لأمريكا أهدافها الدينية والسياسية والاقتصادية، بل والصهيونية، من وراء مؤتمر الرياض، ومن خلال تعاملاتها عامة مع المسلمين. إن الدول تدفعها عقائد ومصالح، لا عواطف.. وضياع حالة المسلمين والتفريط العقدي والترهل السياسي والغياب الشعبي يجعلها في محل خطورة..

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..

أمّا بعد:

فيمتزج في شعور المسلمين في هذه الأيام ألوان من الفرح بشهر الرحمة والغفران، وشهر النصر على الأعداء؛ شهر رمضان المبارك، وألوان من الأسى بقدوم الطاغوت الأحمق والمجرم السفاح رئيس أمريكا “دونالد ترامب” إلى بلاد الحرمين، حيث استقبل استقبال الفاتحين، وتكلف حفل استقباله ما يزيد على المائتين وخمسين مليون ريال.

ومما آذي المسلمين أن تكون أول محطات هذه الزيارة المشئومة لبلاد الحرمين، وأن يكون الزمان في وقت يتهيأ المسلمون فيه لقدوم شهر رمضان المبارك.

والأشد أنّ هذه الزيارة ليست كغيرها من الزيارات، بل هي زيارة تقطر إجراماً وتسلطاً وعدواناً حتى قبل أن تبدأ، فقد سبقتها عاصفة من التصريحات المهينة من الطاغية المجرم ترامب لكل المسلمين، وبخاصة بلاد الحرمين.

كما قام قبل ذلك بمنع رعايا المسلمين -دون غيرهم- من دخول قلعة الطغيان أمريكا، وفوق كل هذا جاء ويداه تقطران دماً من ضحايا عدوانه على بلاد المسلمين بقيادته للتحالف المجرم الذي رمّل النساء ويتّم الأطفال وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها العزّل من أهلنا في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن..

في حرب شاملة ليس الشأن العسكري والسياسي إلا شكل من أشكاله، لأنها في المقام الأول حرب على (التوحيد) وركنه الأساس: (الولاء والبراء).

ومع هذا العدوان السافر على ديننا في هذه الزيارة، بما فيها من مؤتمرات ومؤامرات، فلم نجد من تصدَى لهذه النازلة وأنكرها وفضح أهدافها وحذّر المسلمين من شرها ومكر أطرافها.

ومن باب إبراء الذمة لا نرى لأنفسنا خياراً في السكوت عن بيان هذه المنكرات وفضح أهلها فهذا واجب على من منّ الله عليه بالعلم والبصيرة بالواقع قال الله تعالى: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [سورة آل عمران 187].

الأهداف الشريرة

ويتضمن هذا البيان إيضاح الأهداف الشريرة لهذه الزيارة والتحذير منها والنهوض لمقاومتها، ويمكن تلخيص هذه الأهداف الشريرة في الآتي:

الهدف الأول: محاربة دين الإسلام

محاربة “دين الإسلام” المتمثل في عقيدة التوحيد القائمة على تحقيق العبودية لله سبحانه وحده لا شريك له، والبراءة من الشرك والكفر وأهله، وهذا هو التوحيد الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده، وأرسل به رسله وأنزل به كتبه.

وهذا التوحيد هو الذي جاء الطاغوت الأحمق ترامب ليحطمه، ويحارب حمَلته من الموحدين والمجاهدين باسم محاربة التطرف الإسلامي والإرهاب، وجاء ليعلن ذلك بكل وقاحة في بلاد الحرمين وفي مؤتمر العار والضِّرار، وبمشاركة الدول الإسلامية وفي مقدمتهم دول الخليج الذين سيرحبون أيما ترحيب بالانضمام لهذه الجوقة الفاسدة المفسدة وسيباركونها ويتسابقون إليها.

ومن عجائب هذا الزمان أن يأتي هذا الطاغية المجرم والطاغوت الأحمق ليعلن: أنه جاء ليعلّم المسلمين الموحدين دين الإسلام، وأنه دين المحبة والسلام والإخاء بين البشر مسلمهم وكافرهم، وهذه والله ردة ولا أبا بكر لها.

ويأتي ترتيب البلاد التي سيزورها الطاغية ليعطي دلالات كبيرة على طبيعة الزيارة فهو يبدأ ببلاد الحرمين، ويثني بإسرائيل، ويثلث بالفاتيكان، أي أنه يدور على الأماكن المقدسة عند المسلمين واليهود والنصارى كدلالة واضحة على ما يسمونه التآخي والتسامح بين الأديان الثلاث، وليس لهذا إلا معنى واحد في قاموسهم وهو ذوبان التوحيد في الشرك والكفر.

وللتدليل على هذه الأهداف من أفواه أهلها ما أعلنه مستشار الأمن القومي (هربرت ماكماستر) في تصريح له لقناة (CNN) أن الرئيس الأمريكي سيطلب من زعماء الدول الإسلامية اتخاذ موقف قوي ضد:

الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة التي تستخدم تفسيراً خاطئا للدين!!

وذلك لتبرير جرائمها ضد الإنسانية.

وأن الرئيس الأمريكي سيدعو قادة العالم الإسلامي لتطوير رؤية سلمية للإسلام!!

وقال ماكماستر:

للزيارة أهداف ثلاثة: أولها إعادة التأكيد على دور أمريكا القيادي.

والثاني: مواصلة بناء علاقات قوية مع زعماء رئيسيين في العالم.

والثالث: توصيل رسالة وحدة لأصدقاء أمريكا وأتباع الديانات الثلاث الكبرى في العالم.

فيالغربة الإسلام حين يأتي هذا الدعي المرفوض من قسم كبير من شعبه، والمشكوك في خيانته لبلده، ليدعي أنه يحمل السلام والفهم الصحيح لجميع الأديان، ولا يجد من يقول له كذبت وخسأت ولن تعدو قدرك.

وصدق القائل:

مخطئ من ظن يوماً   *   أن للثعلب دينا

فتباً لهذا الثعلب وتباً لأذنابه المنافقين الخائنين الذين أعلنوا شراكتهم له في حربه لعقيدة المسلمين وتوحيدهم الخالص لله عز وجل، وظاهروه وشاركوه بدون خوف من الله ولا حياء من المسلمين في حربه لأهل السنة في العراق والشام وغيرهما من بلاد المسلمين.

[اقرأ المزيد عن: وجوب وضوح الحكم والموقف من أمريكا]

الهدف الثاني: اعتراف حكام المسلمين بإسرائيل

الحصول على اعتراف أكثر وضوحاً وصراحة من حكام المسلمين للاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها.

وهو بهذا لم يكتف بالمبادرة العربية التي طرحها الملك عبدالله منذ عقد من الزمان تقريباً، ولهذا زار ترامب إسرائيل بعد زيارة المملكة بما لها من ثقل معنوي، مما يجعله متيقناً من موافقة الجميع بعد موافقة دولة الحرمين باعتبار حمايتها للمقدسات الإسلامية.

ولا يعني هذا التطبيع إلا بيع أراضي المسلمين ومقدساتهم في فلسطين، والاستثمارات المشتركة مع إخوان القردة والخنازير.

ويُبرَّر هذا الخزي بأن التطبيع مع اليهود سينتج عنه حلف ضد إيران، وذلك للمصالح المشتركة لكل من إسرائيل والعرب في تحجيم إيران، وهذا لعمر الله من أعجب العجب فكيف يتصور عاقل أن إيران عدوة لأمريكا؛ وإيران هي التي مهدت لغزوها لأفغانستان ثم سهلت لها غزوها للعراق واستلمته بعد ذلك من أمريكا على طبق من ذهب!

وإيران هي من تقاتل المجاهدين بغطاء جوي أمريكي.

وقصة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية أوضح من أن تحتاج لدليل فهي أوضح من الشمس في رابعة النهار بعد ان اعترف أصحابها بها.

ويكفينا في هذا المقام تصريح السفير الأمريكي “سيلفرمان” لجريدة القبس الكويتية نفى فيه أن تكون زيارة الرئيس الأمريكي بمنزلة رسالة إلى إيران، وما فزّاعة إيران ومشروعها التوسعي إلا أداة أمريكية يستخدمها لكي يقبل حكام دول الخليج كل الإملاءات والتنازلات.

ويأبى الله عز وجل والمؤمنون الموحدون أن يقروا لليهود ولو بشبر من أراضي المسلمين، لا سيما مقدساتهم ومهبط رسالات الأنبياء من قبل. والحق أن كل المجتمعين في الرياض لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يمثلون شعوبهم المسلمة.

[اقرأ المزيد عن: المشروع الأمريكي ضد أهل السنة .. وسنة الله في المدافعة]

الهدف الثالث: الأهداف الاقتصادية

وهو الهدف أو مجموعة الأهداف الاقتصادية والاستثمارية، والتي اجتمع فيها شخصية راعي البقر الذي لا يعرف إلا الربح من جهة، والمتخاذلين الذين يمنحونه الجمل وما حمل كهدية بلا مقابل إلا وعوداً وكلمات، فترامب يبيع الوعود في الهواء وحكام الحرمين يدفعون كل ما عندهم لاسترضاء الجائع الذي لا يشبع بل ستتفتح شهيته أكثر وأكثر.

تأتي الزيارة بعد نحو شهرين من لقاء ترامب بمحمد بن سلمان في البيت الأبيض، وقد تم وقتها الإعلان عن استثمارات كثيرة ستتجه في معظمها إلى البنية التحتية الأمريكية، وستكفل توفير مليون وظيفة مباشرة وملايين الوظائف غير المباشرة، وفق ما جاء في بيان البيت الأبيض.

ولكن بعد إتمام الزيارة النكدة تبين أن الأرقام أضخم مما سبق إعلانه بكثير، فالاتفاقيات بلغت (460) مليار دولار أي ما يقارب النصف تريليون دولار، وهو رقم فلكي ولهذا وصفوه بـ “صفقة القرن” في وقت يعاني اقتصاد المنطقة عموماً والمملكة خصوصاً من اهتزازات خطيرة لا يعلم إلا الله مداها وتأثيراتها السلبية، وبينما يعاني الشعب السعودي من البطالة تجد أن المال يتجه لتوظيف الأمريكيين ولا عزاء لمشروع (2030).

ولنقرأ ما يقول الصحفي “ديفيد هيرست” مدير تحرير “ميدل إيست” وكبير الكتاب في “الجارديان”:

كم هي مرتفعة تكلفة الجلوس في حضرة دونالد ترامب، وكم هي مستمرة في الارتفاع، فحتى الآن وعدت المملكة العربية السعودية بتقديم ما يقرب من ثلاثمائة مليار دولار لإبرام عقود تسليح خلال العقد القادم وبما يقرب من أربعين ملياراً إضافية للاستثمار في البنى التحتية في أمريكا.

وبحسب تقديرات بعض العاملين في وول ستريت قد ترتفع التكلفة إلى ما يقرب تريليون دولار من الاستثمار في الاقتصاد الأمريكي

[اطلع على: المشروع الأمركي ضد أهل السنة .. المحور العسكري]

واجبنا في مواجهة هذه الحرب على ديننا

لا خيار لمسلم فضلاً عمن حمّلهم الله أمانة العلم والبصيرة في الدين أن يسكتوا، لأن النازلة مصيرية ولها ما بعدها، وهي تمس أصل الدين وليست متعلقة بمسائل فرعية أو جزئية، وإذا سكت العلماء والأمة جاهلة فمتى يفيق النائم، ويعلم الجاهل؟؟!! وتلك بعض الوسائل الضرورية وهي قليل من كثير:

  • الإعلان بوضوح وبلا مواربة عن أهداف هذه الزيارة وبعبارات واضحة قاطعة لا تحمل عبارات مطاطة أو تميعاً أو أنصاف حلول بإمساك العصا من الوسط، وفضح أهدافها وغاياتها وأساليبها وأدوار أطرافها من الكفار والمنافقين وأعوانهم وتعريف المسلمين بها.
  • بيان عداوة الكفار القديمة والحديثة للإسلام وحملته من الموحدين وللمسلمين عموماً، وإعلان البراءة منهم وجهادهم ودفع طغيانهم بكل وسيلة شرعية ممكنة.
  • بيان حكم الله عز وجل فيمن ناصرهم وظاهرهم في هذه العداوة، سواءً كانت المظاهرة بالنصرة على المسلمين بالسلاح أو بالمال أو بالرجال أو بدعمهم بالرأي أو بالدعم الإعلامي، أو بتبني عقائدهم أو أفكارهم.
    وهذا كله أو بعضه حاصل في الحلف الإجرامي المسمى بـ “التحالف الدولي” وهو حلف مهمته قتل المجاهدين بل قتل وتشريد العزّل من النساء والأطفال والشيوخ بدعوى محاربة الإرهاب، بينما هم رأس إرهاب الآمنين وعموده وذروة سنامه، وما مدن وقرى أفغانستان والعراق والشام واليمن عنّا ببعيد..
    ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: 4].
    وعلينا إظهار وبيان إجماع أهل العلم المعتبرين على أن هذه المناصرة ردة وناقض من نواقض الإسلام.
  • بيان الحكم فيمن يعترف بدولة اليهود في فلسطين وإقرار بقائهم الدائم فيها وتطبيع العلاقات معهم، وأن ذلك من موالاة الكفار وخيانة الأمة، ووجوب الوقوف في وجه الحكام الخونة الذين ترفض الشعوب المسلمة وصايتهم وتسلطهم عليها بالحديد والنار.
  • بيان فضائح هؤلاء الحكام الخونة المبددين لمال الله الذي استودعهم إياه، فخانوا الله وخانوا المؤمنين وبددوا أموال الأمة وضيعوا الأمانة وأكلوا الأموال وسرقوها وآثروا الكفار بها على مستحقيها من المسلمين بينما يستخدم الكفار هذه الأموال في الحرب على المسلمين.

هذا بعض ما تعيّن قوله لعل الله أن يكتب له القبول عنده ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم﴾، والقبول عند العلماء وطلبة العلم حتى يقوموا بما أوجبه الله عليهم، والقبول عند الناس فيبْصرون ويبصّرون غيرهم بما يكيده أعداء الأمة لهم.

خاتمة

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه وليُّك ويٌذل فيه عدوُّك من الكفَّار والمنافقين، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهي فيه عن المنكر، اللهم اجعلنا من أنصار دينك الذين ﴿يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾.

هذا والله أعلى وأعلم وأعز وأكرم والحمد لله رب العالمين

………………………………………………..

اقرأ أيضا:

  1. حقائق عن الأزمة الخليجية
  2. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. وسُنة المدافعة 
  3. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. الحرب الفكرية 
  4. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. المحور العسكري
  5. المشروع الأمريكي في حرب أهل السنة .. من الإقتصاد الى الأخلاق

التعليقات غير متاحة