في الجهاد عزة الأمة، والدفاع عن شرفها، وفرض الهيبة في قلوب أعدائها، وبلاغ دين الله، وإلا قام الكفار بنشر فجورهم وكفرهم كما ترى. واتفاقيات التطبيع تتآمر على هذه الفريضة.

الجهاد سدٌ منيع

لا يقف أمام العدو الصليبي وذنَبه الصهيوني شيء مثل جدار العقيدة والجهاد في سبيل الله، ذلك الجهاد الذي تتقرب به الأمة الى الله، وتحتشد فيه طاقات القادرين وغير القادرين، كلٌ بجهده. يرافقه الدعاء، ويوجه سهامه الى أعداء رب العالمين؛ فيتوافق الشرع والقدر وتنطلق سهامهما تصيب كبد العدو وتُسقط الخَبث عن الحياة وتجلوها، وتعيد الحقوق؛ بدلا من الصراخ في مجلس الأمن في حجر العدو الصليبي الصهيوني..!!

جريمة إلغاء الجهاد في سبيل الله

هذه الاتفاقيات تلغي الجهاد في سبيل الله؛ ففيها اشتراط “السلام الدائم” و”الاحترام المتبادل” وترك القتال إلى الأب. ولا شك أن هذا يؤدي إلى إلغاء لشريعة الجهاد في سبيل الله، بل وزادوا على ذلك المعاقبة عليه، وتسمية أهله بالإرهابيين..!

وإبطال شريعة الجهاد مطلقاً، والسعي إلى إلغائه كفر. (1انظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الطائفة الممتنعة عن شيء من شرائع الإسلام الظاهرة، ومنها الجهاد في سبيل الله، في “الفتاوى” 28/ 503، 554)

فالجهاد ذروة سنام الإسلام؛ شرعه الله سبحانه في كتابه، وحثّ عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، في أحاديث كثيرة، وجاهد بنفسه، وجاهَد الصحابة وأئمة الدين من بعده؛ فلا يُبطله حكم حاكم، ولا عقد جائر.

وهنا لا بد من الكلام على مسألتين باختصار: حكم الجهاد ، وحكم الهدنة:

المسألة الأولى: حكم الجهاد

فالجهاد نوعان:

النوع الأول: جهاد طلب

وهو الأصل في الجهاد إذا أُطلق؛ والمراد به قتال الكفار ابتداء بغزوهم في بلادهم لدعوتهم إلى الإسلام؛ ككثير من مغازي النبي، صلى الله عليه وسلم، وكفتوحات الصحابة للشام ومصر والعراق وخراسان، وفتوحات مَن بعدهم للأندلس والسند والهند وغيرها، وهذا الجهاد فرض كفاية، فلو تركه الجميع أثموا؛ وهذا باتفاق أهل العلم، قال الشوكاني رحمه الله:

“أما غزو الكفار، ومناجزة أهل الكفر وحَمْلهم على الإسلام، أو تسليم الجزية، أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية، ولأجله بعث الله رسله، وأنزل كتبه، وما زال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، منذ بعَثه الله سبحانه إلى أن قبَضه إليه جاعلاً لهذا الأمر من أعظم مقاصده، ومن أهم شئونه. وأدلة الكتاب والسنة في هذا لا يتسع لها المقام، ولا لبعضها. وما ورد في موادعتهم أو ترْكهم إذا تركوا المقاتلة فذلك منسوخ بإجماع المسلمين”. (2السيل الجرار: 4/ 518، 519. وانظر: المحلى 5/ 341، المغني 9/ 165، وجميع كتب الفقه في أول باب الجهاد أو السير؛ فإن هذا متفق عليه)

وقال الجصاص رحمه الله تعالى:

“ولا نعلم أحداً من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين؛ وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره”. (3أحكام القرآن: 2/ 315)

وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً.

النوع الثاني: جهاد دفع

والمراد به أن يغزو الكفار بلاد المسلمين؛ فمجاهدتهم وقتالهم حينئذٍ فرض عين بالاتفاق؛ قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

“واتفقوا ـ يعني العلماء ـ أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام وقراهم وحصونهم وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين فرض على الأحرار البالغين المطيقين”. (4مرتب الإجماع: ص 138)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

“وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يُفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه؛ فلا يشترط له شرط بل يُدفع بحسب الإمكان. وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم”. (5الفتاوى الكبرى 4/ 520، وكلام أهل العلم في هذا كثير، فهم يذكرون من حالات تعين الجهاد على المسلمين أن يدخل الكفار بلادهم، انظر مثلاً: (المحلى) 5/ 342، (المغني) 9/ 163، (التاج والإكليل) 4/ 541، (مغني المحتاج) 6/ 23، وغيرها)

المقصود من ذكر النوعين

أن النوع الأول: وهو الأصل في الجهاد؛ لا يجوز تركه مطلقاً إلا في حال العجز وعدم القدرة. وفي هذه الحالة يجب الإعداد لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) [الأنفال: 30]، قال شيخ الإسلام رحمه الله:

“يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”. (6الفتاوى 28 / 259)

وقد صار في وقتنا هذا عند حكام المسلمين “تاريخاً”؛ بل وشُرعت الشرائع لإبطاله وتحريمه “دولياً”. وهناك فرق عظيم بين تركه للعجز، وبين تركه تكاسلاً وحباً للدنيا، وبين تركه تشريعاً أو اتباعاً للتشريعات الجاهلية؛ فالأول جائز، والثاني محرم، والثالث كفر.

وأما النوع الثاني وهو المسمى في وقتنا هذا “المقاومة المشروعة”، وهو من أعظم فروض الأعيان. وبهذه الاتفاقات ستنتقل هذه “المقاومة المشروعة” إلى “الإرهاب ضد الدولة”؛ لأن دولة اليهود صارت معترفٌ بها؛ فيصبح جهادها إرهاباً، والله المستعان.

المسألة الثانية: وهي مسألة الهدنة

فالهدنة هي ترك القتال بين المسلمين والكفار إلى أجلٍ، لمصلحةٍ راجحة.

وتوقيت الهدنة تكون على أحد وجهين:

الوجه الأول: أن تكون مقيَدة بمدة. وهذا هو الأصل الذي يذكره الفقهاء ـ على اختلاف بينهم في تقدير المدة.

الوجه الثاني: أن تكون مطْلقة غير مقيدة بمدة، فهذه على صورتين:

الصورة الأولى: أن يكون العقد جائزاً ـ يجوز فسخه من المسلمين ـ فجمهور العلماء على عدم الجواز، بل يوجبون تحديد المدة. وبعض العلماء كشيخ الإسلام وابن القيم يجيزونه، وهو الراجح إن شاء الله. (7وإنما منعه الجمهور لخوفهم أن يؤدي الإطلاق إلى تعطيل الجهاد في سبيل الله)

والصورة الثانية: أن يكون العقد لازماً ـ لا يجوز فسخه ـ فهذا ممنوع بالاتفاق. (8انظر “أحكام أهل الذمة” لابن القيم 2/ 476 وما بعدها، وانظر (الأم) 4/ 179، تفسير القرطبي 8/ 40، فتح الباري 5/ 343، سبل السلام 4/ 69، وقال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار 4/ 565: “وأما كون المدة معلومة فوجهه أنه لو كان الصلح مطلقاً أو مؤبداً لكان ذلك مبطلاً للجهاد الذي هو من أعظم فرائض الإسلام، فلا بد أن يكون مدة معلومة على ما يرى الإمام من الصلاح”اهـ)

وهذه الصورة الأخيرة ـ وهي ترك جهادهم دائماً ـ هي الموجودة في هذه الاتفاقات مع اليهود وهو ما يسمى بـ “السلام الدائم” أو “الشامل”.

ومجرد ترك الجهاد بعد تعيّنه بدخول الكفار ديار الإسلام ـ كاليهود في فلسطين ـ كبيرة من أعظم الكبائر. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله:

” الكبيرة التسعون، والحادية والتسعون، والثانية والتسعون بعد الثلاثمائة:

“تركُ الجهاد عند تعيُّنه بأن دخل الحربيون دار الإسلام أو أخَذوا مسلماً وأمكن تخليصه منهم،  ترْك الناس الجهاد من أصله، ترك أهل الإقليم تحصينَ ثغورهم بحيث يُخاف عليها من استيلاء الكفار بسبب ترك ذلك التحصين”. (9الزواجر 2/ 163)

مناقضة الشرع والقدَر

والسعي لتعطيل الجهاد مضاد لشرع الله سبحانه، ولقدره.

مناقضة الشرع

أما الشرع؛ فقد وردت أدلة كثيرة جداً في الكتاب والسنة على الحث على الجهاد والأمر به والترغيب فيه والترهيب من تركه، وأجمع على ذلك أهل العلم. ومن الأدلة:

قوله تعالى: ﴿وقاتلوا المشركين كافَّة كما يُقاتلُونكم كافَّة﴾ [التوبة: 36]، وقوله تعالى: ﴿فقاتلوا أئمةَ الكفرِ إنهم لا أيمانَ لهم لعلَّهم ينتهون﴾ [التوبة: 12]، وقوله تعالى: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قُوَّةٍ ومن رِباطِ الخيلِ تُرهِبون به عدُوَّ الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون﴾ [الأنفال: 60]، وقوله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ [التوبة: 29].

وفي المسند وغيره: قال صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالِكم، وأنفسِكم، وألْسِنتِكم». (10مسند الإمام أحمد (12246)، وإسناده صحيح) وفي المسند أيضاً «أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد ؛ قال: وما الجهاد؟ قال صلى الله عليه وسلم: أن تقاتل الكفار إذا لقِيْتَهم، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: مَن عُقِر جواده ، وأُريق دمه». (11مسند الإمام أحمد (17027))

وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يَغْزُ، ولم ُيحَدِّث نفسه بالغزو، مات على شُعبة من النفاق«. (12صحيح مسلم)

وفي المسند أيضا: «بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي». (13مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً)

مناقضة القدَر

وأما القدَر؛ فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وخبره الحق ـ أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة. ومن ذلك ما في الصحيح عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم». (14رواه البخاري ومسلم)

وقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم في الصحاح وغيرها أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة». (15صحيح مسلم)

وروى النسائي من حديث سلمة بن نفيل رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله، أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعَت الحرب أوزارها. فأقبلَ رسول الله،  صلى الله عليه وسلم، بوجهه وقال: كذَبوا، الآن جاء دور القتال، ولا تزال من أمتي أُمَّة يقاتلون على الحق، ويُزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعْدُ الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة». (16السنن الكبرى للنسائي (4386))

ترك الجهاد سبب للذل

جعل الله تعالى الجهاد طريقا للعزة، ولدحر العدو، ورفع كلمة الله، وإعلاء سلطان الإسلام، والقضاء على وساوس كثيرة، ومنع الانبهار بالعدو الكافر، ومواجهة كثير من القضايا ـ التي تعالَج اليوم بالشِعر والصراخ ـ بعلاج ناجع وفاعل يُنهي تسلط العدو وتُمرِغ أنفه بدلا من شكوى هتكه للأعراض وقتل الصبيان وهدم المساجد وابتلاع الأرض.

والتآمر والتشويه لهذه الفريضة أمر كبير فما انطلق الجهاد إلا وذل الدو، وما تعطل إلا وذل المسلمون.

فإذا كان هذا شأنه؛ فما أدى الى تعطيله من اتفاقيات أو معاهدات فهو باطل إذ هي اتفاقيات تخدم العدو وترسخ احتلاله.

الهوامش

  1. انظر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الطائفة الممتنعة عن شيء من شرائع الإسلام الظاهرة، ومنها الجهاد في سبيل الله، في (الفتاوى) 28/ 503، 554.
  2. السيل الجرار: 4/ 518، 519. وانظر: المحلى 5/ 341، المغني 9/ 165، وجميع كتب الفقه في أول باب الجهاد أو السير؛ فإن هذا متفق عليه.
  3. أحكام القرآن: 2/ 315.
  4. مرتب الإجماع: ص 138.
  5. الفتاوى الكبرى 4/ 520، وكلام أهل العلم في هذا كثير، فهم يذكرون من حالات تعين الجهاد على المسلمين أن يدخل الكفار بلادهم، انظر مثلاً: (المحلى) 5/ 342، (المغني) 9/ 163، (التاج والإكليل) 4/ 541، (مغني المحتاج) 6/ 23، وغيرها.
  6. الفتاوى 28 /259.
  7. وإنما منعه الجمهور لخوفهم أن يؤدي الإطلاق إلى تعطيل الجهاد في سبيل الله.
  8. انظر (أحكام أهل الذمة) لابن القيم 2/ 476 وما بعدها، وانظر (الأم) 4/ 179، تفسير القرطبي 8/ 40، فتح الباري 5/ 343، سبل السلام 4/ 69، وقال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار 4/565: “وأما كون المدة معلومة فوجهه أنه لو كان الصلح مطلقاً أو مؤبداً لكان ذلك مبطلاً للجهاد الذي هو من أعظم فرائض الإسلام، فلا بد أن يكون مدة معلومة على ما يرى الإمام من الصلاح”اهـ.
  9. الزواجر 2/ 163.
  10. مسند الإمام أحمد (12246)، وإسناده صحيح.
  11. مسند الإمام أحمد (17027).
  12. صحيح مسلم.
  13. مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
  14. رواه البخاري ومسلم.
  15. صحيح مسلم.
  16. السنن الكبرى للنسائي (4386).

المصدر

كتاب: “التبيين لمخاطر التطبيع على المسلمين”، ص51-72. ناصر بن حمد الفهد.

اقرأ أيضا

التعليقات غير متاحة