العلماء هم لسان الأمة وسراجها المنير. فما الواجب عليهم فعله في زمن الاستضعاف؟

مقدمة

هذا المقال ليس المقصود به شخصا بعينه، بل كلنا نحتاج إلى التذكير والتواصي بمثله، في زمن صَمَت فيه رموز العلم والدعوة حيال المنكرات السياسية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها، وهذا في أحسن الأحوال، إن لم يتجاوزوا ذلك إلى قول الباطل، فهل هذا هو المنهج الصحيح؟!

مقتضى سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل الابتلاء والتمحيص

واقتضت حكمة الله تعالى أن يبتلي عباده المؤمنين بتسلط أعدائهم عليهم مدة من الزمن، وذلك للابتلاء والتمحيص ولتمييز الخبيث من الطيب، وهذا مقتضى سنة المدافعة والصراع بين الحق والباطل، قال سبحانه وتعالى: ” وَكَذَ لِكَ جَعَلنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا مِّنَ ٱلمُجرِمِینَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِیًا وَنَصِیرًا ” الفرقان [31]. ومن حكمة الله تعالى في تسليط أعدائه على أوليائه واستضعافهم لهم لجوء المستضعفين إلى ربهم ودعائهم له ويقظة الغافلين واستثارة هممهم وعزائمهم في مواجهة ومدافعة الباطل وأهله وبقاء جذوة الدين مشتعلة. إذن ففي باطن الاستضعاف وكثرة المحن حكم ومنح لمن فقهها.

كل نبي كان يعالج نوع الشرك في قومه وهو في حالة استضعاف

حين ننظر لدعوة الأنبياء نظرة سريعة سنجد أن كل نبي كان يواجه قومه بانحرافاتهم، وخصوصا الملأ منهم -علية القوم -، وهم في حالة استضعاف، كما كان كل نبي يعالج نوع الشرك والانحراف الذي وقع فيه قومه، بدءا من عبادة الأصنام والكواكب والأحبار والرهبان واستحلال اللواط، ومرورا بتطفيف المكيال والميزان، إلى منع الماعون، وهو كما قال ابن مسعود: ” كُنّا نَعُدُّ الماعونَ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ عارِيَّةً؛ الدلوَ، والقدرَ در”. 1[رواه أبو داود (1657) وحسنه الحافظ والألباني]. فقوله تعالى: ” قُل یَـٰۤأَیُّهَا ٱلكَـٰفِرُونَ ” وقوله: ” وَیَمنَعُونَ ٱلمَاعُونَ ” وقوله: ” وَیلٌ لِّلمُطَفِّفِینَ ” هذه آيات مكية، في زمن الاستضعاف، وغيرها كثير.

وقد كان أقوامهم يسخرون منهم ويؤذونهم، فسجن يوسف، وقتل زكريا، وألقي على محمد سلا الجزور وهو ساجد، واضطروه للخروج من بلده، قال تعالى: ” وَلَقَد كُذِّبَت رُسُلٌ مِّن قَبلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰۤ أَتَىٰهُم نَصرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِ.. ”

ولسنا بحاجة إلى أن نستعرض الآيات التي أرَّخت مواقفهم مع أقوامهم في هذا المقال – فهي معروفة، لكن نذكر موضعا جامعا في ذلك، قال تعالى: ” وَمَا لَنَاۤ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَد هَدَىٰنَا سُبُلَنَا وَلَنَصبِرَنَّ عَلَىٰ مَاۤ ءَاذَیتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلیَتَوَكَّلِ ٱلمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِم لَنُخرِجَنَّكُم مِّن أَرضِنَاۤ أَو لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَا فَأَوحَىٰۤ إِلَیهِم رَبُّهُم لَنُهلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ * وَلَنُسكِنَنَّكُمُ ٱلأَرضَ مِن بَعدِهِم ذَ لِكَ لِمَن خَافَ مَقَامِی وَخَافَ وَعِیدِ * وَٱستَفتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ * مِّن وَرَاۤىِٕهِۦ جَهَنَّمُ وَیُسقَىٰ مِن مَّاۤءٍ صَدِیدٍ ” إبراهيم[12-16]

اقتفاءالمصلحين من أتباع الأنبياء آثارهم عبر التاريخ

وسار المصلحون من أتباع الأنبياء على طريقتهم عبر التاريخ، كما قال تعالى:” وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیٍّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَاۤ أَصَابَهُم فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا ٱستَكَانُوا وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ ” آل عمران [146]. وفي قراءة: “وقتله”

ولأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان في هذا القدح المعلى، فمن ذلك:

1- ما رواه أحمد (1740) بإسناد حسن عن أم سلمة رضي الله عنها، وفيه: “…قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليرداهم إلى بلادهم وقومهم، قالت: فغضب النجاشي، ثم قال: فغضب النجاشي، ثم قال: لا هيم الله، إذا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قوما جاوروني، ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم اليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما، وأحسنت جوارهم ما جاوروني. قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلی الله عليه وسلم، فدعاهم فلما جاءهم رسوله اجتمعوا، ثم قال بعضهم البعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم، كائن في ذلك ما هو كائن. فلما جاءوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم، والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام، قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرا من “کهیعص” قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسی ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا، ولا أكاد، قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: والله لأنبئنهم غدا عيبهم عندهم، ثم أستأصل به خضراءهم، قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة – وكان أتقى الرجلين فينا -: لا تفعل فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد، قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثله، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو کائن، فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عیسی ابن مریم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ منها عودا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا، فأنتم سيوم بأرضي – والسيوم: الآمنون – من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرا ذهبا، وأني آذيت رجلا منكم – والدبر بلسان الحبشة: الجبل – ردوا عليهما هدایاهما، فلا حاجة لنا بها…”.

براعة جعفر بن أبي طالب مع النجاشي

  • براعة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في عرضه لملخص دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تكلم فيها بكلام عام مجمل، لكن ليس فيه باطل – أمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا-، وبكلام مفصل تتفق عليه الأديان السماوية والفطر السليمة، حتى صور نفسه ومن معه كمجموعة من الحواريين اعتدى عليهم وثنيون ليفتنوهم عن الحق..
  • حين استدعاهم للمرة الثانية ليسألهم عن رأيهم في عيسى عليه السلام تحديدا، قالت أم سلمة: “ولم ينزل بنا مثله، فاجتمع القوم، فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا: نقول والله فيه ما قال الله، وما جاء به نبينا كائنا في ذلك ما هو كائن”.

إن الجواب على هذا السؤال هو مفرق طريق قد يترتب عليه إنهاء الوجود الإسلامي في الحبشة – لولا أن الله أدخل الإيمان في قلب النجاشي -، ولهذا اهتم له الصحابة في الحبشة رضي الله عنهم، لكن اجتمعت كلمتهم أن يصدقوه، ولا مجال هنا للكلام المجمل أو الكلام العام السياسي، لأن السؤال محدد، وجعفر هو رمز من رموز الإسلام، فلا يسعه ما يسع غيره، فلا بد للمبادئ أن تكون واضحة معلنة، ولو أدى ذلك إلى القتل والشهادة في سبيل الله..

  • تشاور الصحابة لاختيار الناطق الرسمي عنهم، فاختاروا أعلمهم وأقدرهم على الحوار، وهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد ظهرت براعته في إفشال مفاوضات عمرو بن العاص – داهية العرب – وفي الحوار الذي دار بينه وبين النجاشي، وخلاصته: أن محمدا يعرفه الجميع بالصدق والأمانة، وجاءنا بأمور حسنة لا تنكر، فآمنا، وهؤلاء هم الذين اعتدوا علينا لمجرد إيماننا..، ومن ذلك اختياره لمطلع سورة مريم، ولا شك أن قدرته على إبكاء النجاشي وأركان دولته، وقدرته على إفشال مخطط قريش لتسليمهم، هو نجاح غير عادي..

مواقف السلف في إسداء النصح للحكام والسلاطين

2- أبو مسلم الخولاني:

قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفِّين في تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أنت تنازع عليا في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا.. 2فتح الباري (86/۱۳ ) ، وانظر كشف الستار عن الفتن (۹۲/1)].

3- الأعمش (ت۱۹۸هـ):

هو سليمان بن مهران شيخ المقرئين والمحدِّثين، قال يحيى القطان: هو علَّامة الإسلام. وقال ابن عيينة: كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله وأحفظهم للحديث وأعلمهم بالفرائض. 3[سير أعلام النبلاء (6/226-248)]

وقال أبو معاوية الضرير: بعث هشام بن عبد الملك إلى الأعمش أن اكتب لي مناقب عثمان ومساوئ علي فأخذ الأعمش القرطاس وأدخلها في فم شاة فلاكتها، وقال لرسوله: قل له هذا جوابك، فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمَّل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد افتده من القتل، فلما ألحُّوا عليه كتب له: “بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد يا أمير المؤمنين، فلو كانت لعثمان رضي الله عنه مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي رضي الله عنه مساوئ أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام”. 4[وفيات الأعيان (4۰۲/۲- 403)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب (215/۱) لابن العماد].

ومثل هذه المواقف لسلفنا كثيرة جدا، قد ذكرت طرقا منها في كتابي: “من منهج السلف في نصيحة الحكام والسلاطين”. ومن منا لا يعرف مواقف الإمام أحمد وابن تيمية والعز بن عبد السلام والنووي وغيرهم رحمهم الله.

فمهما تنازلنا للخصوم لا ينبغي لنا أن يكون ذلك على حساب الثوابت، أو نوافق الناس على أهوائهم.

مواقف العلماء في حالة الاستضعاف منها ما هو مقبول، ومنها ما هو مردود

أما المقبول: فهو ما كان تحت الإكراه الملجئ.

وأما غير المقبول: فهو عكس المقبول، وذلك بأن يكون هناك من الوسائل لدفع الاستضعاف كالتنازل عن مال أو عرض من أعراض الدنيا، أو القدرة على الهجرة ولم يغلِّب مصلحة البقاء، أو مقاتلة المتسلط أو أي وسيلة أخرى لدفع الضرر، ومن غير المقبول قطعا أن يؤدي الاستضعاف إلى التنازل عن أصول العقيدة أو الثوابت أو تغيير الدين والوقوع في الشرك بأنواعه والدعوة إليه، ومن غير المقبول أن يتوسع في تناول الضرورة ويتجاوز في القدر الذي يدفع عنه الضرر والحرج، كما قال تعالى: ” فَمَنِ ٱضطُرَّ غَیرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ”

ضوابط للأخذ برخص الاستضعاف:

تتفاوت قدرات الناس في الأخذ بالعزيمة أو الرخصة، والإجماع منعقد على أن الأخذ بالعزيمة أفضل، لكن من أخذ بالرخصة فعليه أن يراعي هذه الضوابط:

  1. التحقق من وقوع الضرر المرخص لارتكاب المحذور.
  2. التفريق بين استضعاف العالم المتبوع واستضعاف غيره.
  3. الضرورة تقدر بقدرها فمن “اضطر غير باغ” والرجوع إلى أهل العلم في تقديرها ومدى تحققها.
  4. أن تنعدم الوسائل الأخرى لمواجهة الاستضعاف.
  5. عدم الركون إلى حالة الاستضعاف وكأنها حالة دائمة، بل ينظر إليها أنها مؤقتة ويسعى إلى رفعها ودفعها وإعداد العدة لذلك.
  6. ألا توقع رخص الاستضعاف في مخالفة أصل من أصول الشريعة ومبادئها العامة أو التلبيس على الأمة بتحسين الباطل وتقبيح الحق أو العدوان على الأنفس والأموال والأعراض.
  7. إذا كان في الاستضعاف إكراه تراعي شروط الإكراه وضوابطه. وقد ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح (۳۱۱/۱۲) قال في تعريف الإكراه: هو إلزام الغير بما لا يريده، وشروطه أربعة:
  • الأول: أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به، والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار.
  • الثاني: أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.
  • الثالث: أن يكون ما هدده به فوريًّا، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غدا لا يعد مكرها، ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لا يخلف.
  • الرابع: ألا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره.

وقال أيضا: واختُلف فيما يهدد به، فاتفقوا على القتل وإتلاف العضو والضرب الشديد والحبس الطويل، واختلفوا في يسير الضرب والحبس كيوم أو يومين. اهـ، وقال أيضا: واختلف في حدِّ الإكراه، فأخرج عبد بن حميد بسند صحيح عن عمر قال: “ليس الرجل بأمين على نفسه إذا سجن أو أوثِقَ أو عُذِّب”، ومن طريق شُریح نحوه وزيادة ولفظه “أربع كلهن كُره: السجن والضرب والوعيد والقيد”، وعن ابن مسعود قال “ما كلامٌ يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلما به”، وهو قول الجمهور. اهـ 5[فتح الباري (۱۲/ ۳۱۲)].

وقال ابن تيمية: تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد ولا يكون الكلام إكراها. 6[الدفاع عن أهل السنة والاتباع لحمد بن عتيق ص (۳۲)]

وقال أيضا: والحجة على العباد تقوم بشيئين: بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به … لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل. 7[مجموع الفتاوى (20/59)].

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم..

الهوامش:

  1. [رواه أبو داود (1657) وحسنه الحافظ والألباني].
  2. فتح الباري (86/۱۳ ) ، وانظر كشف الستار عن الفتن (۹۲/1)].
  3. [سير أعلام النبلاء (6/226-248)].
  4. [وفيات الأعيان (4۰۲/۲- 403)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب (215/۱) لابن العماد].
  5. [فتح الباري (۱۲/ ۳۱۲)].
  6. [الدفاع عن أهل السنة والاتباع لحمد بن عتيق ص (۳۲)].
  7. [مجموع الفتاوى (20/59)].

اقرأ أيضًا:

فقه الاستضعاف وأحوالنا المعاصرة

التبعية وقبول الاستذلال .. وإبطان الاستكبار

سنة الابتلاء في حياة الأنبياء ومن سار على دربهم(1)

التعليقات غير متاحة