العقيدة الإسلامية هي محور رابطتنا وعنوان وجودنا ـ كأمة ـ والعودة اليها واجب شرعي ووجودي. والتوكل على الله قوة عظيمة لإقامتها والخروج بها من الأزمة المعاصرة.

مقدمة

إن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة أمة عقيدة، روابطها بالله وثيقة، وأملها في الله شديد، لا تلتفت إلى غيره مهما اشتدت الأزمات والكربات، ومهما تكالب أعداء الله عليها؛ وكان ذلك بسبب اتّباعها لدين ربها عز وجل.

أهمية التوكل على الله في الشدائد

عباد الله..! إن من الإيمان تفويض الأمر لله والاعتماد عليه في شئون الحياة، واستمداد العون منه في الشدة والرخاء، والاعتقاد بأنه الإله المدبر للملك الفعال لما يشاء، بيده وحده العطاء والمنّة، والهزيمة والنصر، والتقدم والتأخر لا إله إلا هو،، التوكل على الله زاد المؤمنين يثبتهم عند الفزع، ويدفعهم إلى الإقدام، ويملأ قلوبهم بالعزة عند السؤال.

المؤمن الحق يجد في التوكل على الله راحة نفسية وطمأنينة قلبيه؛ فإذا أصابه خير علم أنه هو الله المدبّر الذي ساقه إليه، فحمده وشكره فكان خيراً له، وإن أصابته شدة أيقن أن الله هو الذي أصابه بها اختباراً له وابتلاءً، فصبر واسترجع فكان خيراً له ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:51].

أرشد الله المؤمنين إلى التوكل عليه، ووصل قلوبهم به إذا سعوا لاستدفاع ضر أو لتحقيق مطلب، حتى تكون يد الله فوق أيديهم، وعنايته فوق تصرفهم ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ [الطلاق:3].

وإن تخلى الله عن عبد فلن تغني عنه قوته، ولا استعداده، ولا ذكاؤه، ولا ماله، ولا جاهه، ولا غذاؤه، ولا جميع قوى الدنيا وإن وقفت معه، لكن المؤمنين في أشد الساعات يوم تشتد الأهوال، يوم يحجب الأمر، يوم تكفهر الأجواء وتنقطع الأسباب، لا يلتمسون إلا عون الله وفضله، لا يطلبون إلا رعاية الله ومدده، وسرعان ما تزول عنهم الشدائد وتفرج عنهم الكربات، أفلا نكون من هؤلاء المؤمنين ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران:173 – 174] هذا الزاد كان عماد الأنبياء في جهادهم مع أعداء الله، كان قولهم عندما يتألب الخصوم وتتألب الأعداء ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [إبراهيم:12].

أيها المسلمون..! إن الله تعالى قد حذر العباد من الاعتماد على غيره، ليعيش المسلمُ عزيز النفس، مرفوع الرأس، عالي الهمة، لسان حاله ومقاله يقول: ما سوى الله عبد مسخر لا ينبغي الاعتماد عليه ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأعراف:194].

في خضم الفتن يدعونا ديننا إلى الاعتزاز بالله والثقة فيه والاعتماد عليه وصدق اللجوء إليه، لا تواكل، ولا تكاسل ولا اعتماد بل عمل بإخلاص وثقة بالله ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت:58 – 59].

إن المسلمين الأوائل توكلوا على الله وتعلقوا بالله، وخاضوا ميادين الجهاد فانتصروا، كانت لهم السيادة والريادة، رائدهم وقائدهم محمد، صلى الله عليه وسلم، ما دعاهم إلى عدة بغذاء، وما دعاهم إلى سماع الأخبار، لكن دعاهم إلى الاستعداد بجميع القوى المادية والمعنوية، وأعظم قوة مكَّن الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بها هي قوة (لا إله إلا الله) التي من أجلها أرسل صلى الله عليه وسلم، هي أعظم قوة في ذلك الوقت، وهي أعظم قوة في كل زمان ومكان.. وشعبٌ بغير عقيدةٍ ورَق تذروه الرياح.

أهمية العقيدة في الحياة وقيمتها

إننا أمة عقيدة؛ متى ما تمسكت بعقيدتها خافها أعداؤها، إننا أمة عقيدة يهابها الكفر وأهله وأعوانه مهما كان عندهم من عتاد وعدة، إننا أمة عقيدة متى ما تمسكت بها ثبتت عند الشدائد والمحن، إننا أمةٌ لطالما قلنا إننا أمة عقيدة، فإن عقيدتها هي محور ثباتها في خضم الأحداث الجارية، في خضم الفتن التي ما تأتي فتنة إلا وأختها ترققها وتحدوها من بعدها.

إن هذه الفتنة المحدقة بنا أعطتنا إفرازات معينة تقول: إننا أمة تحتاج إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، إن هذه الفتنة أعطتنا: أنه يجب أن نرجع إلى الكتاب والسنة ونبحث عنها أكثر من بحثنا عن الطعام والشراب والهواء، إنها أعطتنا أننا إن لم نرجع بصدق؛ فإن الفتن كعقد قُطع سلكه فتتابع، فتن بعضها يحدو بعضاً. وقد تركنا محمد، صلى الله عليه وسلم، على المحجة البيضاء، ولمّا أحدقت بنا الفتن تخبطنا يمنة ويسرة ونسينا قول المصطفى: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي» ترك الله لنا هذا النور، من استضاء به في الظلمات كان مهدياً منصوراً، وكثير منا تنكبه ونسيه وتعلق بغيره فهو في الظلمات ليس بخارج منها.

عقيدتنا تأمرنا أن نرتبط برب يقول للشيء: كن فيكون، وارتبط الناس بكل شيء إلا بمن يقول للشيء: كن فيكون..!

عقيدتنا تأمرنا أن نفتش عن أسباب الفتن وسبب تسلط الأشرار من الأعداء، فكم هم الذين ارتبطوا بذلك مع هذه الأحداث..؟!

كم هم الذين انطلقوا إلى المسجد ليواظبوا على صلاة الفجر ويقوموا الليل، لمّا أحدقت الخطوب الآن..؟!

كم هم الذين صاحوا بأعلى صوتهم، وقالوا: لا مخرج لنا مما نحن فيه إلا بعودة صادقة إلى الله..؟!

كم هم الذين نادوا بالتناصح والقضاء على المنكرات التي قلما نتجه إلى جهة إلا ونجد فيها منكراً فظيعاً؟!

كم هم الذين صاحوا بأعلى صوتهم، وقالوا: إن سفينة الحياة تخرب، فهيا لإنقاذها قبل غرق الجميع..؟! إنهم والله قِلة، لكن يرحم الله البلاد بمصلحيها ودعاتها ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود:117].

عقيدتنا تقول: الولاء والمحبة والنصرة لأولياء الله لا من أجل عروبة، ولا لقومية، ولا لقرابة، ولا لقبيلة، ولا لجيرة، ولكن نوالي من قال «لا إله إلا الله» بصدق ويقين وإخلاص؛ أما تلك فأعراف ألقاها الإسلام، داسها بقدميه. وبعضنا لا زال ينادي بها..!

محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» إن أحببنا فلله، وإن أبغضنا فلله، وإن والينا فلله، وإن عادينا فلله.

عقيدتنا تقول: آن الأوان لترك اللهو والطرب والمزامير والعبث، وآن الأوان لشد المئزر وحمل المدفع؛ لا لتراب، ولا لعروبة، ولكن لرفع لا إله إلا الله.

عقيدتنا تقول: انطلقوا للدفاع عن راية التوحيد حتى لا يُعبد في الأرض سوى الله، وما ذلك على الله بعزيز.

عقيدتنا تقول: لسنا بحاجة إلى قوة عسكرية فقط، بل حاجتنا والله إلى القوة المعنوية أعظم وأشد، ألا وهي قوة التوكل على الله، قوة العقيدة التي إن وُجدت ينصرنا رب السماوات والأرض.

عقيدتنا تقول: واأسفاه على أمّتي..! واأسفاه على أهل العقيدة..! ينظرون لتحليلات إذاعات الغرب التي تقارن قواتنا بقوات الغرب، وما علمَت أنها تنصر بهذا الدين لا بعدد ولا عُدد.

عقيدتنا تقول: لا تتعلق أيها المسلم بمحادثات فلان وفلان، ولكن تعلق بمن يقول: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51].

عقيدتنا تقول: إن ارتباطنا بمن يقول للشيء كن فيكون، أين إيماننا بـ «لا إله إلا الله»..؟!

عقيدتنا تقول: لو جاءت جميع قوى الدنيا ولم يُرد الله نصرنا ما استطعنا أن ننتصر على أحد ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [آل عمران:160] هل وعينا ذلك؟ هل فهمنا ذلك؟ هل أيقنّا بذلك؟ نسأل الله ذلك.

عباد الله! أمتكم مستهدفة في كل شيء؛ في عقيدتها، في ثرواتها، في مناهجها، في إعلامها.. والكثير لا زال يعيش في غيبوبة لا يعلم ما يحاك لأمته ولا ما يحيط بها، هو بحاجة إلى “نظارات” من تقوى الله يبصر به المجتمع ليرى ما فيه مما يندى له الجبين.

بروز العقيدة وقت الشدائد

عقيدتنا تخرج في الشدائد والمدلهمات، نرتبط بها ارتباطاً عجيباً..

ها هو صلى الله عليه وسلم لا يؤمّل صحابتَه في جهاده برجوعهم إلى الدنيا، لكن يؤملهم بجنة وما عند الله، حتى رأوا الجنة من هنا، وشموا رائحتها حتى قال قائلهم: «واه لريح الجنة..! إني لأجد ريحها دون أحد».

تعلقوا بالله وما عند الله؛ فنصرهم الله.

خالد بن الوليد يوم يجتمع الكفر عليه ويتألب عليه بأضعاف أضعاف عدد المسلمين لديه، فيقول المسلمون لخالد: لا بد من اللجوء إلى “سلمى”، أو إلى “أجى” ـ جبلين في حائل ـ فتدمع عيناه، وهو المتوكل على الله، والواثق بنصر الله، ويقول: لا، لا إلى سلمى، ولا إلى أجى، ولكن إلى الله الملتجى..

فيُنصَر؛ لأنه نصر اللهَ، وتوكل عليه. ما أعظم التوكل واليقين!

يا أمة العقيدة! تمسكوا بدينكم، والتزموا شرعكم، وافتخروا به، وتحاكموا إليه في كل شئونكم، واستشعروا معية الله معكم، فإن الله مع المؤمنين ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ [النساء:146] اصدحوا بالحق فقد صدح به أسلافكم، صدح ربعي في إيوان كسرى يوم سأله كسرى: لم جئتم..؟ فرد بصوت مدوٍ كالصاعقة، قال: «جئنا لنُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام» يقول له كسرى: “كم في جيش الإسلام من مثلك..؟ قال: إني خلّفتُ في جيش الإسلام آلافاً مثلي، فيقول كسرى: والله ليملكون ما تحت قدمي هاتين”. وفعلاً ملَكوه بعقيدتهم الصافية.

أمة العقيدة أمة آمرة ناهية ليست متخاذلة، أمة العقيدة تنكر الروابط الأرضية من جنس ولون ولغة.. وترفع “لا إله إلا الله”.

خاتمة

أمة العقيدة جعلت بلالاً وسلمان وعمر وعثمان بنعمة الله إخواناً.

عقيدتنا ثمينة، عقيدتنا غالية. ألا وفي هذه الأحداث رخصت عند بعض الرخصاء من الناس، يوم خرج بعض مرضى القلوب فأطلقوا ألفاظاً نسأل الله أن لا يؤاخذ الأمة كلها؛ فهذه الألفاظ تدل على عدم ثبات العقيدة، كقول بعضهم: إن قوى الكفر تقول للشيء: كن فيكون..!

لا إله إلا الله ما أحلمك يا رب! عقيدتنا تنادي هؤلاء المرضى، ولا زالت تناديهم: عودة إلى الله، فالعود أحمد.

إن أمة العقيدة هي الأمل بإذن الله تعالى للخروج بالأمة مما هي فيه، ومن ذلك التيه التي طال بالمسلمين.

……………………………………

المصدر:

  • على القرني، المصدر: تلخيص محاضرة مفرغة.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة