يفرض الإسلام على المسلم نظاما وأحكاما تلزمه فرديا، وأُسريا، ومجتمعيا، ودوليا كذلك. ولا يجوز له الخضوع لغيره مهما كان المصطلح، ولو فُرض عليه في زمن ضعفٍ وغربة.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد
فإن من أخطر ما يعانيه المسلمون اليوم ما يقوم به أعداؤهم من الكافرين والمنافقين من التلبيس والتضليل حتى أصبح ذلك سِمة من السمات البارزة في واقعنا المعاصر.
وقد بلغت خطورة هذا الأمر أن انخدع به بعض “المنتسبين للعلم” فضلاً عن “العامة والدهماء”، وذلك بما يقوم به الملبّسون الماكرون من تلاعبٍ بالمصطلحات وقلبٍ للحقائق وعرضها في قوالب مزخرفة، وطرحها في وسائل الإعلام المختلفة بكثافة وتكرار؛ حتى ألِفتها الأسماع وصار يرددها كثير من أبناء المسلمين عن خبثٍ من بعضهم أحياناً وعن جهل وتغفيل من البعض الآخر .
ومما زاد الأمر خطورة غفلة كثير من أهل العلم عن التصدي لهذه التلبيسات التي يمسّ كثير منها صلب العقيدة وأركان التوحيد وهوية الأمة وأخلاقها.
وإن لم يقم أهل العلم بواجبهم في رفع هذا التلبيس وبيان سبيل المجرمين تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
مصطلح “الشرعية الدولية”
ومن المصطلحات الكفرية الخطيرة والتي تعمل أجهزة الإعلام الدولية ويتْبعها على ذلك كثير من إعلام البلدان الإسلامية، ممن لا خلاق لهم، والتي يجب على أهل العلم فضحها وتعريتها وتبيين خطرها على العقيدة؛ مصطلح “الشرعية الدولية”.
حيث يُطرح اليوم بكثافة وينادَى بترسيخ هذا المصطلح الوثني في أذهان الناس وذلك بمناداتهم تارة “باحترام” الشرعية الدولية، وتارة “بتحريم الخروج” على الشرعية الدولية، ومرة ثالثة بـ “الالتزام بقرارات” الشرعية الدولية.. فماذا يعني هذا المصطلح الطاغوتي..؟
[للمزيد: الغزو المصطلحي (1-2) دلالة المصطلحات على مفاهيم الأمم]
إن “الشرعية الدولية” ترمي إلى “الاحتكام” و”الالتزام” بشرع وضعي وضعته الدول الكبرى الكافرة، يحكم علاقات الدول في هذا العالم وفقاً لتشريعاتهم ومعاييرهم وأعرافهم ومصالحهم.
وهذا الشرع الوضعي هو تلك القوانين التي وضعتها الدول الكافرة التي أسَّست منظمة الأمم المتحدة بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية “أمريكا وبريطانيا وروسيا” وانضم إليهم بعد ذلك “فرنسا والصين” وصاغت قوانينها لمصالحها ومصالح حلفائها في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ؛ فوضعت ما سمّته بـ “ميثاق الأمم المتحدة” لتكون له المرجعية الأولى في كل قضية من قضايا العالم؛ حيث تستمد “الشرعية الدولية” منه الأحكام والقرارات وتستند إليه في الخلافات والنزاعات والإجراءات.
وأصبح العدو يستخدم هذا المصطلح في تمرير أي شيء يريده على دول العالم، ولاسيما دول المنطقة الإسلامية؛ فتحتل بلدان المسلمين وتغزوها باسم “الشرعية الدولية”، وتؤيد هذا التيار أو ذاك باسم “الشرعية الدولية”، وتحارب الدعاة والمجاهدين باسم “الشرعية الدولية”، ومن خرج عن ذلك فهو خارج عن الشرعية الدولية..!!
ومن أكبر الأمثلة على ذلك تكريس الاحتلال اليهودي في فلسطين باسم “الشرعية الدولية”، ومحاصرة “العراق” و”غزة” حتى مات ما يقارب المليون طفل باسم “الشرعية الدولية”، ومنها مذكرة المحكمة الدولية باعتقال “الرئيس السوداني” ومحاكمته بوصفه مجرم حرب؛ أما الذين أحرقوا “غزة” و”العراق” فدعاة سلام وديموقراطية.
[للمزيد: وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه]
حكم العقيدة الاسلامية على مصطلح “الشرعية الدولية”
وللحكم على هذا المصطلح الطاغوتي” في ضوء العقيدة الاسلامية يجب أن ندرك أولا أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ ولذا قبْل أن نبين حكم الله عز وجل في هذا المصطلح يجب أن نتعرف على أهم ما يقوم عليه، وهو ما أُشير إليه سابقاً في أنه يستند إلى “ميثاق هيئة الأمم المتحدة” و”قوانينها” التي أذعنت لها كل دول العالم بما في ذلك دول المنطقة الإسلامية.
فما هي أهم بنود هذا الميثاق الذي يتحاكم إليه دول العالم ويسمى بالشرعية الدولية..؟
معرفة حقيقة الميثاق ونصوصه
إن ميثاق الأمم المتحدة طاغوت، وقانون ليس كأي قانون وضعي عادي، وليس هو مجرد وثيقة تأسيسية لمنظمة الأمم المتحدة؛ فقد جعله واضعوه أكبر من ذلك بكثير.
إن خبراء القانون الدولي وفقهاؤه يعلنون بوضوح وصراحة، أن “الميثاق” هو أعلى مراتب المعاهدات الدولية، وأعظم قواعد القانون الدولي مكانة..! ولذلك نصت المادة (103) من هذا الميثاق نفسه على أنه:
“إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقاً لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي يرتبطون به؛ فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق” .
ومعنى ذلك؛ أنه لا يجوز لأي دولة ملتزمة بهذا “الميثاق” أن تبرم أي اتفاق دولي أو تختار وتلتزم بشرع بينها وبين دولة أخرى تتعارض أحكامه مع القواعد والأحكام الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ولو كان شرع الله العزيز الجبار.. !
ومعلوم أنه لا يمكن لأي دولة الانتساب لعضوية الأمم المتحدة حتى تعلن التزامها واحترامها لهذا الميثاق وتسلّم له تسليماً.. إذ إن إجراءات الانضمام للأمم المتحدة تتلخص في أن تقدم الدولة التي ترغب في الانضمام للأمم المتحدة طلباً بذلك إلى الأمين العام للمنظمة الدولية ويكون ذلك الطلب مصحوباً بإعلان قبول الالتزام بميثاق الأمم المتحدة.
وكذلك الأمر بالنسبة للفصل من الأمم المتحدة؛ فإن “المادة السادسة” من الميثاق تنص على أنه يجوز للجمعية العامة أن تفصل عضواً من الأعضاء إذا أمعن في انتهاك “مبادئ الميثاق”.
هذا البند قد يطبق على أي أحد إلا الدول الكبرى التي وضعت الأمم المتحدة لرعاية مصالحها أصلاً، ولذلك تتمتع بحق الفيتو الذي يضمن لها ذلك، وعلى رأسها أمريكا التي ترعى مصالح “دولة اليهود” من خلاله، بل إن الميثاق وأممه المتحدة قد أمْست شرطياً يحرس مصالح هاتين الدولتين على كل صعيد، ولا يجادل في هذا حتى العميان.
وعلى كل حال؛ فهيئة الأمم المتحدة منظمة خاضعة للنفوذ اليهودي الصليبي منذ تأسيسها، ومن يراجع أقسامها وإداراتها وأسماء القائمين عليها يعرف هذا معرفة اليقين. (1انظر للتعرف على هذه الأسماء كتاب (أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية) للدكتور علي العلياني)
وهي التي أشرفت على تقسيم فلسطين عام (1947) وطعْن هذه المنظمة وطعْن إداراتها ومنظماتها المختلفة في دين الإسلام وشرائع القرآن بيّن واضح مكشوف، واسمها “الأمم المتحدة” من أعظم الأدلة على اتحاد وتناصر وتعاضد وتعاون الدول المشتركة فيها.
والذين ينادون بالشرعية الدولية والالتزام بها واحترامها وتنفيذ قراراتها يتعامون عن هذه الحقائق الدامغة.
من أوجُه مناقضة ميثاق الأمم المتحدة للتوحيد والشريعة
ويبين الدكتور العلياني في كتابه “أهمية الجهاد” هذا الأمر بياناً واضحاً؛ حيث يذكر بعض بنود ميثاق هيئة الأمم الذي تستند إليه الشرعية الدولية نختار هنا بعضها.
يقول الدكتور العلياني:
“جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “أن غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة…”.
إن هذه العبارة اعتراف وإقرار بحرية الإلحاد، وعدم مجاهدة المرتدين، وعدم إفزاع الكفار.. ونعوذ بالله من حقوقٍ هذه نتائجها .
وجاء في المادة الثانية: “إن لكل إنسان التمتع بكافة الحقوق والحريات دون تمييز كالتمييز بسبب الدين…”.
قلت: إن الله لم يجعل المؤمن كالكافر في كل شيء؛ بل للمؤمن معاملة، وللكافر معاملة. ومن راجع أحكام أهل الذمة في الإسلام عرف الفرق بين حقوق المسلم وحقوق الكافر؛ ولكن أين المتدبّرون لكلام الله وكلام رسوله..؟
وجاء في المادة الثامنة: “لكل شخص أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية.. إلخ”
قلت: لا يجوز للمسلم اللجوء إلى المحاكم التي لا تحكم بالكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ (النساء: 59).
وجاء في المادة الثامنة عشرة: “أن لكل فرد أن يغير عقيدته”.
وجاء في المادة الحادية والعشرين: “إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة” .
(قلتُ): إن اختيار أهل الحل والعقد ـ من العلماء والأمراء ورؤوس الأجناد المتمسكين بالكتاب والسنة ـ هو الذي يُبنى عليه تعيين الخليفة، لا قول دهماء الناس وعجائزهم. والحكومة مقيدة بشرع الله ولا يجوز لها الحكم بالهوى أو بالجهل؛ فلا يتلقى المسلم التشريع إلا من الله .
جاء في المادة السابعة والعشرين:
“لا يصح بحال أن تمارس هذه الحقوق ممارسة تتناقض مع أغراض الأمم المتحدة”.
(قلت): بل يجب مخالفة أكثر أغراض الأمم المتحدة؛ لأن مخالفة أصحاب الجحيم هو اقتضاء الصراط المستقيم. (2أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية ص (445-459) باختصار وتصرف يسير)
خاتمة
مما سبق يظهر أن الخضوع لأنظمة هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ مثل الخضوع لـ “القانون الروماني” أو الخضوع لـ “الياسق” الذي يتحاكم إليه التتار.. فهي طاغوت يشرع للبشر من عند نفسه نسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينهم الحق ويهدي الأمم المتحدة إلى الإسلام.
الهوامش
- انظر للتعرف على هذه الأسماء كتاب (أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية) للدكتور علي العلياني.
- أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية ص (445-459) باختصار وتصرف يسير.