إن ضد الرضا هو: المنافاة، والمعارضة، والاعتراض، والمدافعة، والمنازعة، والممانعة، فمن الناس من يعترض على ما أنزله الله، أو جاء به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنهم من يعترض على صفات الله وأسمائه الحسنى، ومنهم من يعترض على بعض الغيبيات وحجتهم في ذلك كلام الفلاسفة والملحدين.
أنواع الاعتراض على ما جاء من عند الله، والتي تقدح في الرضا:
الاعتراض على توحيد الله وأسمائه وصفاته
أعظم أنواع الاعتراض: الاعتراض على الله تعالى في دينه، وفيما أنزل من الدين، ووصى به جميع الأنبياء والمرسلين، وبعث به هؤلاء أجمعين، وفرضه على خلقه كافة من توحيده عز وجل ومعرفته بأسمائه وصفاته، ولذلك ظهر في هذه الأمة -مع الأسف الشديد- من يعترض على ما أنزل الله تعالى في أصل الدين، فظهر فيها من يعترضون على أسماء الله وصفاته، وهو الذي له صفات الكمال، ونعوت الجمال، وله الأسماء الحسنى عز وجل وله المثل الأعلى في السماوات والأرض، وما من صفات كمال إلا وهي له، فأي صفة كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه فالله تبارك وتعالى له فيها الكمال المطلق.
ثم جاء المعترضون على هذا فنفوا صفات الله عز وجل واعترضوا عليها، وأوَّلوا كلامه، وردوا ما جاء عن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا يمس أصل الدين وأصل الإيمان، فبعضهم أنكر أسماء الله وصفاته كلها، كـالجهمية ، والمتفلسفة ، والباطنية وأمثالهم ممن انحرفوا عن الصراط المستقيم، فهؤلاء لا خير فيهم مطلقاً، ولهذا أخرجهم كثير من العلماء عن فرق الأمة وطوائفها مطلقاً- نعوذ بالله من الضلالة – لأنهم لا يؤمنون حقيقة ًبالله عز وجل لأننا لا نعرف الله عز وجل إلا بأسمائه، وصفاته، فإذا كنا لا نعرف من نعبد، فكيف نعبده تبارك وتعالى؟!
فخلاصة القول: أن نؤمن بما ذكر وبما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن كل ذلك حق، ولا نفرق بين شيء منه، فنؤمن بعلوه، ونؤمن بنزوله عز وجل في الثلث الأخير من الليل، ونؤمن بأنه تبارك وتعالى يأتي ويجيء يوم القيامة لفصل الحساب، ونؤمن بأنه يكلم ويخاطب من شاء، متى شاء وكيفما شاء، إلى آخر هذه الأسماء والصفات لله تبارك وتعالى، فأولئك الذين سبق ذكرهم هم النوع الأول من الذين اعترضوا في أصل الدين.
الاعتراض على أمر الله الشرعي
هناك نوع آخر جاء اعتراضهم من باب آخر، ولا سيما في زماننا هذا، وهم الذين اعترضوا على الشرع، وعلى ما قضى الله تبارك وتعالى به قضاءً شرعياً، وعلى أحكام الله التي جعلها لعباده من الحل، والحرمة، والوجوب، والتحريم، والندب، وغير ذلك، مما يشمل أحوال الناس، ومعاملاتهم وشئونهم في هذه الحياة الدنيا.
فجاء هؤلاء القوم واعترضوا على هذه الأحكام وعلى هذه الشريعة بالقوانين الوضعية، وربما اعترضوا عليها بالآراء والعادات الجاهلية -كحال أهل البوادي وأمثالها- فحكموا الطواغيت أو ما أشبه ذلك، فكل هذا اعتراض على شرع الله، وحكمه الشرعي الديني، وهذا خطير جداً، وهو يدخل أيضاً في الاعتراض أو يلحق بالاعتراض على أصل معرفة الله، ويلحق به ويليه بالدرجة من جهة أنه كفر بالله تبارك وتعالى.
الاعتراض على حد الزنا
كمن يعترض على ما شرع الله عز وجل في حد الزنا -وهو الرجم للزاني إن كان محصناً، أو الجلد إن كان غير ذلك، بشروطه المعروفة -فيلغي ذلك، وينسخه، ويجعل مكان الجلد التحميم، كما فعل اليهود، أو يلغي الجلد أيضاً، ويجعل مكان ذلك كله الحبس أو الغرامة، كما في القوانين الوضعية التي تحكم أكثر العالم الإسلامي اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الاعتراض على تحريم الربا
ويعترضون على حكم الله تبارك وتعالى الذي قال فيه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة:275]، فيجعلون الربا حلالاً، ويستحلونه ويضعون له الأحكام الطويلة، ويشرعون كيفية إباحته، فيحددون نسبته وآجالاً معينة لها، ويجعلون له ألواناً وأشكالاً من الأخذ والعطاء، والدفع، والاحتيال، بل والاستحلال لدين الله تبارك وتعالى وتقوم على هذه التشريعات الوضعية المنافية لكتاب الله وسنة رسوله صروح وأعمدة للاقتصاد الوطني أو العالمي كما هو ملاحظ الآن.
فهذا -أيضاً- اعتراض على الله تبارك وتعالى فيما شرع من أحكام، ولا يشك عاقل أن الربا من أخطر ما يرتكب من الذنوب، كما بين ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (الربا سبعون باباً أيسرها كأن ينكح الرجل أمه)، وفي الحديث الآخر: (درهم رباً أشد من ست وثلاثين زنية)، والعياذ بالله، والله تبارك وتعالى قد تأذن عليهم بالحرب: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:279]، فالمقصود أن من أحله، وشرَّع تحليله، فهو معترض على الله تعالى في ذلك.
وأسوأ منه الذي يجاهر ويقول: الذي شرعه الله لا يصلح أن يكون للحياة الحديثة، أو للاقتصاد الحديث، أو إننا في هذه الأيام لا بد أن نأخذ بالتشريعات المنافية، والمخالفة لما جاء في القرآن، فهذا -والعياذ بالله- معترض على الله تبارك وتعالى اعتراضاً واضحاً بيناً جلياً، فلا حظَّ له في الإيمان وليس داخلاً في الذين ذكرنا درجاتهم، لأنه كما ذكر الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء:65].
فهذا لم يحكِّم أصلاً، فضلاً عن نفي الحرج، أو التسليم، ولذلك فهو غير مؤمن -نسأل الله العفو والعافية- ويقاس على ذلك أشياء كثيرة، كحد السرقة مثلاً، وحد الردة وغير ذلك.
الاعتراض على إخبار الله عما في الكون
هناك نوع آخر من أنواع الاعتراض، وهو أيضاً يقدح في الإيمان وفي أصل الدين والإيمان، وهو مناف للرضا أيما منافاة! وهو الاعتراض على أخباره، أو أوامره بما وضعه البشر من أهواء، أو أفكار، أو نظريات قديمة، أو حديثه.
الاعتراض على خلق الإنسان بنظرية التطور
أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه خلقنا نحن جميعاً من نفس واحدة، وجعل منها زوجها، والنفس الواحدة هي آدم، وخلق منها زوجها هي حواء، ثم جعل السلالة البشرية بعد ذلك تتناسل من هذين، فكل من تراه على وجه الأرض، أو من عاش فوقها من البشر، فهم من بني آدم، وأبوهم آدم، وبين الله كيفية الخلق ومم هو في أكثر من آية، فهذا أمر قطعي، يقرؤه كل مؤمن ويجده واضحاً في كتاب الله.
ثم يأتي قائل -كما هو مشهور الآن في العالم، ويدرس ويلقن أبناءنا وبناتنا- فيقول: ”لا. هؤلاء البشر الذين تراهم، على اختلاف أعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، هم منحدرون من سلالة حيوانية” وهذه هي نظرية التطور، وهي تقول: إن الأصل القديم حيوان تطور، فأصبح قرداً، وهناك حلقة مفقودة بين القرد وبين الإنسان ثم جاء الإنسان، فعلى هذا فلا يكون هناك آدم، ولا نفس واحدة، ولا خلق الله تبارك وتعالى العالم كما أخبرنا، وكما جاء في القرآن، وإنما يريدون منا أن نؤمن وأن نعتقد ما يعتقدون، ونحن نقول: إن الإيمان بها كفر يخرج صاحبه من الملة، ومن أقرَّها أو قررها أو درسها فقد اعترض على ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الاعتراض على الفطرة بنظريات تربوية حديثة
وهناك مثال آخر: فنحن نعلم أن الله عز وجل خلق كل إنسان منا في هذا الوجود على الفطرة القويمة (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:30]، وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كل مولود يولد على الفطرة) فنؤمن أن كل مولود يولد على الفطرة، التي هي (على الملة)، كما بينتها الرواية الأخرى، فكل مولود يولد في الهند ، أو في اليابان ، أو في إفريقيا ، أو في مكة ، أو في غيرها يولد على ملة الإسلام، وعلى الدين القويم، ولكن الفطرة تتغير بالتربية كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
فجاءت النظريات التربوية والنفسية الحديثة -كما يسمونها- تنافي ذلك كله وتقول: إن الإنسان يولد كل بحسب رأيه.
فمثلاً: نظرية فرويد اليهودي الخبيث، تجعل الإنسان كائناً جنسياً، أو أنه ما ولد ليتدين وإنما كل حركة من حركاته فهي بدافع الرغبة، والشهوة الجنسية، وهذا كلام بمنتهى القذارة، ولكنه ليس بغريب من يهودي خبيث يريد أن يهدم أخلاق البشر جميعاً، والأغرب منه أن يأتي أبناء المسلمين، فيقررون هذا الكلام في مناهجهم التعليمية التي يتلقاها الأبناء، دون أن يذكر أن هذا كفر، وضلال.
وتأتي النظريات الأخرى، كالنظريات التربوية الاستراتيجية، والنظريات الرأسمالية، ونظريات كثيرة، كل نظرية تفسر رغبات الإنسان، وميوله، منذ ولادته بما ترى، فمثلاً النظرية السلوكية في أمريكا وحدها تنقسم إلى أكثر من عشرين مدرسة نفسية، كل منها لها نظرية عن هذا المخلوق العجيب، ثم تأتي هذه النظريات وتقرر باسم علم النفس، وباسم علم الاجتماع، وما أشبه ذلك من العلوم ولا ينظر في هذه العلوم إلى ما جاء عن الله وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الاعتراض بنظريات مخالفة لما جاء في كتاب الله عن الكون
أما في النظريات الكونية فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا عن هذا الكون بما يكفينا لمعرفته سبحانه، لا لنعرف تفصيلات هذا الكون، ولنعلم أن له رباً، خالقاً، حكيماً، مدبراً تبارك وتعالى، فإذا جاءوا وأخبرونا بخلاف ذلك، كأن يقولوا: إن السماء فضاء لا نهاية له، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا أنها سبعاً طباقاً، والنبي في ليلة الإسراء والمعراج يستأذن هو وجبريل في الأولى، ثم في الثانية، والثالثة.. إلى السابعة، وأخبرنا من لقي في الأولى، ومن لقي في الثانية، وفي الثالثة..إلى السابعة، فكلامهم هذا هراء! ونحن نؤمن بما ذكر الله تبارك وتعالى ونرد ما يخالفه.
فهؤلاء الذين يأتون بنظريات مخالفة لما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى، هم من المعترضين على ما جاء عن الله، ومن عند الله.
الاعتراض على التشريعات الخاصة بالمرأة
أيضاً من يأتي بالنظريات عن صفات الإنسان البشرية، فيعارضون بها ما أخبر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن صفات هذا المخلوق، من أن المرأة دون الرجل في الخلقة، ومن ثَمَّ هي دون الرجل في الواجبات، وفي حمل الأمانة، أو بمعنى آخر: أن الله تبارك وتعالى خلق الذكر والأنثى، وجعل لكل منهما عبادة تتناسب مع ما خلقه وفطره عليها، وتتناسب مع تكوينه الذي كونه الله تبارك وتعالى عليه، وبالتالي جاء هؤلاء وأرادوا أن يجعلوهما في العمل، والواجب، والحقوق والميراث متساويين، وهذا مما يدخل في الاعتراض على الأحكام، فقالوا: ليكن الميراث واحداً، لا كما ذكر الله تبارك وتعالى حيث فرض للذكر مثل حظ الأنثيين، ويريدون أن يجعلوهما واحداً في كل شيء، فللمرأة حق في الانتخابات، وفي الوصول إلى الوزارة، أو أن تكون رئيسة للدولة، أو أن تفعل كل ما يفعله الرجل من الأعمال، وكذلك لها مثل ما له من الحقوق، ومنها هذا الحق في الميراث، فهؤلاء من الذين يعترضون اعتراضاً جلياً واضحاً على ما شرع الله، فكانوا ممن لم يرض بدين الله تبارك وتعالى.
الاعتراض على ما شرع الله بالأعراف والعادات والأهواء الجاهلية
وهذه عادة مذمومة ذكرها الله عن الذين كذبوا الأنبياء، وردوا دين الله عز وجل وقالوا: (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) [البقرة:170].
فهذا النوع منتشر في الأمة -إلا من رحم الله- وقليل من الناس مَنْ لديه الاستعداد أن يترك عادات القبيلة اتباعاً لما أمر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما الكثير منهم فتقول له: هذا حرام وهذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ينـزجر ولا يتراجع عن حكمه وهواه.
فمثلاً في الطرب والموسيقى وما أشبه ذلك، يقول: العادة عندنا كذا، والجماعة كذا، والقبيلة كذا، والناس كذا! فيعترض على الدين، وعلى الشرع، بالعادات، والأعراف، والأهواء، والأوضاع الجاهلية، والأمثلة على هذا كثيرة فلا نطيل فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر
المكتبة الشاملة: محاضرة مفرغة بعنوان: “من اعمال القلوب الرضا” لفضيلة الشيخ د. سفر الحوالي بتصرف يسير.