الجناية على الشعوب

لا شك أن حرب أعداء الدين مستمرة ضد قادة الأمة وخواصها قديما وحديثا لأنهم مصابيح الهدى، لكن هل اقتصر الأمر على ذلك أم امتد الصراع إلى عموم الناس لمجرد انتسابهم للدين؟

عداوة الكافرين والمنافقين وزنادقة المبتدعة المارقين؛ ليست قاصرة على خاصة المسلمين من العلماء والمفكرين والدعاة والمجاهدين، بل هي تعم الغالب الأعم من العوام، عندما يتطلعون للخلاص، فيتعاطفون ثم يتفاعلون مع المصلحين من أهل الدين.. ضد فساد المفسدين واستبداد المستبدين..

ولذلك فليست مصادفة أن بلدان الثورات (الربيع العربي) التي انحازت للخيار الإسلامي؛ أدخلت بعده – عقابا لها – في دوامات فقدان الاستقرار المعيشي.. وتزايد الاضطراب الأمني.. وتضاعف الانقسام الشعبي..

الشرائح الأكبر من عامة الجماهير في بلدان الثورات العربية، عندما تعاطفت مع الدعوات والشعارات والرموز الإسلامية؛ كانت تستجيب لنداء الفطرة، وتتفاعل مع هوية الإسلام، وتتطلع لأدنى حقوق الإنسان، ولهذا عبرت عن ذلك بانحيازها الكبير لما عرف بـ ( الحل الإسلامي) برموزه وغاياته وشعاراته، ولهذا وجد الإسلاميون أنفسهم في مقدمة الركب، طائعين أو مضطرين..

ثم ماذا..؟!

ثم تم الغدر العلماني بتلك الجماهير الشعبية، وبخياراتها الحرة الإسلامية السلمية المصيرية.. بعد الفتك بجميع تيارات العاملين للدين، وجرى تشجيع وتقوية وتمويل الثورات العلمانية المضادة، لتبقى الجبرية هي السيدة السائدة في كل بلاد المسلمين ، بعد أن أدخلوها في حروب أهلية، أو انشقاقات شعبية.. أسفرت في بلاد الثورات عن مئات الآلاف من القتلى.. وأضعافهم من المصابين، وأضعاف أضعافهم من المشردين والمهجرين..! وهؤلاء لم يكونوا بالطبع داخلين جميعا تحت عداد من يدعونهم ( إرهابيين )..!

التعامل مع العوام المستضعفين

سنضرب مثالا واحدا على مدى اسوداد النفسية المعادية للمسلمين.. ولو كانوا عواما مسالمين..

فقد وصف أحد الطيارين المشاركين في عمليات قصف القوات ما حدث بقوله : « كان الأمر كأنني أطلق النار على سمك في برميل، فأين يهرب ؟ ! وكيف نحصي الصيد والضربة الواحدة تصيب عشرات الأهداف ؟ » ! ولم يكن الأمر مقتصراً على العسكريين ؛ فقد قتل نحو ثمانية آلاف من المدنيين، منهم أربعمائة قضوا تحت الأرض في ملجأ العامرية، أثناء اختبائهم من القصف الهمجي. أطلق الأمريكيون على تلك الحرب وصف : (الحرب النظيفة)لا لشيء إلا لأنها كما يقولون تقوم على استراتيجية التصويب العسكري الدقيق باستخدام أدوات التسليح الإلكتروني (الذكي)الذي يجنب الأمريكيين الاحتكاك العسكري المباشر ! ! الذي (قد)يسفر عن سقوط ضحايا عسكرية (بريئة)!

هذا..ولم تكن (الحرب العالمية على محاربة الإرهاب).. قد بدأت بعد..!

وقد استنسخت مسوخ العلمانية والطائفية في بلاد المسلمين هذه الروح الهمجية في تعاملها مع الشعوب المستضعفة الراغبة في التغيير والتحرير ،وما حدث في سوريا تتوارى خجلا من سيرته وحوش البراري، بل الحيات والأفاعي؛ فقد عدد المرصد السوري لحقوق الإنسان، المتحدث بلسان الأمم المتحدة؛ أرقام قتلى الحرب المدبرة في سوريا حتى شهر ديسمبر كانون الاول عام ٢٠٢٠ ، حيث وصل عدد من قتلوا إلى نحو ٣٨٧,١١٨ شخص ، من بينهم ١١٦,٩١١ مدنيا، بينما وصل عدد المفقودين المعدودين في عداد الموتى الىالغ نحو ٢٠٥,٣٠٠ شخص، من بينهم نحو ٨٨ ألف قتلوا اثناء التعذيب في سجون نظام القتلة هناك، وقد وثقت منظمة رعاية الطفولة (اليونيسيف) التابعة للأمم المتحدة؛ مقتل مالا يقل عن اثني عشر ألف طفل في ذلك الصراع الدموي الذي أداره على مدى عشر سنين طغاة النصيرية مع داعميهم من الروس وأحفاد المجوس، وسط صمت أو مباركة أشبه بالمشاركة من منظمات “العدالة” الدولية الظالمة..

محاربة الإرهاب

صارت محاربة الإرهاب تكأة وذريعة مصطنعة للهجمة الهمجية ضد جموع المسلمين في بلدانهم.. وعلى أيدي حكامهم أو المتحالفين معهم.. فهل كان النظام الدولي ( الصهيو صليبي) بأدواته وآلياته وشعاراته .. غافلاً عن ذلك؟ أو عاجزا عن إيقاف ذلك ..؟!.. لا ؛ بل كان منظما.. ومنفذا.. ومستثمرا في كل ذلك..

فمن تأمل في أصل الصراع وما وراءه؛ كما تحدث عنه الوحي.. سيجد أنه يعود إلى اختلاف بين طبيعتين .. وجهتين..وهويتين

إحداهما خيرية إيمانية، لخير أمة أخرجت للناس بخاصتها وعامتها، في المنشأ والمصير.. والأخرى كفرية نفاقية، لشر الناس في المنشأ والمصير..

الأمر الأهم في هذه الدنيا.. هو ما بعد هذه الدنيا.. فالشأن كما قال العليم الخبير، الذي إليه المصير : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨).[سورة البينة]

ولعلم أعدائنا من الكفار والمنافقين، بمصيرهم المهين عند رب العالمين؛ فإنهم يجتهدون في تدميرنا او تكفيرنا، وخطاب الوحي يصرح بتلك الحقيقة المجردة الصارخة فيقول : ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)..[ النساء/ ٨٩ ].

اقرأ أيضاً:

التعليقات غير متاحة