كثرت فتاوى وأجوبة في العقدين الأخيرين عن علماء مشهورين يظن الناس بهم خيرا، ويؤثّرون في مواقف الأمة، ويستمع اليهم الكثير..

وقد تضمنت إجاباتهم في شأن «الكيان الصهيوني» وعقد الصلح معه والتطبيع، بل وإقامة تحالفات؛ فيذكرون أنواع الصلح المؤقتة والدائمة، وضوابطهما، دون ذكر لحكم الاعتداء على أرض المسلمين ودون ذكر لجهاد الدفع الواجب..

ويتكلم هؤلاء وكأن الحال أن فلسطين أرض يهودية أصلية وأن اليهود هم أهلها المستقرون فيها.. وكأن المشكلة تكمن في اعتدائهم على (جيرانهم)!.

ولهذا فقد اختار الموقع فتاوى لأهل العلم من مختلف المؤسسات العلمية لبيان الحقيقة الشرعية والواقعية؛ حتى لا تغيب في خضم الفتن التي تموج بالناس اليوم كموج البحر.

بيان الحكم الشرعي في الصلح مع الدولة اليهودية المحتلة

لصاحب الفضيلة الشيخ حسن مأمون/ مفتي الديار المصرية

موضوع الفتوى

في 25 من جمادى الأولى سنة 1375 هـ الموافق 8 من يناير سنة 1956 أصدر فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية وشيخ الجامع الأزهر فتواه في الصلح مع اليهود في فلسطين.. والمعاهدات مع الدول الاستعمارية المعادية للعرب والمسلمين والمؤيدة لليهود في عداوتهم فكانت فتواه التالية..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، اطلعنا على الطلب المقدَّم من علماء الأزهر الشريف والمذكرة المرافقة له المتضمنة طلب بيان الحكم الشرعي في الصلح مع الدولة اليهودية المحتلة، وفي المحالفات مع الدول الاستعمارية الأجنبية المعادية للمسلمين والعرب والمؤيدة لليهود في عدوانهم.

الجواب

يظهر في السؤال أن فلسطين أرض فتحها المسلمون وأقاموا فيها زمنًا طويلا فصارت جزءًا من البلاد الإسلامية. أغلب أهلها مسلمون وتقيم معهم أقلية من الديانات الأخرى؛ فصارت «دار إسلام» تجري عليها أحكامها، وأن اليهود اقتطعوا جزءًا من أرض فلسطين وأقاموا فيه حكومة لهم غير إسلامية وأجلوا عن هذا الجزء أكثر أهله من المسلمين.

ولأجل أن تعرف حكم الشريعة الإسلامية في الصلح مع اليهود في فلسطين المحتلة دون النظر إلى الناحية السياسية يجب أن نعرف حكم هجوم العدو على أي بلد من بلاد المسلمين هل هو جائز أم غير جائز؟ وإذا كان غير جائز فما الذي يجب على المسلمين عمله إزاء هذا العدوان؟

إن هجوم العدو على بلد إسلامي لا تجيزه الشريعة الإسلامية مهما كانت بواعثه وأسبابه فدار الإسلام يجب أن تبقى بيد أهلها ولا يجوز أن يعتدي عليها أي معتدٍ، وأما ما يجب على المسلمين في حالة العدوان على أي بلد إسلامي فلا خلاف بين المسلمين في أن جهاد العدو بالقوة في هذه الحالة فرض عين على أهلها.

حالات تعيّن الجهاد

يقول صاحب المغني: يتعين الجهاد في ثلاثة:

الأول: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان.

الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم.

والثالث: إذا استنفر الإمام قومًا لزمهم النفير؛ ولهذا أوجب الله على المسلمين أن يكونوا مستعدين لدفع أي اعتداء يمكن أن يقع على بلدهم، قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال:60).

وجوب الاستعداد للحرب الدفاعية

فالاستعداد للحرب الدفاعية واجب على كل حكومة إسلامية ضد كل من يعتدي عليهم لدينهم، وضد كل من يطمع في بلادهم فإنهم بغير هذا الاستعداد يكونون أمة ضعيفة يسهل على الغير الاعتداء عليها..

وإن ما فعله اليهود في فلسطين هو اعتداء على بلد إسلامي، يتعين على أهله أن يردوا هذا الاعتداء بالقوة حتى يجلوهم عن بلدهم ويعيدوها إلى حظيرة البلاد الإسلامية، وهو فرض عين على كل منهم؛ وليس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.

ولما كانت البلاد الإسلامية تعتبر كلها دارًا لكل مسلم فإن فرضية الجهاد في حالة الاعتداء تكون واقعة على أهلها أولا، ثم على غيرهم من المسلمين المقيمين في بلاد إسلامية أخرى ثانيا؛ لأنهم وإن لم يُعتد على بلادهم مباشرة إلا أن الاعتداء قد وقع عليهم بالاعتداء على بلد إسلامي وهو جزء من البلاد الإسلامية.

حكم الشريعة في الصلح مع المعتدي

وبعد أن عرفنا حكم الشريعة في الاعتداء على بلد إسلامي يمكننا أن نعرف حكم الشريعة في الصلح مع المعتدي هل هو جائز أم غير جائز؟

والجواب:

أن الصلح إذا كان على أساس رد الجزء الذي اعتُدي عليه إلى أهله كان صلحًا جائزًا وإن كان على إقرار الاعتداء وتثبيته فإنه يكون صلحا باطلا؛ لأنه إقرار لاعتداء باطل وما يترتب على الباطل يكون باطلا مثله.

وقد أجاز الفقهاء الموادعة مدة معينة مع أهل دار الحرب أو مع فريق منهم إذا كان فيه مصلحة؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (الأنفال:61).

وقالوا إن الآية وإن كانت مطلقة لكن إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة المسلمين في ذلك بآية أخرى هي قوله تعالى: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ (محمد:35).

فأما إذا لم يكن في الموادعة مصلحة فلا تجوز بالإجماع.

تنزيل الحكم الشرعي على فلسطين

ونحن نرى أن الصلح على أن تبقى البلاد التي سلبها اليهود من فلسطين تحت أيديهم وعلى عدم إعادة أهلها اليها لا يحقق إلا مصلحتهم وليس فيه مصلحة للمسلمين؛ ولذلك لا نجيزه من الوجهة الشرعية إلا بشروط وقيود تحقق مصلحة المسلمين.

[للمزيد اقرأ: تحريم الصلح مع الكيان الإسرائيلي ووجوب الجهاد]

حكم الأحلاف والمعاهدات مع غير المسلمين

والجواب عن السؤال الثاني؛ أن الأحلاف والمعاهدات التي يعقدها المسلمون مع دول أخرى غير إسلامية جائزة من الناحية الشرعية إذا كانت في مصلحة المسلمين.

أما إذا كانت لتأييد دولة معتدية على بلد إسلامي كاليهود المعتدين على فلسطين فإنه يكون تقوية لجانب المعتدي يستفيد من هذا الجانب في الاستمرار في اعتدائه، وربما في التوسع أيضا وذلك غير جائز شرعًا.

ونفضل على هذه الأحلاف أن يتعاون المسلمون على رد أي اعتداء يقع على بلادهم وأن يعقدوا فيما بينهم عهودًا وأحلافًا تظهرهم قولا وعملا يدًا واحدة تبطش بكل من تحدّثه نفسه بأن يهاجم أي بلد إسلامي.

وإذا أضيف إلى هذه العهود والمواثيق التي لا يراد منها الاعتداء على أحد وإنما يراد منها منع الاعتداء والسعي الحثيث بكل وسيلة ممكنة في شراء الأسلحة من جميع الجهات التي تصنع الأسلحة والمبادرة بصنع أسلحة في بلادهم لتقوية الجيوش الإسلامية المتحالفة؛ فإن ذلك يكون كله أمرًا واجبًا وضروريًّا لضمان السلام الذي يسعى إليه المسلم ويتمناه لبلده وسائر البلاد الإسلامية، بل لغيرها من البلاد غير الإسلامية.

ويظهر أن لليهود موقفًا خاصًّا فلم يعقدوا مع أهل فلسطين ولا أية حكومة إسلامية صلحًا ولم تجْلُ إسرائيل بعد عن الأرض المحتلة، وهي موجودة بحكم سياسي، وهو الهدنة التي فرضتها الدول على اليهود؛ نقضوها باعتداءاتهم المتكررة التي لم تعد تخفى على أحد.

[اقرأ أيضا: حكم التطبيع مع اليهود]

حكم ما يمنعه المسلمون عن اليهود

وكل ما فعله المسلمون واعتبره اليهود اعتداء على حقوقهم هو محاصرتهم ومنع السلاح والذخيرة التي تمر ببلادهم عنهم، ولأجل أن نعرف حكم الشريعة في هذه المسألة.. نذكر أن:

ما يُرسَل إلى أهل الحرب نوعان:

النوع الأول: السلاح، وما هو في حكمه.

والثاني: الطعام ونحوه.

حكم بيع السلاح

وقد منع الفقهاء أن يرسل إليهم عن طريق البيع السلاح؛ لأن فيه تقويتهم على قتل المسلمين، وكذا الحديد والخشب وكل ما يستفاد به في صنع الأسلحة، سواء حصل ذلك قبل الموادعة أو بعدها.

ولا شك أن حال اليهود أقل شأنًا من حال من وادعهم من المسلمين مدة معينة على ترك القتال، وعلى فرض تسمية الهدنة موادعة، فقد نقضها اليهود باعتداءاتهم، ونقض الموادعة من جانب يبطلها ويحل الجانب الآخر منها.

حكم بيع الطعام

وأما النوع الثاني فقد قالوا: إن القياس يقضي في الطعام والثوب ونحوهما بمنعها عنهم، إلا إذا عرفنا بالنص حكمه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة أن يمير أهل مكة وهم حرب عليه، وقد ورد النص فيمن تربطه بالنبي صلة الرحم؛ ولذلك أجابهم إلى طلبهم بعد أن ساءت حالتهم، وليس هذا حال اليهود في فلسطين..

ولذلك نختار عدم جواز إرسال أي شيء إليهم أخذًا بالقياس، فإن إرسال غير الأسلحة إليهم يقويهم ويغريهم بالتمسك بموقفهم الذي لا تبرره الشريعة والله تعالى أعلم.

……………………………………………….

المصدر:

  • موقع طريق الإسلام عن دار الإفتاء المصرية.

اقرأ أيضا:

  1.  تحريم الصلح مع الكيان الإسرائيلي ووجوب الجهاد .. لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
  2. المقدمات قبل استرجاع القدس
  3. من نحن؟ وما لنا وللأقصى والقدس؟
  4. غزة التي رأيت

التعليقات غير متاحة