يلحُّ على آذان المسلمين في مصر إعلانات عن حياة للمترفين، وأغلبهم فاسدون أو مفسدون. بما يحملون من قيم مناقضة للإسلام وحربا عليه وتغريب للمجتمع. ومن ثَم مخاطر مخوفة.

الخبر

“تحول إعلان حول مجمع سكني في مصر إلى مادة نقاش وصخب؛ يدور الإعلان حول مجمع “مدينتي” الواقع شرقي القاهرة، إذ يظهر سكانه في مقطع مصور وهم يتحدثون عن طيب العيش فيه وجودة خدماته المتعددة التي تغنيهم عن الخروج منه وتحد تواصلهم مع باقي المناطق.

وقد اعتبره الكثير دعاية ترسخ للطبقية في المجتمع، في وقت لا يستطيع فيه ثلث المصريين توفير احتياجاتهم الأساسية، ووصفوه بالمستفز والعنصري، وأن المصري البسيط بات يشعر بنوع من الاغتراب أمام هذه الدعايات التي تروج إلى مدن الأحلام وتصور العالم خارج أسوار “الكومباوند” على أنه عالم غير صحي وغير آمن.

ويشير آخرون إلى أن الهوة بين أبناء الشعب الواحد لم تعد مقتصرة على أسباب اقتصادية أو على الفقر، بل أصبحت ثقافية وقيمية، وأن بناء المجمعات المغلقة يدل على وجود خلل كبير في بنية المجتمع، ويضيفون بأن محاربة الفقر وإرساء الأمن لن يتحقق ببناء مشروعات تجميلية تستفيد منها مجموعة محدودة من الأثرياء.

ثمة تساؤلات حول مستقبل العقد الاجتماعي بين الناس، في ظل انتشار التجمعات السكانية المغلقة والمعزولة فلطالما شيدت مبان وأحياء تدعم فكرة التمييز بين الطبقات. فظهرت المجمعات السكانية المسوَّرة المعروفة بمدن الأحلام أو “الكونبودات”، وبدأ موسم الهجرة نحوها. ويخشى البعض من أن تخلق المدن المسورة حالة من الحقد الطبقي.

وأغلب إعلانات المجمعات السكنية الرأسمالية تؤكد على ميزة (الانعزال) فثمة طبقة تخشى الاختلاط مع أي مختلف عنهم اقتصاديا وثقافيا. في حين يعاني الفقراء في باقي أنحاء مصر من الفقر والمرض والإدمان الذي يصبح الوسيلة الوحيدة للهروب من الواقع والاستمرار في العيش”. (1موقع “الجزيرة”، 11/5/2020، على الرابط:
إعلان “مدينتي” يزعج المصريين.. هل تمنح أسوار المدن الأمان للأثرياء الجدد؟
موقع “BBC عربي، على الرابط:
مدينتي نموذجا: لماذا يلجأ مصريون للعيش في مجمعات مغلقة؟
)

التعليق

حالة المترفين ومخاطرهم

مع الحالة العامة للمصريين، وهي الحالة المتردية في الخدمات والعيش عموما، وازدياد الفقر، واختفاء الطبقة المتوسطة أو ضمورها، وزيادة مساحة الفقر وعدد الفقراء، وانتقال شرائح كبيرة من أهل البلاد الى الفقر ودون الفقر فيما يسميه الاقتصاديون “تحت خط الفقر”؛ يرفل آخرون، وهم قِلة معدودة من أهل البلاد، في غنى مُطغٍ، ويحلمون ـ وينفذون أحلامهم ـ بمجتمعات شبيهة بالنمط الأوروبي ـ أو تفوْقُه ـ بإنشاء مجتمعات منعزلة عن عموم الشعب المسلم.

وهؤلاء المترفون غالبهم ما بين رجال أعمال يسودهم الفساد والتحالف المشبوه مع الحكام المبدلين اللصوص بدورهم، وبين فئة المطربين والممثلين والراقصات الساقطين أخلاقيا، وبين الإعلاميين الذين تنفق عليهم البلاد وأجهزتها من قوت المسلمين وأموالهم ليضلوهم ويُخضعوهم لجلاديهم..!

وهؤلاء المترفون أيضا هم من أنفقوا الكثير من أموالهم على إنجاح الإنقلاب العلماني العسكري الموالي للصهيو صليبية وللفساد المحلي وللطائفية النصرانية بالداخل كذلك. وبينما هم يتهربون من الضرائب المفروضة عليهم من هذه الأنظمة ـ بغض النظر عن حكمها الشرعي ـ فقد أنفقوا الكثير من أجل عودة حالة الفساد ليتقوَّتوا منها ويتعيشوا بها..! فبعضهم اسُتحق عليه سبعة مليارات جنيه للبلاد؛ فأنفقو مليارا على الانقلاب واسترد ما دفعه للبلاد؛ فذهبت أمواله لجيوب لصوص العسكر الخائن العلماني وحَرم الناس من حقوقهم، وأسقط أحلامهم بأموالهم..! ثم أعطى الكثير من أمواله لكنيسته لتستكمل دور التنصير وتغيير الهوية والنفوذ في دروب السلطة وتسليح شباب الطائفة.. وغيرها الكثير من المفاسد والمخاطر التي تحيط بالمسلمين.

ومن جهة أخرى فهؤلاء المترفون لا ينقلون عن الغرب علوما وحداثة تطبيقية وتكنولوجية، بل هذا الجانب قليل جدا؛ وإنما يهتمون بنقل النموذج والنمط القيمي الغربي من حيث طريق العيش ونمط الاستهلاك والبناء والترفُّه مبعلاب الجولف والحفلات، والنمط القيمي في العلاقة بين الجنسين ووضع المرأة من التعري والاختلاط والتواصل المحرم، بل وينقلون معهم نمط الجرائم الغربية..! على أنها من لوازم الحداثة ونواتج التطور..!! بالإضافة الى أن بعضهم يتكلم برطانة غربية ويعلم أولاده ألا ينطق كلمة واحدة باللغة العربية بل الحديث العادي في البيوت يكون بلغة المدرسة الأجنبية، بين الإنجليزية والألمانية والفرنسية..!

الإسلام والعدالة الإجتماعية

للإسلام طريقته في تحقيق العدالة وتدوير المال بين أيدي “الناس” وليس أيدي فئة معينة؛ بل حذّر الله تعالى من حالة يكون فيها المال “دُولة” يعني “متداولا” بين أيدي فئة محددة يمنعون “سقوطه..!” وخروجه من أيديهم الى أيدي غيرهم من الفقراء..! فقد قال تعالى في توزيع المال العام ـ مال الفَيْء ـ والنص على الحكمة منه ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: 7).

هذا من مباديء الإسلام في تحقيق العدالة الإجتماعية بتقليل الفوارق بين الناس، لا بمنهج اشتراكي، ولا يمنهج رأسمالي، بل بمنهج إسلامي أصيل. نعم الإسلام يحقق هذا بأيسر الطرق وأحكم السبل وبنفوس راضية ترجو الله واليوم الآخر، وبنفوس تنفق فوق المفروض عليها، ولا تمنّ بل تُسر نفقتها وتبتغي أجر الآخرة، لا على أنه إحسان فردي بل حالة نظام عام ـ ومعه نطاق واسع للإحسن الفردي الذي يتحول الى “ظاهرة”..

هذا كله شرْطه أن يحكم الإسلام ويتبوأ مكان القيادة والتوجيه. وحين يحدث هذا يكون من الخير الكثير الذي حُرم الناس منه في هجير المناهج واللصوصوية والاستبداد.

خاتمة

يكمن خطر  شديد في علو فئة المترفين، وتأمّرهم، فما هلكت الأمم إلا عندما استلموا دفة المجتمعات وتصدّروا مواجهة الرسل وأتباع الرسل، وحددوا موقفهم الرافض من دين الله واتبعهم الناس جهلا وتبعيةً من المستضعفين؛ قال تعالى ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء: 16)، وفي قراءة متواترة بتشديد الميم من ﴿أمَّرْنا﴾.

قد تكون العقوبة في ثوران الناس وإفسادهم بلادهم بأيديهم، أو فتنة بين المجتمع وحروبا بينهم ﴿.. أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ (الأنعام: 65) أو عقوبة من الخارج بتسلط عدو بسبب هشاشة المجتمع الذي ينخره الفساد ويسيطر عليه الضعف بترف فئة وانسحاق آخرين وغياب إخراج الإنسان المعتدل المتوازن صاحب القيم والكرامة.

إذ لا مكان للقيم بين مترف ومسحوق.

لن تمر الحياة بسيطرة الفساد سالمة آمنة، هذا وهْم كبير. بل ثمة سنن تستلزم عقوبات لمن ابتعد عن دين الله فضلا عمن حاربه وأنفق المال على حربه، وفضلا عمن تبنى قيما وأخلاقا مناقضة لدين الله وتولى نشرها بين الناس وزحزحة المجتمعات عن دينها القيّم حتى تقبل القيم الهابطة التي تحملها طبقة المترفين. والله تعالى العاصم والهادي الى سواء السبيل.

……………………………..

هوامش:

  1. موقع “الجزيرة”، 11/5/2020، على الرابط:
    إعلان “مدينتي” يزعج المصريين.. هل تمنح أسوار المدن الأمان للأثرياء الجدد؟
    موقع “BBC عربي”، على الرابط:

    مدينتي نموذجا: لماذا يلجأ مصريون للعيش في مجمعات مغلقة؟

اقرأ أيضا:

التعليقات غير متاحة