليه على وجه العموم؛ فدعوى أنه لا يخرج عن المذهب غير صحيحة فكان يبحث عن الدليل في بعض المسائل ولكن لا يدعو أو يتظاهر بترك المذهب لأنه يخشى أن ينفلت الأمر بالنسبة للقُضاة وطلبة العلم “.

يقول الشيخ المحقق “عبد الله البسام” صاحب كتاب “علماء نجد خلال ثمانية قرون”، والذي اعتُمد عليه كثيراً في ترجمة الشيخ ابن حميد:

“لقد كان الشيخ “عبد الله بن حميد” محل إجلال وتقدير من الحكام، وصاحبَ الإشارة والكلمة الناقدة؛ حيث يجلّونه ويعرفون قدره ويحترمونه غاية الاحترام لسعة علمه وبُعد نظره ونصحه لعامة المسلمين وولاتهم وما يقوم به من خدمة الإسلام والمسلمين.

وهو من كبار علماء الإسلام وعقلائهم ووجهائهم يتميز بالأناة والرويّة، كثير الصمت إلا فيما ينفع، حادّ الذكاء لا يمكن أن يُخدع، يحتاط في كل ما يقوله أو يفعله، لا ينخدع بالمظاهر مهما كانت، ولا تغيره الدعاوى.

كان يرى أن اتحاد المسلمين هو العلاج الوحيد لنصرة المسلمين.

هو عالم فقيه لا يُشق له غبار، وبخاصة في فقه الحنابلة، ولي معه صلة وثيقة ومودة أكيدة وعلاقة علمية هي أقوى وأوثق من علاقة النسب.

وقد اشتركت معه في أعمال علمية كإلقاء الدروس في المسجد الحرام والندوة العلمية في موسم الحج…”

والشيخ من كبار علماء الإسلام وعقلائهم ووجهائهم؛ قال بعضهم:

“الشيخ بن حميد قد رزقه الله عقلا راجحا وسياسة ليس لها نظير، وحِكمة جعلته محل احترام، ومحل ثقة لدى الكبير والصغير…

رزقه الله بصيرة نافذة يعرف الدعاة الحقيقيين الناصحين المخلصين بحيث يميّزهم من أهل التمويه والخداع، لا يمكن أن يُستغفل فهو كيّس فطِنٌ، يزروه الكثير من أهل العلم وممن ينتسبون إلى جمعيات وأحزاب من الشرق والغرب؛ فيتعرف المصيب من غيره”.

قال الشيخ إسماعيل بن عتيق:

“أما وصف شيخنا فلا يلم تبيانه البيان وهو العالم الأجل العبقري لم تشهد الجزيرة إلا النادر من أمثاله في ذكائه ونبوغه وفطنته وفهمه”.

مؤلفاته

للشيخ، رحمه الله، مؤلفات كثيرة من أبرزها:

  • التوحيد وبيان العقيدة السلفية النقية.
  • الدعوة إلى الله وجوبُها وفضلها وأخلاق الدعاة.
  • الدعوة إلى الجهاد في القرآن والسنة.
  • من محاسن الإسلام. توجيهات إسلامية.
  • الرسائل الحسان والرد على يسر الإسلام.
  • غاية المقصود في الرد على ابن محمود.
  • تبيان الأدلة في إثبات الأهلة وهداية المناسك.
  • كمال الشريعة.
  • دفاع عن الإسلام.
  • الإبداع في شرح خطبة الوداع. وله فتاوى كثيرة متفرقة.

تلاميذه وطلابه

على سبيل المثال لا الحصر:

  • الشيخ محمد بن سبيل (إمام المسجد الحرام).
  • الشيخ صالح اللحيدان (رئيس مجلس القضاء الأعلى).
  • الشيخ صالح الفوزان (عضو الإفتاء).
  • الشيخ حمود التويجري (صاحب المؤلفات المشهورة).
  • الشيخ صالح الاطرم (عضو هيئة كبار العلماء سابقا).
  • الشيخ صالح بن غصون (عضو الإفتاء).
  • الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (مفتي المملكة حاليا).
  • الشيخ صالح البليهي (صاحب كتاب السلسيبل).
  • الشيخ عبدالله الدويش (المحدث المشهور).
  • الشيخ صالح السدلان.. وغيرهم كثير.

وفاتــه

أصاب الشيخ رحمه الله مرض عُضال آخر عمره (سرطان المعدة)، وأمَرت الحكومة له بالسفر إلى أمريكا مرتين للكشف عليه والعلاج له؛ ولكن أمر الله غالب، وعاد من المرّة الثانية متعباً.

قال تلميذه الشيخ العبودي:

“زرتُه في المستشفى في الطائف قبل وفاته بنحو أسبوع، فوجدته يتغذى بالأنبوب وجسمه ضعيف؛ ولكنه لم يتخلَّ عن عبارات المجاملة التي يسأل بها الرجل ـ عادة ـعن صحته وعن عياله وأحوالهم.

ثم توفي في الساعة الثالثة بعد ظهر الأربعاء العشرين من ذي القعدة عام 1402هـ وصُلي عليه يوم الخميس في المسجد الحرام في “مكة المكرمة” بعد صلاة العصر، ودُفن في مقبرة العدل شرقيّ مكة المكرمة.

رحمه الله وجعل ما تحمّله في مرضه من آلام في ميزان حسناته إنه سميع قريب”.

……………………………………….

هوامش:

  1. راجع مقال “القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل (3-4) قناديل معاصرة

المصادر:

  • الشيخ العلامة عبدالله بن محمد بن حميد كما عرفته ، تأليف : محمد بن ناصر العبودي .
  • علماء نجد خلال ثمانية قرون، العلامة الشيخ المحقق عبد الله البسام .
  • موقع التوحيد.
  • موقع الآجري.
  • الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة.
  • موقع أهل الحديث.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة