تفاقمت أزمات أوروبا، ومن ذلك؛ صيف شديد الحرارة، وجفاف يجتاح أنهارها ومصادر المياه فيها..
الجفاف يهدد أكثر من نصف أوربا
فقد ذاع في عامة المواقع الإخبارية، وتسارع الناس لنقل أسوأ جفاف يمر بأوروبا منذ عقود طويلة، ويصل في بعض أجزاء أوروبا إلى مئات السنين، حتى وجد في بعض أنهارها التي انحسر ماؤها ما أطلق عليه: حجارة الجوع، وهي صخور في مجاري الأنهار تمت رؤيتها عندما أصبحت مستويات المياه منخفضة جدا..
وهذه الصخور وجد عليها نقوش تحمل رسائل كتبها بعض الناس في عصور سابقة تحكي عن جفاف شديد أصابهم، ويعود تاريخ أقدم نقش عثر عليه في حوض نهر “إلبه” إلى عام 1616م، وهو مكتوب باللغة الألمانية، وقد كتب فيه ما معناه: إذا رأيتموني فابكوا.
ومعناه فيما يظهر: تذكروا ما مر بمن قبلكم، وابكوا لأنكم سيصيبكم مثل ما أصابهم..
وتفيد الأخبار أن الجفاف يؤثر حاليا على أكثر من 60% من الأراضي الأوروبية وفقًا لمرصد الجفاف الأوروبي.. وشهدت الأنهار الرئيسية في ألمانيا وإنجلتًرا وإيطاليا انخفاضًا كبيرًا في مستوى مياهها.. وفي فرنسا أعلن أن أكثر من مائة بلدة فرنسية لم يعد لديها ماء للشرب..
ونقول وبالله التوفيق:
عاشت أوروبا قرونًا طويلة لا تفكر في موضوع الجفاف إطلاقا؛ فالأمطار متكاثرة والأنهار تجري طوال العام..
ولكن أوروبا اليوم تواجه كارثة حقيقية جعلت خبراء البيئة يقولون بحتمية التعايش مع وضع جديد يتناسب مع كميات أقل من الماء ودرجات حرارة متزايدة كل عام عما قبله..
الماء نعمة الله يصرِّفه وفق حكمته
وهم بالطبع يعزون كل ما يمر بهم بالظروف الطبيعية والمناخية التي تتغير في دورات زمنية محددة حسب النظريات المثبتة عندهم، دون أن يذكروا الله عز وجل خالق الأسباب الذي هو على كل شيء قدير، ولا يعلمون أن الأمر كله بيد الله عز وجل ؛ فالماء من نعم الله -التي لا تعد ولا تحصى- فهو سبب الحياة وسبب الرزق وعنه ينتج الزرع والضرع، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء:30]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ [غافر:13]، وقال تعالى: ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل:18].
﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ أي: لا تقدرون على ضبط عدِّها، فضلًا عن أن تشكروها.
حفظ النعم يكون بالإيمان والتوحيد
وإنما حفظ النعم يكون بالشكر؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم:7].
قال السعدي: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ أي: أعلم ووعد ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ من نعمي ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ ومن ذلك أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم.
والشكر: هو اعتًراف القلب بنعم الله والثناء على الله بها، وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك1[تيسير الكريم الرحمن صـ422]..
وقال تعالى -مذكرا الإنسان بنعمة الماء-: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الفرقان:48-50].
عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطرًا من عام، ولكن الله يصرفه بين خلقه؛ قال: ثم قرأ: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾2[رواه الطبري (19/280) وسنده صحيح]..
وروى أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود نحوه، وصححه الحاكم مرفوعًا على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، لكنْ رجح البيهقي والعقيلي وقفه على ابن مسعود.
وهذا الذي قاله ابن عباس وابن مسعود ثابت علميا اليوم، فالعلم الحديث يثبت أن كمية بخار الماء المتصاعدة من المحيطات الذي يتكثف في جو السماء وتكون منه السحب ومن ثم الأمطار هي كمية ثابتة سنويا لا تتغير، إلا أن الله عز وجل يصرِّفه وفق حكمته، ووفق أعمال العباد، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ﴾ قال ابن عباس: ولكن الله يصرفه بين خلقه ﴿لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ قال عكرمة: يعني الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا.
وقال ابن كثير: وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يومًا، على أثر سماء أصابتهم من الليل: «أتدرون ماذا قال ربكم» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذاك مؤمن بي، كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذاك كافر بي، مؤمن بالكوكب»3[تفسير ابن كثير(6/116) والحديث رواه مسلم(71)]..
أوروبا بلاد كفر، وهم غارقون في المعاصي وخصالهم سيئة، لكن فيهم خصالا يعتًرف بها أهل الإسلام -وهم أهل الإنصاف من بين سائر الأمم- فعن المستورد القرشي أنه قال -في حضور عمرو بن العاص-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعًا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك4[رواه مسلم(2898)]..
وفي رواية: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأجبر الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم.
قال النووي -عن لفظة أجبرٖ-: وفيٕ بعض النسخ أخبر بالخاء المعجمة، ولعل معناه أخبرهم بعلاجها والخروج منها5[شرح مسلم (18/23-24]..
وهذا هو واقع الأوربين؛ فتقدمهم في كافة العلوم المادية معلوم.. ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم:7]، وأما كون الساعة تقوم والروم أكثر الناس؛ لأن الساعة إنما تقوم على شرار الخلًق.
من العقوبة الإصابة بالقحط والجدب
وحياة البشر لا بقاء لها إلا بالماء، وقد أخبرنا الله عز وجل عن أمم عُوقبوا -على ما اقترًفوا منِ العصيان- بالقحط، ومن هؤلاء آل فرعون؛ قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف:130].
يقول الطبري: يقول تعالى ذكره: ولقد اختبرنا قوم فرعون وأتباِعه على ما هم عليه من الضلالة ﴿بِالسِّنِينَ﴾، يقول: بالجدوب سنة بعد سنة، والقحوط… ﴿ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ﴾، يقول: واختبرناهم مع الجدوب بذهاب ثمارهم وغلاتهم إلا القليل. ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ ، يقول: عظة لهم وتذكيرا لهم؛ لينزجروا عن ضلالتهم، ويفزعوا إلى ربهم بالتوبة6[جامع البيان للطًٓبًري (13/45)]..
القحط يصيب قريشا بسبب كفرهم وعنادهم
ومنهم قريش؛ قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل:112].
يقول السعدي: وهذه القرية هي مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحد، وتحترمها الجاهلية الجهلاء، حتى إن أحدهم يجد قاتل أبيه وأخيه فلا يهيجه مع شدة الحمية فيهم والنعرة العربية، فحصل لها من الأمن التام ما لم يحصل لسواها وكذلك الرزق الواسع.
كانت بلدة ليس فيها زرع ولا شجر، ولكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان، فجاءهم رسول منهم يعرفون أمانته وصدقه، يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور السيئة، فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم، فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه، وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن، وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾7[تيسير الكريم الرحمن صـ451]..
ورغم أن القحط الذي نزل بقريش كان بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لما استعصوا عليه، فإنه صلى الله عليه وسلم لما طلب منه أبو سفيان الدعاء ليكشف عنهم القحط دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم لرحمته وأملًا في إنقاذهم من نيران الكفر عن مسروق قال: قال عبد الله – يعني ابن مسعود – إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وقال ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ فإن رسُولَ اللِّهَ صَلى اللُّهَ عَليْهِ وَسَلمَ لما رَأى قـريشًا اسْتـعْصَوْا عَليْهِ فـقَالَ: «اللهُمَّ أعِنّيّ عَليْهمْ بسَبْعٍ كَسَبْعِ يوسُفَ». فأَخَذَتـهُمْ السنةُ حَتى حَصتْ كُل شَيْءٍ حَتى أكَلوا العظامَ وَالْجلودَ فـقَالَ أحَدُهُمْ : حَتى أكَلوا الْجلودَ وَالمَيْـتةَ ، وجَعَلَ يَخرجُ مِنْ الْأرْضِ كَهَيْـئةِ الدُّخَانِ فأتَاهُ أبو سُفْيانَ فـقَالَ: أيْ محمد إن قـوْمَكَ قدْ هلَكُوا فادعُ اللَّهَ أنْ يَكْشِفَ عَنْـهُمْ. فدَعَا… الحديث8[رواه البخاري 4828 ومسلم 2798 واللفظ للبخاري]..
نصيحة لأوروبا وغيرها من البلاد
إن الله عز وجل هو الذي يعيد لكم الماء؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ [تبارك:30].
وقال عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف:96].
رغد العيش في إقامة الدين
ولو أرادت أوربا – وغيرها – رغد العيش حقا فلتقم كتاب الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى عن أهل الكتاب: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ [المائدة:66].
وما أنزل إليهم من ربهم هو القرآن العظيم؛ قال ابن كثير: … ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ﴾ أي: من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء الُمتقدمين حق إقامته، آمن بما أرسلتك به يا محمد، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ الآية. وقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾، أي: إذا أقمتموها حق الإقامة، وآمنتم بها حَق الإيمان، وصَدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونـعْته وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ﴾ الآية. وقال تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا﴾، أي: إن كان ما وعدنا به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم لواقعًا9[تفسير اِلقرآن العظيم (1/404)]..
الاستقامة على دين الإسلام
سبب لنزول الغيث الوفير؛ قال عز وجل في أهل مكة: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ [الجن:16].
أسلموا تسلموا؛ في الدنيا من الآفات والمواجع، وإن أصابكم شيء من ذلك كان تكفيرًا لكم ورفعة. وفي الآخرة من النار، وتدخلون الجنة..
المستقبل لهذا الدين وأهله
ولا تظنوا أن حال المسلمين اليوم هو المقياس الذي يُقاس به؛ فالمسلمون كسائر الأمم ليس لهم النصر والتفوق الدائم -وإن كانت العاقبة لهم- وإلا لاتبعهم الناس جميعًا، وفي الصحيحين أن هرقل -وهو من كبراء وملوك أوروبا- سأل أبا سفيان قبل أن يُسلم عن قتالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالَ: فَكَيْفَ كَانَ قتالُكُمْ إياهُ؟ قال أبو سفيان: الْحَربُ بـيْـنـنا وَبـيْـنهُ سِجَالٌ يـنالُ مِنا وَنـنالُ مِنْهُ .
وفي رواية قال: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه.
قال هِرقل -وكان راجح العقل ذو خبرة واسعة-: سَألْتكَ كَيْفَ كَانَ قتالُكُمْ إياهُ فـزعَمْتَ أن الْحربَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ ، فَكَذَلكَ الرسُلُ تـبْـتـلى ثُم تَكُونُ لَهمْ العَاقبَةُ .
فالعاقبة يقينًا لمن يطيع الله عز وجل ويلتزم بأوامره وينتهي عن نواهيه..
حفظ الله لهذه الأمة من الهلاك العام
ومن رحمة الله تعالى بأمة الإسلام أن الله عز وجل لا يهلكها هلاكًا عاما بالقحط، استجابة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «… وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة… وإنَّ ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يُرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة…»10[رواه مسلم (2889)]..
وإن كان القحط الجزئي قد ينالهم عقوبة أو ابتلاء كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة:155-157].
وقال تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء:123] وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الروم:9].
فقوله: ﴿أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أي: في الصناعات والنظم وغيرها. ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ أي: للزراعة وغيرها.
أرض العرب تعود مروجا وأنهارا
وها هي نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم بعودة أرض العرب مروجًا وأنهارًا تظهر بوادرها؛ فعن أِبي هُريـرةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يكْثُرَ المَالُ وَيفِيضَ حَتَّى يخرجَ الرجُلُ بزَكاةِ مَالهِ فلاَ يِجدُ أحَدًا يَقْبَلهَا مِنْهُ . وَحَتَّى تَعودَ أرضُ العرب مروجًا وأنهارا»11[رواه مسلم (157)]. .
والمروج هي الحدائق والمزارع ومراعي الدواب.
وها هي السيول تنهمر على جزيرة العرب وتحدث تحولات كبيرة واعدة، وهذه السيول تزداد كل عام، ولله الحمد والمنة.
اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
الهوامش
- [تيسير الكريم الرحمن صـ422].
- [رواه الطبري (19/280) وسنده صحيح].
- [تفسير ابن كثير(6/116) والحديث رواه مسلم(71)].
- [رواه مسلم(2898)].
- [شرح مسلم (18/23-24].
- [جامع البيان للطًٓبًري (13/45)].
- [تيسير الكريم الرحمن صـ451].
- [رواه البخاري 4828 ومسلم 2798 واللفظ للبخاري].
- [تفسير اِلقرآن العظيم (1/404)].
- [رواه مسلم (2889)].
- [رواه مسلم (157)].
اقرأ أيضا
نعمة الله الخفية في حصول المصائب