إن التأمل فيما تم الاتفاق عليه في صلح الحديبية، يبين لنا مقدار حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم استجابته للاستفزاز، أو الوقوف عند أمر فيه سعة مع أنه يحقق، للمسلمين مكاسب باهرة، وهذا من باب النظر في المصلحتين والسعي لتحصيل أعلاهما، ولذلك جاءت النتيجة بتسمية الله لهذا الصلح فتحا…
الحكمة كما عرفها بعض العلماء
هناك عدة تعريفات للحكمة:
1- قيل: هي وضع الشيء في موضعه1(1) معجم لغة الفقهاء ص 184، والحكمة في الدعوة إلى الله ص 29..
2- وقال ابن القيم: وأحسن ما قيل في الحكمة قول مجاهد ومالك، إنها: معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شرائع الإسلام، وحقائق الإيمان2(2) التفسير القيم ص 226..
3- وقال رشيد رضا: الحكمة: العلم الصحيح، الذي يبعث الإرادة إلى العمل النافع الذي هو الخير3(3) المنار 3 / 77..
4- قال الرازي: حكم الحكمة والعقل، هو الحكم الصادق المبرأ من الزيغ والخلل، وحكم الحسن والشهوة والنفس توقع الإنسان في البلاء والمحنة4(4) تفسير الرازي 7 / 67..
أمثلة من الحكمة في القرآن الكريم
مظاهر الحكمة في قصة أصحاب الكهف
وتظهر الحكمة في قصتهم بما يلي:
1- أن هدايتهم إلى دين الله، وعدم تقليد قومهم على ما هم عليه هو عين الحكمة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
2- اعتزالهم لقومهم، بعد أن أدركوا أنه لا ينفع معهم نصح ولا دعوة، وهذه هي العزلة المشروعة، وبخاصة عند وقوع الفتن أو الخشية منها، وهذا مصداق الحديث الصحيح: «يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن» .
3- صمودهم على الحق عند مواجهتهم للباطل.
4- العزلة الثانية، وهي عزلة سرية، لأن العزلة الأولى كانت عزلة دون تخف، حيث علم بهم قومهم، وعلموا ما هم عليه.
أما هذه العزلة، فكانت عزلة سرية، لا يعلم مكانهم، لما قد يترتب على ذلك من مفاسد. {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} (الكهف: 20) .
وكأنهم يشيرون إلى العزلة الأولى، ثم الفرصة التي أعطيت لهم، حيث علموا أن الفرصة لن تتكرر.
5- حكمتهم في قضاء حوائجهم، {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف:19] .
إن هذه القصة، قصة عجيبة، فيها الحكمة، والعبرة، وبيان منهج الدعوة، وحسن استخدام الوسائل، وتقدير المصالح والمفاسد، ومعرفة ما آلت إليه الأمور، إلى غير ذلك من الدروس والعبر.
مواطن الحكمة في قصة سليمان وملكة سبأ
إن إبراز مواطن الحكمة في هذه القصة تبرز من خلال ما يلي:
1- العدل.
2- التثبت.
3- بُعدُ الرؤية، وسعة الأفق.
4- إتقان قاعدة المصالح والمفاسد.
5- القوة بدون عنف، واللين بدون ضعف.
6- أداء المسئولية على وجهها.
7- الشورى.
8- نسبة الفضل لأهله.
9- التنبه والحذر من الاستدراج.
10- القوة في اتخاذ القرار في الوقت المناسب.
أهم الدروس التي يخرج بها الداعية من قصة لقمان
(أ) حسن الأسلوب، واختيار أفضل الكلمات للوصول إلى قلوب المدعوين.
(ب) التركيز على الأصول من التوحيد وغيره، مع عدم الإخلال بالفروع.
(جـ) الإيجاز مع التركيز والشمول.
(د) أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليس بالأمر الهين واليسير، ولذا يخشى على صاحبه من المزالق، ويستطيع الداعية أن يتخلص من ذلك بالصبر، والتواضع، والتزام منهج الوسطية في أموره كلها.
أمثلة من الحكمة في السنة النبوية
تجري الحكمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كالماء الزلال، وأفعاله صلى الله عليه وسلم كلها عين الحكمة، فهو المعصوم من الزلل والخطأ.
وسأختار بعض الأمثلة، لبيان الحكمة في السنة، مكتفيا من القلادة بما أحاط بالعنق:
1- فنجد حكمته صلى الله عليه وسلم في حسن تعامله مع أصحابه ومراعاته لأحوالهم، وهذا أكثر من أن يحصى، وأشهر من أن يؤتى له بمثال.
2- إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم للسائلين، حيث قد يبدو الخلاف والتعارض -أحيانا- بينها، بينما هي من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، وذلك لحكمة عظيمة، وهي مراعاة حال السائلين، ولنأخذ هذا المثال:
(أ) ” سأل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: «يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: “الصلاة على ميقاتها”، قلت: ثم أي؟ قال: “بر الوالدين”، قلت: ثم أي؟ قال: “الجهاد في سبيل الله”، فسكت عن رسول الله، ولو استزدته لزادني»5(5) رواه البخاري (2782) ..
(ب) وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور»6(6) رواه البخاري (2784) ..
(جـ) وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه ” أن رجلا قال: «يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: “لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله»7(7) أحمد (4 / 194) ، صحيح الترمذي للألباني (3 / 139) وانظر: الحكمة في الدعوة إلى الله ص 47. .
فقه النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة النفوس
إلى غير ذلك من الأحاديث التي سأل أصحابها عن أفضل العمل، فاختلفت إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مراعاة لحال السائلين، وإدراكا منه صلى الله عليه وسلم أن ما يستطيعه هذا قد لا يستطيعه ذاك، إلى غير ذلك من الأسباب التي يراعى فيها حال الفرد وحاجة الأمة وقواعد الشرع.
ولو أن الدعاة استطاعوا أن يكلفوا كل إنسان بما يحسنه8(8) عدا الواجبات وفروض العين. ويبتعد عما لا يستطيع، لحققت الأمة اكتفاء ذاتيا في أغلب مجالاتها.
ولكن واقع أغلب الناس، كما قال الشاعر:
ومكلف الأشياء ضدّ طباعها … متطلب في الماء جذوة نار
حكمته صلى الله عليه وسلم في التربية، ورفقه في إصلاح الأخطاء
3- وانظر إلى هذا الأسلوب الحكيم من لدنه صلى الله عليه وسلم لمعالجة قضية مهمة تحتاج إلى الحكمة، وبعد النظر.
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: «إن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله!! -جعلني الله فداك- قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله!! يا رسول الله -جعلني الله فداك- قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله!! -جعلني الله فداك- قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله!! -جعلني الله فداك- قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله!! -جعلني الله فداك-، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء»9(9) مسند الإمام أحمد 5 / 256، وقد صححه الألباني..
أرأيتم مثل هذا الأسلوب، كيف جاء هذا الشاب وقد هاجت شهوته، ورغب في الحرام، وعاد عفيفا محصنا بعيدا عن الشهوة والشبهة.
صلح الحديبية وعدم استجابته صلى الله عليه وسلم للاستفزاز
4- ولعل من أهم الأمثلة في هذا المجال، قصة الحديبية، وما وقع فيها من أحداث كانت تقتضي الحكمة في أسمى معانيها، وإلا لحدثت أمور لا تحمد عقباها.
ويصعب التفصيل في ذلك، حيث لا يتسع المجال له ولكن سأقتصر على قضية واحدة لتكون لنا عبرة ونبراسا، وتلك القضية هي كتابة الصلح، ولنقرأ كما في صحيح البخاري، وفيه:
«فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: اكتب: باسمك اللهم. ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني، اكتب: محمد بن عبد الله … » الحديث10(10) صحيح البخاري 3 / 100.“.
إن التأمل في هذه الحادثة العظيمة، يبين لنا مقدار حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم استجابته للاستفزاز، أو الوقوف عند أمر فيه سعة مع أنه يحقق، للمسلمين مكاسب باهرة، وهذا من باب النظر في المصلحتين والسعي لتحصيل أعلاهما، ولذلك جاءت النتيجة بتسمية الله لهذا الصلح فتحا، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] .
وقادة الدعوة بحاجة إلى وعي هذه الدروس، وعدم الاستجابة لضغط القاعدة إذا كان خلاف الحق، أو أن هناك ما هو أولى مما يريده هؤلاء. {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269] .
الحكمة لا تقتضي التنازل دائما
ولئلا يتوهم متوهم أن الحكمة تقتضي التنازل دائما إذا كان الأمر في مصلحة الإسلام والمسلمين، كما هو واقع بعض العاملين للإسلام، والمتحمسين للدعوة، ممن ينقصهم العلم الشرعي، وهذا خلل في المنهج، وخطأ في التصرف، وبخاصة أن هؤلاء يحتجون دائما بقصة الحديبية، عند كل تنازل يقدمونه.
من أجل هذا أبين أن هناك قضايا لا تقبل التنازل أبدا، وهذه هي الحكمة، وهذا كثير جدا في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل الخلفاء الراشدين، ومن ذلك سبب نزول سورة (الكافرون) {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون: 1، 2] .
وكذلك قصة قريش مع رسول الله، عندما طلبوا أن يخصص لهم مجلسا دون الضعفة من المسلمين، فنزل قوله -تعالى-: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52] . وقوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
وكذلك عندما جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام، اشترطوا أن يدع لهم اللات ثلاث سنين -لا يهدمها- فأبى رسول الله -صلى اله عليه وسلم- ذلك، حتى إنهم تنازلوا شيئا فشيئا إلى أن طلبوا إمهال هدمها شهرا واحدا، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكنهم عندما طلبوا ألا يكسروا أوثانهم بأيديهم، وافقهم على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للفرق بين الطلبين، وهنا يتميز الحكيم عن غيره، وهو الذي يتنازل عن الكل أو يرفض الكل مع الفرق بينهما11(11) انظر: سيرة ابن هشام 4 / 197 وتخريج العلماء للأثر في كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله ص 74 وقد ضعفه الألباني في فقه السيرة وحسنه غيره..
أما أبو بكر وقصته في حرب الردة، وعدم تنازله عن شعيرة من شعائر الإسلام، وقوله كلمته الخالدة: ” والله لو منعوني عناقا -أو عقالا- كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها”.
وحيث يبين أنه سيسوي بين من ترك الصلاة، ومنع الزكاة، ولن يقبل التفريق بينهما، والقصة مفصلة في كتب الحديث والسيرة .
وهذه هي الحكمة هذا ما شهد به عمر -الفاروق- حيث كان مخالفا لأبي بكر في أول الأمر، ثم عرف أنه الحق لما شرح الله صدر أبي بكر وثبت عليه.
كيف واجه رسول الله حركة النفاق
5- أما أعظم أمر رأيت الحكمة متمثلة فيه من خلال منهج القرآن الكريم، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو معالجة قضية المنافقين، وهو العلاج الذي استمر منذ هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وحتى غزوة تبوك، بل إلى وفاته صلى الله عليه وسلم.
وكما شغل حيزا كبيرا من وقته صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقد نزلت فيها آيات كثيرة جدا في كتاب الله، حتى نزلت سورة كاملة في هذا الموضوع.
وقد اتسم علاج هذه المشكلة بعدة سمات، من أبرزها:
1- طول المدة، وهي ما بين هجرته إلى قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على الصبر العظيم، الذي تحلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعالج هذه المشكلة العويصة بتؤدة وروية.
2- الآيات الكثيرة التي نزلت في القضية، حيث لا يقاربها قضية أخرى إلا قضية الشرك والمشركين، وقضية أهل الكتاب. والله -سبحانه- قادر على حسمها في آية واحدة، ولكن القرآن جاء ليرسم منهجا للبشر فيه صفة الشمول والديمومة، لأنه دين عالمي.
3- الحرص على وحدة الصف، مع عدم السكوت عن الباطل، وإقراره، وهذه مسألة يغفل عنها كثير من الدعاة، وقد تحقق الأمران، فبقي الصف المسلم موحدا، وتم القضاء على فتنة المنافقين بأساليب عدة.
4- أخذ الناس بظواهرهم، وترك سرائرهم إلى الله، وهو منهج فريد تميز به الإسلام عن سائر النظم والأديان، ومع أن المنافقين أشد كفرا من المشركين فلم يؤاخذوا إلا بما ظهر منهم، مع علم الرسول صلى الله عليه وسلم بما هم عليه من النفاق والكفر.
ولكن القضية قضية منهج، وليست قضية أفراد يتم القضاء عليهم، ثم ينتهي الأمر، لأن المسألة أعمق من ذلك وأبعد، فجاء العلاج متوازيا مع حجم المشكلة وأبعادها وآثارها.
5- المحافظة على هيبة المجتمع المسلم في نظر الأعداء والخصوم، «لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»12(12) رواه البخاري 4 / 160. وبخاصة مع كثرة الأعداء، واستغلالهم لكل فرصة تسنح لهم داخل الصف.
6- تركيز القرآن على الصفات وعدم ذكر الأفراد، حيث لم يرد في القرآن اسم منافق واحد.
وهذا المنهج حقق آثارا إيجابية ضخمة، وكان كفيلا بالقضاء على هذه الحركة مع تجاوز السلبيات المتوقعة، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية المطاف ردا على عمر -الفاروق- الذي طالما طالب بقتل المنافقين حمية لدين الله: «أين عمر؟ لو قتلنا هؤلاء يوم طلب عمر لأرعدت لهم أنوف تريد اليوم قتلهم»13(13) انظر: تفسير الطبري 28 / 76، وسيرة ابن هشام 3 / 327. . وهذا المنهج هو الذي أدى إلى قتلهم معنويا، دون الحاجة إلى قتل أي فرد منهم حسيا.
وهذه -والله- هي الحكمة في أسمى معانيها.
إننا اليوم بأمس الحاجة إلى دراسة منهج مواجهة حركة النفاق في الصدر الأول، ومن ذلك دراسة الآيات التي نزلت في هذه القضية، وبخاصة في سور (البقرة -التوبة -الأحزاب -المنافقون) .
وبهذا نستطيع أن نحقق ما يلي:
1- معرفة الوسائل الموصلة إلى الكشف عن هوية المنافقين في مجتمعنا، ومدى تأثيرهم في المجتمع.
2- رسم منهج شرعي لمواجهة هذه الحركة، وأسلوب التعامل معها.
3- شل فاعليتها، ثم القضاء عليها دون إحداث فتن داخل الصف المسلم.
ولن يتحقق هذا الأمر إلا بالالتزام بالحكمة التي رأينا بعض مظاهرها، وسماتها في منهج القرآن، والسنة، عند معالجة هذه القضية الكبرى.
الهوامش
(1) معجم لغة الفقهاء ص 184، والحكمة في الدعوة إلى الله ص 29.
(2) التفسير القيم ص 226.
(3) المنار 3 / 77.
(4) تفسير الرازي 7 / 67.
(5) رواه البخاري (2782) .
(6) رواه البخاري (2784) .
(7) أحمد (4 / 194) ، صحيح الترمذي للألباني (3 / 139) وانظر: الحكمة في الدعوة إلى الله ص 47.
(8) عدا الواجبات وفروض العين.
(9) مسند الإمام أحمد 5 / 256، وقد صححه الألباني.
(10) صحيح البخاري 3 / 100.
(11) انظر: سيرة ابن هشام 4 / 197 وتخريج العلماء للأثر في كتاب الحكمة في الدعوة إلى الله ص 74 وقد ضعفه الألباني في فقه السيرة وحسنه غيره.
(12) رواه البخاري 4 / 160.
(13) انظر: تفسير الطبري 28 / 76، وسيرة ابن هشام 3 / 327.
المصدر
كتاب: “الحكمة” ناصر بن سليمان العمر، ص19-35 بتصرف يسير.