تمكن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحاسوب من محاكاة الذكاء والقدرات الذهنية البشرية في بعض المهام، ويمكنه -بشكل متكرر- تحسين وتطوير نفسه استنادًا إلى المعلومات التي يجمعها.
خصائص الذكاء الاصطناعي
ومن أهم هذه الخصائص: القدرة على التعلم والحركة والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع متغيرة لم تُبرمج في الآلة..
فمن الممكن أن تكون الآلات مؤهلة -بواسطة الذكاء الاصطناعي- للتحدث بعدة لغات، والترجمة الفورية من لغة إلى لغة، وحل مسائل الرياضيات والفيزياء والكيمياء -وغيرها- مهما كانت صعوبتها… وغير ذلك الكثير والكثير.
ومن الممكن أيضًا أن تحاكي اللهجات المختلفة، وتحاكي أصوات أشخاص بأعينهم.
التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي
وقد كثرت التساؤلات عن تأثير الذكاء الاصطناعي والروبوتات على العمالة البشرية، والمهن التي من الـمُتوقع أن تتلاشى أو تتأثر تأثرًا بالغًا؛ حتى قيل إن 85 % من العنصر البشري والعمالة يمكن أن يُستغنى عنها؛ فالآلات تستطيع أن تحفظ كل فروع الطب -مثلًا- وتزود بكاميرات وأدوات استشعار لتكون بذلك مهيأة لكافة مهام الأطباء، وبكفاءة تفوق أيَّ طبيب ممتاز، وبذلك سيرغب الناس بالذهاب للطبيب الروبوت، وتتوقف مهنة الطب عند كافة البشر شيئًا فشيئًا.
الذكاء الاصطناعي وتسهيل عمل الباحثين والدعاة
إن قدرة الذكاء الاصطناعي على حشد وفرز كل ما يوجد في النت من المعلومات وترتيبها وتقديم بحوث في ذلك وإجابات دقيقة عن الأسئلة الموجهة له يجعل عمل الباحثين -بل والعلماء والدعاة- سهلًا ومُيسَّرًا.. وسيصبح من السهل على الباحثين والدعاة وغيرهم معرفة الواقع والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومعرفة توجه الشباب الثقافي في منطقة ما -مثلًا-..
خطورة بناء تقنيات وأنظمة ذكاء اصطناعي تدميرية
وبغض النظر عن الفوائد والخير الذي يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي إلا أنه ينبغي التنبه إلى أخطاره وشروره.
فمن خطورة الذكاء الاصطناعي: إمكانية صناعة جنود وعسكر من الروبوتات ذات الإمكانيات العالية في التصويب والحركة، وذلك بالطبع لن يتوفر بسهولة إلا للدول الكبرى والغنية التي ستستعبد الشعوب -كعادتها- وتستولي على خيراتهم بجيوش من تلك الروبوتات التي ستعيث فسادًا، وتسفك المزيد من الدماء، وتُرهب الناس ليستسلموا لرغبات تلك الدول..
وقد رأينا اليوم أثر المسيرات الفاعل في الحرب الروسية الأوكرانية..
خطورة الذكاء الاصطناعي على الفتوى والدعوة
والأخطر من ذلك أن تُستفتى الروبوتات، وتُعتمد فتاواها بدلًا من الذكاء الحقيقي وفتاوى أهل العلم والمتخصصين.
وخطورة هذا الأمر تكمن في تلقين الروبوتات من الفقه -مثلًا- ما ترغب به دول الكفر والفساد بحسب أهوائها.. وسنجد حينها من علماء السوء من يُنَظِّر لمشروعية متابعة فتاوى الروبوتات بدعوى حفظها المتقن، وحلها للمسائل العويصة في غمضة عين ونحو ذلك.
الذكاء الاصطناعي والتزوير العميق
ومن خطورته أيضًا أن نجد تسجيلات تحاكي أصوات شيوخ قد ماتوا -أو غُيِّبوا- لخديعة الناس بفتاوى تصب في مصلحة الفساد وأهله، وتعمل على هدم قواعد الإسلام.
ومن خطورته أنه يمكن التدليس به وأكل حقوق الناس وأموالهم واستحلال الفروج وغير ذلك بتسجيل أصوات وتزوير تواقيع متقنة كالأصل تمامًا.
خطورة الذكاء الاصطناعي على اختراق الخصوصية
ومن خطورته أنه يمكن أن يُكوِّن معرفة وتصوُّرًا عن طبيعة الأشخاص الذين يتعاملون معه في أفكارهم ونظرتهم للأشياء، وهذا قد يكون خطيرًا للذين يحرصون على الخصوصية، فمثلًا هناك تطبيق الفيس بوك للزواج، 80 % من الزيجات التي تتم عبره تنجح؛ لأنه يعرف كل عادات الطرفين، ويعرف تمامًا ماذا يفعلون ويحدد نمط سلوكهم ومدى عصبيتهم وغَيرتهم وكذبهم.. كل هذا من خلال رصد كل تفاعلاتهم على النت من كتابة تغريدة إلى شراء بيتزا رخيصة يوم الجمعة إلى نوع الهدية التي يشتريها لأمه في العيد وقيمتها.. وغير ذلك، ثم لديه برامج فرز وتقويم من خلالها يصل لأحكام دقيقة جدًّا.
وقد أخبرنا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن شيء يحتمل أن يكون من ذلك، وهو أنه سيكون قبل قيام الساعة تكلم بعض الجمادات وإخبارها بما حدث؛ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تُكلِّمَ السباعُ الإنسَ، وحتى تُكلِّمَ الرجلَ عذبةُ سوطه، وشراكُ نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده»(1).
ومن المحتمل أن تكون هذه من التقنيات الحديثة المذكورة -وإن كان الأصل حمل النصوص الشرعية على ظاهرها إلا لدليل أو قرينة-، ومعلوم أنه يمكن وضع شرائح وكاميرات دقيقة وتقنيات مختلفة في أي شيء كان؛ جمادًا، أو كائنًا حيًّا، أو حتى في جسم الإنسان نفسه.
دور العلماء في التصدي لخطورة الذكاء الاصطناعي
وكلما زاد انتشار الذكاء الاصطناعي فإنه يستوجب حذرًا وحيطة من كافة الناس لاحتمالات الغش والخديعة.
وبالتالي فإن على العلماء التشديد في فتاواهم على لزوم كل ما ينفي التدليس والتلبيس على الناس في معاملاتهم؛ فمن ذلك مثلًا: منع عقود البيع والشراء وعقود النكاح وإيقاع الطلاق بواسطة الاتصال ونحوه، وتقييد ذلك بلزوم الحضور أو اعتماد التوكيل الشرعي أو اتخاذ تدابير كافية لمنع التزوير والغش؛ فتقنيات الذكاء الاصطناعي -كما ذكرنا- تتيح تقليد الأصوات والتوقيعات -ونحوها- تقليدًا لا يمكن اكتشافه لأفراد الناس غير المتخصصين.
حفظ الله تعالى المسلمين من كافة الشرور.
الهوامش
(1) [رواه الترمذي (2181) وقال: وهذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني].
اقرأ أيضا
قراءة في تخلف العالم العربي في العصر الحديث (1-2) مظاهر التخلف
بين الحضارة النيّرة والحضارة ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ المظلمة .. مختارات من “المسلمون والحضارة الغربية” (9)