للإسلام تميزه الذي يجب الحفاظ عليه لأنه يمثل الحق والمنهج الرباني النقي، وللإسلام رسالته للعالم فلا يخدع أحدا، والإسلام يفرق بين حسن المعاملة والبِرّ، وبين المجاملة في العقيدة.

مقدمة

تمادى بعض المنتسبين للدعوة والعلم في التهوين والترخيص في أمر تهنئة الكفار بأعيادهم المختصة بدينهم الكفري.. واختلقوا لذلك أعذارا؛ غايتها القول بالجواز للمضطر في زمن الضعف وفي بلاد الكفار، ولا يخفى الفارق بين الضرورة وعدمها.

وفي المقابل بالغ آخرون فخلطوا بين المشاركة في احتفالاتهم بتلك الأعياد وبين مجرد التهنئة.

وفيما يلي نبين تحريم هذه التهنئة المجردة ولو لم تقترن بالمشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم، وأيضا التفريق بين التهنئة بأعيادهم المختصة بدينهم وبين التهنئة فيما لا يتعلق بدينهم ـ وبما لا يمس دين الإسلام؛ فنقول وبالله التوفيق:

التنفير من أعياد الكفار

التنفير من أعياد الكفار المختصة بهم أصل أصيل في الإسلام؛ لما فيها من فرحهم بخرافاتهم ولما فيها من كفر وتجاوز لحدود الله عز وجل.

عن ثابت بن الضَّحَّاك قال: «نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ فَأَتَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إني نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالُوا: لاَ. قَالَ: «هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» قَالُوا: لاَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» (1).

وقد ألغى النبي صلى الله عليه وسلم ما كان تحت سلطانه من هذه الأعياد.

عن أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ» (2). ومعلوم أن البدل والمبدَل لا يجتمعان، ولذا ترك أهل المدينة الفرح والمرح بهذين اليومين.

قال الحافظ ابن حجر في تعليقه على هذا الحديث:

«..وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى». (3) اهـ

الفرق بين التهنئة بالأمور المشتركة والتهنئة بالأعياد الكفرية

أما التهنئة بالأعياد الكفرية المختصة بهم “مثل الكريسماس عيد رأس السنة” فهي حرام بالاتفاق؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

“فصل: في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك، وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد؛ فأباحها مرة ومنعها أخرى. والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما.

ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كما يقول أحدهم: “متعك الله بدينك أو نيّحك فيه”. أو يقول له: “أعزك الله أو أكرمك”؛ إلا أن يقول “أكرمك الله بالإسلام وأعزّك به” ونحو ذلك؛ فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.

وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم؛ فيقول: “عيد مبارك عليك”، أو “تهنأ بهذا العيد”، ونحوه.

فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنّئه بسجوده للصليب؛ بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قُبح ما فعل؛ فمن هنّأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه..». (4)

وقال أبو العباس الرملي الأنصاري الشافعي:

«.. يُعزّر موافق الكفار في أعيادهم، ومن يمسك الحيّة ويدخل النار، ومن قال لذمّي يا حاج، ومن هَـنّـأه بِـعِـيـدٍ، ومن سمّى زائر قبور الصالحين حاجا». (5)

و”التعزير” عقوبة على جُرم لم يحدد له الشرع حدّا معينا، فهو إلى الحاكم المسلم يحكم بالعقوبة التي تناسب الحال.

معاونة الكفار على ضلالهم

والتهنئة بالأعياد المذكورة فيه نوع خداع للكافر نفسه، فإنه إذا وَجد مجتمع المسلمين يحوطه بالتهنئة وإظهار المجاملات له؛ فإنه يغتر بذلك ولا يفكر في بطلان دينه ولزوم الاستسلام والإسلام لله رب العالمين والانقياد لشرعه. وهذا مما يتنافى مع كون هذه الأمة هي خير أمة أخرجت للناس كما في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران:110)

عن قتادة قال: «ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في حجّة حجّها ـ ورأى من الناس رِعَة سيئة ـ فقرأ هذه ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…﴾ الآية. ثم قال: يا أيها الناس من سرّه أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها». (6)

و”الرعة” المقصود بها هنا: الأمر أو الأدب السيء.

قال السعدي:

“يمدح تعالى هذه الأمة ويخبر أنها خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزِم للقيام بكل ما أمر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتضمن دعوة الخلق إلى الله وجهادهم على ذلك، وبذل المستطاع في ردّهم عن ضلالهم وغيّهم وعصيانهم، فبهذا كانوا خير أمة أخرجت للناس”. (7)

التهنئة بالمناسبات غير المختصة بدينهم

وأما ما لم يختصوا به فالظاهر جواز تهنئة الكافر غير المقاتل للمسلمين أو المعين على قتالهم؛ لعموم قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة:8-9)

وهو من عموم الإحسان للخلق كلهم فيدخل في قوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ (البقرة:83).

وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: «قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: إن أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ ؛ أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ». (8)

حكم قول “كل عام وأنت طيب” للكافر؛ فهل له حكم “الطيب”..؟

ومما يجْدر التنبيه عليه ما اشتهر على ألْسنة الناس اليوم من قولهم في التهنئة: “كل عام وأنت طيب”.. فهل هذا التعبير والدعاء يمكن أن نترخص فيه لكافر بالله العظيم؟!

وللجواب عن ذلك ننظر لبعض ما ورد في الكتاب والسنة مما وصف بـ “الطيب”:

قال الله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (النور:26).

قال السعدي :

“أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له.

وكل طيّب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومُشاكِل له.

فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء ـ خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق ـ لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدْح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم”. (9)

والكافر لا يمكن أن يكون “طيبا”؛ لخبث معتقده فضلا عن عدم تنزهه مما أمر به الشرع المطهَّر أو نهى، من الزنا والخمر وغير ذلك.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم”، وقال: “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم” ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام؛ فأنَّى يستجاب لذلك».

قال النووي:

وأصل “الطيب”: الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث. (10)

وعلى هذا ـ وغيره كثير ـ فوصف الكافر بـ “الطيب” خطأ كبير وكذب؛ بل وتدليس على الكافر وخديعة له تجعله يغتر بدينه ويتمسك به.

خاتمة

لقد عهدْنا من الشارع الحكيم الدقة في إطلاق الألفاظ؛ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: «يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» (11).

وللشرع توجيهه في الألفاظ التي يقر المسلم عليها أن يقولها لتوافقها مع العقيدة ومقتضاها، وما ينهاه عنها لما تؤدي اليه من مخالفة. أرشدنا الله تعالى وعامة المسلمين لما يحبه ويرضاه.

……………………………………………………

هوامش:

  1. رواه أبو داود (3315) وغيره وصححه الألباني في الصحيحة (2872).
  2. رواه أبو داود (1136) وغيره وصححه الألباني في الصحيحة (2021).
  3. فتح الباري (2/442).
  4. أحكام أهل الذمة (1/442).
  5. حاشية الرملي (4/162).
  6. رواه الطبري (7612) بسند حسن إلى قتادة.
  7. تيسير الكريم الرحمن (ص143).
  8. رواه البخاري (2620) ومسلم (1003).
  9. تيسير الكريم الرحمن (ص563).
  10. شرح مسلم (7/100).
  11. رواه أحمد19586. وقال محققه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير حكيم بن دَيْلَم وهو ثقة.

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة