عندما تتراجع الأمة ويتراجع دورها يتجرأ من يشاء على هذا الدين وعلى ثوابته. وعندما تضعف الشعوب يجد المتجرئون مساندين، أقلاما وأفواهاً.. وجريمة إباحة زواج المسلمة من كافر، والتسوية في الميراث في الحلات التي لم يرد بها الشرع، مثال صارخ على هذه الحال

تاريخ تونس المشرف

كلما مر بنا ذكر تونس نتذكر القيروان وابن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة المشهورة، والطاهر بن عاشور المفسر البارع صاحب التحرير والتنوير، وجامعة الزيتونة؛ الجامعة الإسلامية العريقة التي أخرجت على مدار عقود من الزمان أجيالًا من العلماء وطلبة العلم..

الظروف الممهدة للجريمة

شعر العلمانيون في تونس بوجوب اقتناص الفرص السانحة اليوم فتجرأوا في كل مجال من مجالات الإفساد إلى أن قرروا الخوض في الثوابت الإسلامية الراسخة على مدى الزمان.. نعم فعلوا ذلك من قبل لكنهم اليوم يريدون أن يكون هدم الثوابت والشرائع قانونًا راسخًا ملزمًا لا مجرد قرار طاغوتي يزول بزوال هذا الطاغوت أو ذاك..

فقد تجرأ الرئيس التونسي الباجي السبسي على الدعوة لمصادمة الكتاب العزيز والسنة المطهرة وإجماع الأمة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وإباحة زواج المسلمة من الكافر..

وقد كان هذا يمكن أن يمر؛ فالكلاب تنبح من أجل هذا وغيره منذ زمن؛ لكن الطامة الكبرى كانت في بيان ديوان الإفتاء التونسي.

وبدلًا من أن يفضحوا زيف وضلال هذه الدعوة للخاصة والعامة إذ بهم يلبسونها لباس الدين؛ فيثنوا على كلام رئيسهم؛ بل ويفترون بقولهم: إن دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة قد قررتها الشريعةُ الإسلامية في قوله تعالى:﴿ولَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ﴾ (البقرة: 228).

[اضغط لقراءة: وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه]

للجريمة سلف

وهؤلاء يشبهون من قال الله فيهم: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 75).

ومعناها: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ﴾ أيّها المؤمنون ﴿أنْ يُؤْمِنُوا﴾ أي: اليهود ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ﴾ طائفةٌ ﴿مِنْهُمْ﴾ أحبارهم. ولم يصف هذا الفريق بصفة العلم؛ لأن العالمِ الحق لا يحرف كلام الله.

وفي الآية إشارة إلى أن الجاهل أقرب للهداية من العالم المعاند ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ في التوراة ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ يغيِّرونه، كآية الرجم، وصفة محمد صلى الله عليه وسلَّم ﴿مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ﴾ فهموه، أي: لم يفعلوا ذلك نسيانًا وخطأً بل عمدًا ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أنهم يحرفون كلام رب العالمين، والهمزة للإنكار؛ أي: لا تطمعوا فلَهُم سابقةٌ في الكفر.

[اقرأ: الاسلام شريعة تحكم حياة الأمة]

أمر ببُيّت بليل، يُراد ما وراءه

وبدا للخاصة والعامة أن الأمر لعبة، بيّت لها بليل، وجريمة تواطأ عليها من هم أكبر من رئيس تونس وهيئة إفتائه، وأن الأمر لن يقف عند حد تونس؛ فكما كانت تونس قدوة في الثورات، وقدوة في التغلب على الثورات وما يلي ذلك؛ أرادوا لها أن تكون قدوة في هدم الثوابت والقطعيات والشرائع شيئًا فشيئًا..

وإنه لمن نافلة القول أن نستطرد في بطلان ما دعا إليه السبسي ودار إفتائه، ولا سيما بعد أن تولى ذلك إخوة فضلاء وعلماء أجلاء.. لكننا ما أردنا بهذه الكلمات إلا تحذيرًا من التراتيب العالمية لسحب الشريعة الإسلامية من الأطر النظرية بعد أن نجحوا إلى حد كبير في سحبها من الأطر العملية التطبيقية..

إن الأحكام المنصوص عليها في الكتاب والسنة والمجمع عليها هي من الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة؛ يكفر من يُنكرها؛ من بابِ أنَّ الحجةَ فيها مقامةٌ على كلِ أحدِ باستفاضةِ العلمِ بها..

إن العدل كل العدل في شريعة ربنا عز وجل، والجور كل الجور في الإعراض عنها.

حكم الجريمة

يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى :

فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل.

وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر. اهـ(1)

فليتخير كل امرؤ لنفسه؛ فمن أراد اتباع شريعة السبسي وأمثاله فهو الكفر البواح والعياذ بالله تعالى..

إن أمور الدين كلها لا تستمد إلا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم، باتفاق المسلمين؛ قال الله عز وجل:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65).. والآيات في ذلك كثيرة مستفيضة.

[اقرأ عن: علاقة تحكيم الشريعة بأصل الإيمان]

خير كامن وراء هذا الشر

وليس هذا الذي يفعله السبسي وزمرته شرًا محضًا؛ بل فيه خير كثير؛ فمن ذلك:

  • انكشاف مخططات العلمانية العالمية، وظهورها للعلن؛ ليميز الله الخبيث من الطيب..
  • انكشاف أمر علماء السوء الذين يشترون الضلالة بالهدى وأنه لا عذر لأحد في اتباعهم بعد مصادمتهم الصريحة للكتاب والسنة..
  • إثارة العاطفة العامة للإسلام واستخراج مكنون إيمانهم بالغضب لله عز وجل وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم..
  • تحريك الهيئات العلمية والدعوية واشتغالهم برد هذا المنكر العظيم.
  • اتضاح المحجة؛ فالخاص والعام قد علموا مقدار بُعد وضلال العلمانية وأهلها عن الإسلام وأنها لا بد وأن تصادم الشريعة الإسلامية ـ وإن أظهر أهلها المسالمة للدين نفاقًا وزورًا..
    حمى الله تعالى أمتنا من شرور وكيد الكائدين ..

…………………………………………………………….

هوامش:

  1. منهاج السنة النبوية (5/ 83).

اقرأ أيضا:

  1.  الحاكمية بين الإسلاميين .. والخوارج والعلمانيين
  2. علاقة تحكيم الشريعة بأصل الإيمان
  3. الإسلام شريعة تحكم حياة الأمة

التعليقات غير متاحة