للعلماء دور محوري في تقدم الأمة باتخاذ المواقف الصحيحة من أعدائها، ليكون نموذجا في موالاة الحق وأهله والبراءة من الباطل وأهله، وحفظ طريق الحق بلا لبس ولا غموض.

مقدمة

لا ننشغل بالأشخاص؛ بل ننشغل بالتحذير من اتجاهات مخالفة لمقتضى العقيدة والدعوة، تتسبب في اضطراب الموقف من الكفار ومن أصحاب البدع الشنيعة والكفرية..

مواقف يتزعمها رموز وعلماء ودعاة تحسن الجماهير من المسلمين بهم الظن فيتبعونهم؛ فيستببون في ضعف موقف الأمة من أعدائها، ويتسببون في الإضطراب العقدي، ومخالفة النصوص الشرعية الصحيحة وتأويلها تأويلا فاسدا يخالف سيرة رسول الله واصحابه، ويخالف ما توارثته أجيال الأمة عبر القرون، ويخالف ما حذر الله تعالى منه؛ إذ حذّر تعالى من موالاة الكفار ومن ظن الخير بأهل الفجور؛ قال تعالى ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ (الأنفال: 73)

وقال ابن كثير:

“من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير ” (1تفسير ابن كثير، سورة البقرة)

لهذا أردنا هنا بيان خطأ وخطورة هذا الاتجاه.

ضعف شعور عداوة الكافرين

ضعُف الشعور بالعداوة للكفار من اليهود والنصارى، والزنادقة الباطنيين، وضعُفت البراءة منهم ومن كفرهم، وذلك بعد الانفتاح على الغرب الكافر، وتكاثُرهم في بلدان المسلمين مما أدى إلى موادتهم، وضعف عقيدة الولاء والبراء إن لم تنعدم عند بعض الناس، وحل حلها محبة الكافر ومداهنته وعدم إظهار العداوة له والبراءة من شركه وكفره.

ولم يتوقف الأمر عند جهلة المسلمين وعامَّتِهم، بل إنه تجاوزهم إلى بعض المفكرين الإسلاميين، وبعض المتصدرين للفتوى، وتأسست بذلك مدرسة خطيرة تُعدّ مصدر فتنة للمسلمين، وتلبيس وتضليل لهم باسم الإسلام.

وفيما يلي بعض ما قاله أحد رموز هذه المدرسة ومنظريها:

ميوعة الموقف من النصارى

قال عن النصارى: «فكل القضايا بيننا مشتركة فنحن أبناء وطن واحد مصيرنا واحد، أمتنا واحدة، أنا أقول عنهم: إخواننا المسيحيين، والبعض ينكر علي هذا، كيف أقول إخواننا المسيحيين ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ نعم نحن مؤمنون وهم مؤمنون بوجه آخر». (2برنامج الشريعة والحياة، حلقة بعنوان: «غير المسلمين في ظل الشريعة الإسلامية»، تاريخ (12/10/97م) في قناة الجزيرة)

سبحانك هذا بهتان عظيم؛ كيف هم مؤمنون بوجه آخر؟!

ألم يسمع هذا المفتي الظالم لنفسه وللمسلمين قول الله تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 73]، وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 72]، فكيف يقول عن هؤلاء الكفرة أنهم مؤمنون بوجه آخر، والله عز وجل يصرح بكفرهم؟ ويقول: «إن مودة المسلم لغير المسلم لا حرج فيها». (3«غير المسلمين في المجتمع الإسلامي» (ص68) الطبعة الرابعة (1405))

فيا سبحان الله؛ ألم يسمع هذا المفتي بما آتاه الله من العلم قول الله تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [المجادلة: 22] الآية.

وقال: «إن العداوة بيننا وبين اليهود من أجل الأرض فقط، لا من أجل الدين». (4«الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم» (ص70))

وهذا التقرير الخطير لا يحتاج إلى تعليق؛ فسبحان مقلب القلوب والأبصار.

تذبذب الموقف من الرافضة

أما أصحاب البدع الكفرية ممن ينسبون أنفسهم للإسلام، والإسلام منهم بريء، كالرافضة وغيرهم من الباطنيين، فقد ظهر في السنوات الأخيرة أصوات تدافع عنهم، وتدعو إلى التقارب معهم لأنهم إخوان لنا في العقيدة والدين! وينسَوْن بذلك عقائد الرافضة وأصولهم الكفرية؛ فكيف يدافع عمن يعتقد العصمة ومعرفة الغيب لأئمتهم، وكيف يتقارب مع من يؤلِّهون أئمتهم، ويستغيثون بهم من دون الله عز وجل ويحجون إليهم ويقربون لهم القرابين.

وكيف يدافع عمن يعتقد تحريف القرآن، وإن نَفَوْا قولهم هذا تَقيّة فليتبرءوا من كتابهم المقدس: «الكافي» للكليني؛ وكتابهم «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» للطبرسي، وليعلنوا براءتهم من كاتبيهما وتكفيرهم لهما.

وكيف يدافع عن من يسب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ويلعنهم ويكفرهم كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وسعد، وأبي عبيدة، وغيرهم من الصحابة الأجلَّاء رضي الله عنهم..؟ بل بلغ بهم الكفر والحقد أن رمَوْا أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها بالزنا، وقد برأها الله من فوق سبع سموات؟ وكيف… وكيف؟!. (5انظر لمعرفة تفاصيل هذه الأصول الكفرية كتاب: «فكرة التقريب بين السنة والشيعة»، وكتاب «أصول الطائفة الأثني عشرية» للدكتور: ناصر القفاري، وكذلك كتب الشيخ إحسان إلهي رحمه الله تعالى: «الشيعة والسنة»، و«الشيعة والقرآن»، و«الشيعة وأهل البيت»، وغيرها)

أصناف من يدافع عن الرافضة اليوم

إن من يدافع عن الرافضة اليوم وأشباههم ويدعو إلى التقارب معهم لا يخلو أن يكون من إحدى ثلاث فئات:

الفئة الأولى: جهلة بعقائدهم

إما جاهل بهم وبعقائدهم، وأصولهم الكفرية، وحقدهم الشديد على السُنة وأهلها.

الفئة الثانية: مخدوعون بتَقِيّتهم

وإما عالم بأصولهم الكفرية، لكنه منخدع بنفاقهم وتقيَّتِهم، وقولهم بأنهم تخلَّوْا عن هذه العقائد ولم يعودوا يؤمنون بها، فصدّقهم في ذلك وانخدع بكذبهم وتقيتهم، مع أنه لو بذل أدنى جهد في التحري عن رافضة العصر لَوجدهم على أصول أجدادهم بل أشدُّ وأنكى.

فهذا الخميني الهالك صرح بلعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وذلك في الوثيقة المنشورة عنه والتي مطلعها: «اللهم الْعَنْ صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما…» إلخ.

وقد صرح في كتابه «ولاية الفقيه» بأن أئمتهم يعلمون الغيب وتخضع لهم كل ذرة في السماء والأرض، وترحَّم على ابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي الرافضيَّيْن الحاقدَيْن، اللَّذَين خانا الخليفة العباسي، وتمالآ مع التتار حتى اجتاحوا بغداد وقتلوا فيها الرجال وسبُوا النساء وأحدثوا فيها من المآسي ما لم يمر على المسلمين مثله.

ومما يزيد الأمر فتنة ويجعل بعض الناس ينخدع بتَقِيّتهم ونفاقهم ما يُظهرونه اليوم من مواجهة لأمريكا، واليهود، كما هو الحاصل بين من يسمي نفسه “حزب الله” وبين اليهود من الصراع في جنوب لبنان.

إسقاط هذه الفتنة

وهنا أمران إذا فطن لهما المسلم لم تَنْطَلِ عليه هذه الفتنة ولم ينخدع بها:

الأمر الأول: أن العلاقة التاريخية بين الرافضة واليهود والنصارى كانت علاقة تحالف، وموادة ونصرة، وبخاصة إذا كان التحالف على أهل السنة، ولم يُعرف للرافضة في تاريخهم جهاد ضد الصليبيين النصارى ولا اليهود، ولا التتار، بل الحاصل هو العكس.

وبهذه النظرة قد يمكننا القول بأن هناك مخططًا ماكرًا بين رءوس “حزب الله” وبين اليهود والأمريكان في هذا الانسحاب، وقد يكون سواد الجنود من الرافضة جادّون في حربهم مع اليهود، والله أعلم. (6انظر لمعرفة حقيقة حزب الله وظروف نشأته ومن وراءه، وحقيقه صراعه مع اليهود: كتاب «حزب الله: رؤية مغايرة» للأستاذ عبد المنعم شفيق، وما نشر في «مجلة السنة» في عددها (97، 98) عن حزب الله)

الأمر الثاني: ولو سلمنا بصدقهم في حربهم مع اليهود والأمريكان وأن الانسحاب اليهودي من جنوب لبنان إنما هو هزيمة لليهود أمام حزب الله وأن العداوة حقيقة بينهما.

أقول: لو سلمنا بهذا، فهل كل من حارب اليهود أو أعلن عداوته لأمريكا يكون أخانا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا؟! دون النظر إلى عقيدته؟!

لا أظن مسلمًا عاقلًا يقول بذلك، وإلا فالشيوعيون عداؤهم معروف للغرب وأمريكا، والبعثيون والقوميون يُظهرون عداءهم لليهود، وحربَهم لهم، وهم مَن هم في عقائدهم الكفرية، وحربهم للإسلام والمسلمين، والنُّصيريون الباطنيون يُظهِرون عداءهم لليهود ورفضهم للسلام، وهم أكفر من اليهود والنصارى.

إذن؛ فلا يعني قتال الرافضة لليهود في جنوب لبنان، أو ما يجدّ من حروب مفتعلة، أو غير مفتعلة من الطرفين، أنهم على حق؛ كلا والله؟

فباطلهم وعقائدهم الكفرية أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولقد آن الأوان ألا نأخذ مواقفنا العقدية من عواطفنا، بل من كتاب ربنا سبحانه وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان.

الفئه الثالثة: متحالفون سياسيا مع إهمال الجانب العقدي

تعلم عقائد الرافضة وتدرك خطرهم ونفاقهم، ومع ذلك يُظهِرون لهم اللين والسكوت عن باطلهم، وقد يحالفونهم أو يطلبون النصرة منهم؛ فإذا بُيّن لهم خطر الرافضة ومخططاتهم وخبث معتقداتهم، أجابوا بأنهم يعرفون ذلك كله، وقالوا بأن مواقفنا مع الشيعة الرافضة مواقف سياسية ومصلحية، وليست عقدية.

فيا سبحان الله، متى كانت العقيدة في منأى عن السياسة..؟

وهل يعي أهل هذه المواقف تلك الأخطار التي تترتب على التقارب مع الرافضة والمداهنة لهم والسكوت عن باطلهم؟

إن أول من سيكتوي بنار فتنتهم هم أهل هذه المواقف أنفسهم، وسيتعدى خطرهم إلى عامة المسلمين الذين يُضَلَّلون ويلتبس عليهم الأمر بسبب هذه المداهنة؛ فيَحسبون أن الرافضة على حق فيقعون في فتنتهم وشرهم.

خاتمة

إن المقصود مما سبق الإشارة إلى ضعف عقيدة الولاء والبراء فيما يتعلق بالكفار وأهل البدع، وبخاصة أصحاب البدع الكفرية؛ فينبغي الانتباه إلى هذا الأمر وتداركه وتقويته، ولو جاز التساهل فيه من قِبَل العامة فلا يجوز بحال أن يتساهل فيه الدعاة إلى الله عز وجل الذين تصدروا لنصرة العقيدة الصحيحة ومحاربة ما يضادها من العقائد الباطلة.

…………………………………..

الهوامش:

  1. تفسير ابن كثير، سورة البقرة.
  2. برنامج الشريعة والحياة، حلقة بعنوان: «غير المسلمين في ظل الشريعة الإسلامية»، تاريخ (12/10/97م) في قناة الجزيرة.
  3. «غير المسلمين في المجتمع الإسلامي» (ص68) الطبعة الرابعة (1405).
  4. «الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم» (ص70).
  5. انظر لمعرفة تفاصيل هذه الأصول الكفرية كتاب: «فكرة التقريب بين السنة والشيعة»، وكتاب «أصول الطائفة الأثني عشرية» للدكتور: ناصر القفاري، وكذلك كتب الشيخ إحسان إلهي رحمه الله تعالى: «الشيعة والسنة»، و«الشيعة والقرآن»، و«الشيعة وأهل البيت»، وغيرها.
  6. انظر لمعرفة حقيقة حزب الله وظروف نشأته ومن وراءه، وحقيقه صراعه مع اليهود: كتاب «حزب الله: رؤية مغايرة» للأستاذ عبد المنعم شفيق، وما نشر في «مجلة السنة» في عددها (97، 98) عن حزب الله.
  • اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة