لا يأس ولا قنوط؛ فعقيدتنا منصورة، وديننا ممكَّن، وعلينا الجزم بذلك وعلمه علم اليقين؛ لنعيش بنفسية آملة متفائلة، تركز نظرها على النور، وتتجه للاجتماع على ضوئه.
تساؤلات مشروعة
متى نصر الله وقد استشهد منا آلاف الشهداء ومثلهم من المعتقلين وآلاف المصابين؟ هكذا ينتاب الكثير من أصحاب الحق والمدافعين عنه والمؤمنين به والباذلين دماءهم وأرواحهم في سبيله هذا السؤال المشروع وغيره من الأسئلة: هل تأخر النصر؟ ولماذا؟ وما الأسباب؟ ومتى نصر الله؟ ولم كل هذه الدماء والتضحيات ولم يأت النصر بعد؟ وغيرها من التساؤلات المشروعة، وكل ذلك يحتاج منا أن نقف وقفات تربوية مع بعض آيات سورة الأحزاب نقرأها قراءة تربوية متأنية لندرك من خلالها أن نصر الله قادم وربما قائم فعلاً، وأن النصر له قواعد وقوانين وسنن إلهية لا بد من توافرها وتحققها، تمثلها هذه النقاط العشر:
متى نصر الله – تأملات في سورة الأحزاب
- نصر الله قريب وقادم وقائم وله جنود لا يعلمها إلا الله، ولا يعلم أحد متى تتنزل ولا كيف إلا هو وقد تكون هذه الجنود خفية لا يعلمها إلا هو ولا تخطر ببال أحد بل قد تكون هذه الجنود في صفوف أعدائنا، فينقلها الله ويعطف قلبها علينا لتكيد لأعدائنا، وقد تكون هذه الجنود من الجمادات، ولكننا لا نرى النصر ولا جنوده لحكمة يريدها الله: “فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا”.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين نقدم أقصى ما لدينا من جهد وتضحيات: نعم قدمنا آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين وآلاف المعتقلين وبذلنا الوقت والجهد والمال والولد والنفس والحياة فيأتينا الرد الإلهي “وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا” فهو معنا يرى مكاننا ويعلم حالنا .
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين تشتد المحنة وحين تزداد شراسة الباطل وتتجمع كل قوى الشر على أهل الحق من كل صوب وحدب وتحيط مؤامرتهم بنا من كل مكان، وحين تتجمع علينا الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة وعملاؤهم بعالمنا العربي “إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ” فهي بشرى نصر الله القريب .
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين يتحقق الامتحان الإلهي ويصل المؤمنون إلى مرحلة الزلزلة وتبلغ المعاناة بالمؤمنين شدتها ويزداد البلاء نزولاً بهم وتضيق الأنفس وتنخلع القلوب وتبلغ الحلقوم وهي أقصى محنة تواجههم قبل نزول النصر “وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا” حينئذ يتنزل النصر.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين تتمايز الصفوف ويظهر مرضى القلوب والمنافقون على طبيعتهم وينكشف أمرهم لكل من خُدع بهم “وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا”.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين تتساقط كل أوراق التوت ويظهر أدعياء الحق ويفتضح أمرهم وينكشف خذلانهم للحق وأهله في وقت المحنة وفرارهم من مواجهة الباطل “يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا”.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين ينكشف المثبطون والمتخاذلون عن نصرة الحق ويظهر سوء سريرتهم ونقضهم للعهود، وحين يطهر الصف المسلم من الخبث وينقى من الشوائب وحين تتساقط الأقنعة عمن دلسوا علينا وخدعونا باسم الدين “قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً”. وبالتالي تختفي من حياتنا المنطقة الرمادية فيتحقق النصر.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين نكون على خطى الحبيب في نصرة الحق وحين يكون الإتباع للرسول والاقتداء به كاملاً في منهج حياتنا “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا”.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين تقوى صلتنا بالله عز وجل وحين لا يخاف العبد غير ربه فإنه كافٍ أمره، وتصبح الثقة في الله يقينًا لدى المؤمنين وحين نستبشر خيرًا بما نرى من وقائع اليوم ولو كانت مؤلمة وندرك أنها بشرى نصر الله القريب “وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا”.
- نصر الله قريب وقادم وقائم حين يفي المؤمنون بعهدهم مع الله ويقدم الرجال دماءهم رخيصة لله ويثبت الباقون من خلفهم ويحافظون على العهد ويواصلون الطريق مهما كانت التضحيات “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً”.
أبشروا وأمّلوا فالنصر قادم
أيها المسلمون، أبشروا وأمّلوا فو الله لقد احتدم الظلام واشتد، وما بقي إلا أن يبزغ الفجر، فنرى بعون الله أنَّ الله هيأنا للتغيير المنشود، وأخذ بأيدينا نحو ما يريد، فقد ولغ العالم كله في إناء السم الذي وضعه ليقضي على الإسلام والمسلمين، وبفضل الله رجع السم إلى معدّيه وشربه من يريد من المسلمين أن يشربوه، فابشروا وأملوا.
ضاقت الدنيا كلها عربها وعجمها على إخواننا في فلسطين، وعمل على إنهاكهم القريب قبل البعيد، وما هي إلا لحظات انتظار فرج الله تعالى.
أيها المسلمون إن قضية فلسطين هي قضيتنا، وليست للمساومة ولا للبيع، ممن باع دينه بدنيا غيره، قضية فلسطين هي أن نكون أو لا نكون.
وأنا أبشركم بأن قضية فلسطين لن تحلها الأنظمة العربية ولا أمريكا ومن لف لفها، إن فلسطين لن يحررها إلا أهلها، لن تحررها الأنظمة العربية ولا الجيوش العربية ولا جيوش العالم، فقط أهلها هم الذين سيحررونها من دنس اليهود، حتى لا تبقى للعرب منَّة على أهلها، سيحررها أهلها فقط حتى يكون تحريرها لعنة على الظالمين من أمة العرب، وليكون تحرير أهلها لها لعنة تحوك في نفوس المتقاعسين، ويعلموا أنها لم تكن بحاجة إلى تلك الآلاف من الجيوش ولا تلك الآلاف من الأسلحة المتكدسة التي حرم المسلمون في ديار العرب من أبسط حقوقهم، بسبب هذا التكدس الذي لم يستفد منه إلا الأعداء.
سينظر العرب إلى أنفسهم، ويقتلهم الحياء، إن بقي فيهم حياء عندما يرون فلسطين، وقد تحررت بدون كل هذه الإعدادات التي شبعنا كلاما فارغا عنها.
سينظرون إلى أنفسهم ويعلموا حقيقتها، وأنهم كانوا هم السبب الحقيقي لمعاناة المسلمين في فلسطين وفي بلدانهم، فيا لشدة حزنهم وقهرهم، الذي لن يمكن أحدا منهم أن يرفع رأسه أمام نفسه وأمام أهله وأمام الناس.
سيعلمون كم كان تحرير فلسطين سهلا وأنهم هم من نفخ في صورة عدوهم حتى خافوه وخوّفوا به.
فأبشروا وأمّلوا فوالله لقد قرب الفجر جدا جدا..
المصادر
1- موقع رابطة العلماء السوريين، “متى نصر الله – تأملات في سورة الأحزاب”، إسماعيل حامد.
2- موقع رابطة العلماء السوريين، “أبشروا وأملوا” جمال أبو حسان.