الإيمان هو أصل الأصول، والأساس الذي تقوم عليه بقية الأصول وأعمدة الدين ، وبدونه لا ينتفع العبد من عمل ولا قول. مهما كان هذا العمل موافقا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم . فإنه حينئذ مردود على صاحبه غیر مقبول. ولقد جاء قيد الإيمان في كثير من الآيات المذكور فيها العمل الصالح ، وذلك حتى ينتفع به صاحبه قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء: 44] وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97] .

أركان الإيمان

أركان الإيمان التي لا يصح إيمان عبد إلا بها ، وإذا جاء الأمر بالإيمان مطلقا فإنه يتوجه إلى هذه الأركان الستة التي وردت في حديث جبريل عليه السلام  حينما سأله في الحديث الطويل فقال: فأخبرني عن الإيمان؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره … »1(1) رواه مسلم في أول كتاب الإيمان رقم (8) ..

وقد ورد في كتاب الله عز وجل ذكر جل هذه الأركان ؛ كما في قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾) [البقرة:177] .

إذا فإن معنى قوله تعالى في سورة العصر: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يراد منه الذين آمنوا بأركان الإيمان الستة:

1- الإيمان بالله .    2- وملائكته .     3- وكتبه .    4- ورسله .     5- واليوم الآخر.     6- والقدر خيره وشره .

الركن الأول: الإيمان بالله عز وجل

يتضمن الإيمان بالله عز وجل أربعة أمور:

1 – الإيمان بوجوده سبحانه .

2 – الإيمان بربوبيته سبحانه .

3 – الإيمان بألوهيته سبحانه .

4 – الإيمان بأسمائه وصفاته سبحانه .

أولا : الإيمان بوجود الله عز وجل

وهذا الجانب من الإيمان بالله تعالى مستقر في الفطر لا يحتاج إلى تدليل لأن كل ما يحيط الإنسان ويراه من حوله دال على وجوده عز وجل وتدبيره ، ولا يماري في ذلك أحد إلا مغالط مکابر صاحب هوى ينكر ذلك بلسانه وقلبه مستيقن مقر مصدق ، ومع أن البراهين والأدلة على ذلك لا تحصى ، ولا يحتاج الأمر إلى ذكرها؛ إلا أنه يحسن ذكر أصول الأدلة على ذلك ولو بشكل مختصر ؛ وذلك فيما ذكره الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن هذه الأدلة بقوله:

(أ – الدليل العقلي: حيث إن هذا الكون الذي أمامنا ونشاهده على هذا النظام البديع الذي لا يمكن أن يضطرب ولا يتصادم ؛ بل هو في غاية ما يكون من النظام ، فهل يعقل أن هذا الكون العظيم بهذا النظام البديع يكون خالق لنفسه؟ كلا ولا يعقل أيضا أن يكون هذا الكون العظيم وجد صدفة ، لأنه على نظام بديع مطرد ، وما جاء صدفة لا يطرد … وقد أشار الله تعالى إلى هذا الدليل العقلي بقوله: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور:35] وسئل أعرابي فقيل له: بما عرفت ربك؟ والأعرابي لا يعرف إلا ما حوله ، فقال: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا تدل على السميع البصير؟ بلی .

ومما يدخل في الدليل العقلي تأمل المعجزات التي يجريها الله عز وجل على يد أنبيائه ويخرق لهم العادات ، فمن ذا الذي يفعل ذلك إلا الله عز وجل ، وكذلك ما نشاهده من إجابة الدعاء ؛ فالإنسان يدعو الله عز وجل ويقول يا ألله فيجيب الله دعاءه ويكشف سوءه ، إذا هناك رب سمع دعاءه وأجابه ، وما أكثر ما يقرأ في كتاب الله تعالى أنه استجاب لأنبيائه؛ كما قال تعالى: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنبياء: 76] وقوله عز وجل: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء:83- 84] والآيات في هذا كثيرة والواقع يشهد بهذا .

ب – الدليل الفطري: فالاعتقاد بوجود الله عز وجل مركوز في الفطر ، فما أن يصيب الإنسان مصيبة فيها هلاكه إلا قال (يا ألله) ففطرة الإنسان تدل على وجود رب العالمين ؛ قال الله عز وجل: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ﴾ [الأعراف: 172] .

ج. الدليل الشرعي: وهذا كثير ؛ فكل الشرع المطهر إذا تأمله الإنسان علم أن الذي أنزله هو الرب عز وجل ؛ فائتلاف القرآن وعدم تناقضه ، وتصديق بعضه بعضا ، وعجز الثقلين عن الإتيان ولو بآية واحدة ، كل ذلك يدل على أن القرآن نزل من عند الله عز وجل . وكونه موافق تماما لمصالح العباد دليل على أنه من عند الله عز وجل)2(2) باختصار وشيء من التصرف من مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكي للشيخ ابن عثيمين 1/22-24. أه.

ثانيا : الإيمان بربوبيته سبحانه

وهو توحيد الله عز وجل بأفعاله لا شريك له ولا ند ولا ظهير ولا معين ، وبمعنى آخر هو: الإيمان بأنه سبحانه الخالق الرازق المحيي المميت، المدبر لجميع العوالم ، والمالك لأمرها ، والمتصرف فيها وحده لا شريك له ، قال الله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة:117] وقال تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:62] وقال تعالى: ﴿لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: 5]، وكما أنه المتفرد بالخلق والملك فهو المتفرد سبحانه بالتدبير والقهر ؛ قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5] ، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18] .

وهذا النوع من الإيمان قد أقر به كثير من المشركين كما ورد ذلك في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: 31] ومع ذلك لم ينفعهم هذا الإيمان وبقوا مشركين ؛ لأنهم لم يؤمنوا بما يستلزمه إيمانهم بربوبية الله عز وجل ؛ ألا وهو إيمانهم بألوهيته سبحانه وعبادته وحده لا شريك له .

ثالثا : الإيمان بألوهيته سبحانه

وهو الإيمان بأنه سبحانه الإله الحق المستحق للعبادة وحده دون ما سواه ، فلا يشاركه في هذا الحق لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ومن أجله بعثت الرسل وأنزلت الكتب ، وهو دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25] ، وقال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36] . والإيمان بألوهية الله عز وجل يتضمن الإيمان بوجوده وربوبيته سبحانه ، ولا يكون العبد مؤمنا حتى يفرد ربه سبحانه بالألوهية ؛ فإن لم يفرده سبحانه بالعبادة وعبد معه غيره فلا يكون مؤمنا بالله تعالى ولو آمن بربوبيته سبحانه .

وهو توحيد الله عز وجل بأفعال العباد من: السجود ، والركوع، والذبح ، والنذر ، والخوف ، والرجاء، والتوكل ، والاستعانة والاستغاثة ، والطاعة ، والاتباع إلى غير ذلك ؛ قال الله عز وجل: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162] .

كما يدخل في الإيمان بألوهية الله عز وجل دخولا أوليا التحاكم إلى شرعه المبرء من الجهل والهوى، ورفض حکم ما سواه؛ مع الرضى والتسليم لحكمه سبحانه ، وعدم الرضا بحكم من سواه ، فإن من بدل شرع الله عز وجل أو رفض التحاكم إليه عالم بذلك فلا حظ له في الإيمان بالله عز وجل ؛ لأن من أخص خصائص الألوهية قبول حكم الله عز وجل ورفض ما سواه ، بل إن أصل شرك المشركين هو رفضهم لما أنزل الله عز وجل من التوحيد والإيمان والأحكام واكتفاؤهم بما كان عليه آباؤهم ؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ [المائدة: 104] .

وبقي أمر ثالث لا يصح الإيمان بألوهية الله عز وجل إلا به ألا وهو البراءة من الشرك والمشركين والكفر والكافرين ، وانطواء القلب على بغضهم وعداوتهم وعدم توليهم ونصرتهم ، وإظهار ذلك قدر الاستطاعة؛ إذ لا ينفع العبد إفراد الله عز وجل بالعبادة وهو لم يتبرأ من الشرك وأهله ، وهذا معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)؛ إذ هي قائمة على نفي ما يعبد من دون الله عز وجل والكفر به ، وإثبات العبادة لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له .

رابعا: الإيمان بأسمائه وصفاته

وهو الإيمان بما أثبت الله سبحانه لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسماء بلا تعطيل ولا تحريف ، وأن ننزه هذا الإثبات عن التمثيل والتكييف ؛ حيث إن الإيمان بالأسماء والصفات عند سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان يقوم على ثلاثة أصول:

الأول: الإثبات : قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 180] وجاء في القرآن والسنة أسماء لله عز وجل وصفات مثل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11] .

الثاني: التنزيه : أي تنزيه الله عز وجل عن مماثلة أحد من خلقه له في أسمائه وصفاته ؛ حيث له سبحانه الأسماء والصفات التي تليق بعظمته وجلاله وسلطانه ؛ قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ، وقال تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ أي الوصف الأكمل ، وقال تعالى: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ .

الثالث: قطع الطمع في إدراك الكيفية والماهية ، وقصور العقول عن الإحاطة بذلك ، قال الله عز وجل: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾.

وبفهم هذه الأصول الثلاثة والعمل بها يسلم العبد من الانحرافات التي عصفت بكثير من أهل البدع ، حيث حكموا عقولهم الفاسدة وجاءوا بما لم يأت به الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ، حيث ذهبت طائفة منهم إلى إنكار جميع الأسماء والصفات – وهم المعطلة الجهمية – وطائفة أثبتت الأسماء دون الصفات – وهم المعتزلة – حيث قالوا إن الله سميع بلا سمع وبصير بلا بصر ، طائفة أثبتت الأسماء وبعض الصفات – وهم الأشعرية – ، حيث أثبتوا جميع الأسماء وسبعة من الصفات ، وأولوا الباقي ، والسبع هي: الحياة والعلم و القدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام.

والإيمان بالأسماء والصفات يقتضي فهمها ودعاء الله تعالى بها ، والتعبد له سبحانه بها ، وأن يقوم في القلب تعظيمها ومحبة من هي له سبحانه، والخوف منه، ورجاؤه والتعلق به، ومراقبته في السر والعلن، وأن يظهر أثر كل اسم وصفة له سبحانه في قلب العبد وعلى جوارحه ؛ وإلا فما قيمة الإيمان بدون ذلك .

من نواقض الإيمان بالله تعالى:

وإتماما للفائدة يحسن ذكر أهم نواقض الإيمان بالله تعالى ، حتی تحذر وتجتنب ليسلم للعبد إيمانه بالله تعالى – الذي هو أصل الأصول – للنجاة من الخسران في الدنيا والآخرة.

فمن نواقض الإيمان بالله عز وجل ما يلي

1- إنكار وجوده سبحانه وإحالة الحوادث والحادثات إلى الطبيعة أو الدهر أو المصادفة والقول بقدم العالم ، وهذا الناقض وإن كان لا يقول به أحد عن يقين وقناعة ؛ لكن هناك من يكابر ويجحد ذلك وقلبه مستيقن بوجود الله تعالى قال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14] .

۲- إنكار ربوبيته عز وجل لجميع الخلق ؛ بأن يجعل مع الله عز وجل شريكا له في أفعاله كالخلق والرزق وغيرها، ولذلك صور متعددة منها:

  • شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور ، وحوادث الشر إلى الظلمة .
  • ومنها شرك القائلين بوحدة الوجود الذين يزعمون أن الله تعالى هو عين الخلق .
  • ومنها شرك من ادعى أن الكواكب العلوية تدبر أمر العالم السفلي كمشركي الصابئة .
  • ومنها شرك النصارى الذين يقولون إن الله ثالث ثلاثة وأن عيسى هو ابن الله تعالى الله ؛ عما يقولون علوا كبيرا .
  • ومنها شرك الرافضة وغلاة الصوفية ، واعتقادهم في بعض الأولياء أنه يحيي ويميت ويشفي المرضى ، وأن ذرات الكون تخضع لهم، كما صرح بذلك الخميني إمام الرافضة المعاصرين في كتابه الحكومة الإسلامية .
  • ومنها المبدل لشرع الله عز وجل بشرع يضعه للناس ليتحاكموا إليه ؛ حيث جعل نفسه حاكما من دون الله تعالى، والله عز وجل يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [يوسف: 40] وهذا شرك في الربوبية .

3- إنكار ألوهية الله عز وجل، وذلك بأن يجعل مع الله عز وجل شريكا في العبادة والطلب والقصد ، وهذا هو الغالب على شرك المشركين في الأولين والآخرين ، وهو الغالب على شرك القبوريين في هذا الزمان مثل:

  • من يعبد غير الله عز وجل ويستغيث به ، ويدعوه ويستعين به من دون الله تعالى ويلجأ إليه في جلب النفع ودفع الضر، ومن يذبح وينذر لغير الله عز وجل .. الخ.
  • ومن لم يتبرأ من الشرك وأهله ولم يكفر بما يعبد من دون الله .
  • ومن رفض الحكم بما أنزل الله عز وجل ، أو رضي بالحكم بغير ما أنزل الله تعالى .
  • ومن سب الله عز وجل أو استهزأ بحكمه .

4 – إنكار شيء من أسماء الله عز وجل أو صفاته سواء ثبتت في الكتاب أو السنة ، والإنكار كما يقول الشيخ صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى نوعان:

(• الأول إنكار تكذيب: وهذا كفر بلا شك ؛ فلو أن أحدا أنكر شيئا من أسماء الله تعالى ، أو صفة من صفاته الثابتة في الكتاب والسنة ؛ مثل أن يقول ليس لله يد فهو كافر بإجماع المسلمين ، لأن تکذیب خبر الله رسوله كفر يخرج عن الملة .

  • الثاني إنكار تأويل: وهو أن لا يجحدها ولكن يؤولها وهذا نوعان:

1- أن يكون لهذا التأويل مسوغ في اللغة العربية فهذا لا يوجب كفرا .

2- أن لا يكون له مسوغ في اللغة العربية فهذا موجب للكفر؛ لأنه نفاها نفيا مطلقا فهو مكذب حقيقة ، فلو قال في قوله تعالى: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾ [المائدة:64] المراد بیدیه السماوات والأرض فهو كافر؛ لأنه لا يصح في اللغة العربية، ولا هو مقتضی الحقيقة الشرعية فهو منکر مكذب ، لكن إن قال المراد باليد النعمة أو القوة فلا يكفر3(3) بل هو مبتدع لوجود الشبهة .؛ لأن اليد في اللغة تطلق على النعمة)4(4) المجموع الثمين 2/62-63..

  • كما يضاد ويناقض توحيد الأسماء والصفات الشرك والإلحاد في أسمائه وصفاته ، فالشرك في الصفات يكون باتخاذ شريك أو ند مع الله تعالى عن ذلك ، وأما الإلحاد في أسمائه فكما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (الإلحاد في أسمائه هو العدول بها وحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت .. وهو أنواع:

أحدها : أن يسمي الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإله ، والعزى من العزيز .

الثاني : تسميته بما لا يليق بجلاله کتسمية النصارى له أبا .

الثالث : وصفه تعالى بما يتعالى عنه ويتقدس عنه من النقائص كقول أخباث اليهود إنه فقير؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الرابع : تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها ؛ كقول من يقول من المعتزلة وأتباعهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معان .

الخامس : تشبيه صفاته بصفات خلقه؛ تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيرة)5(5) بدائع الفوائد 1/ 192-190 باختصار نقلا عن نواقض الإيمان القولية والعملية ص118..

الهوامش

(1) رواه مسلم في أول كتاب الإيمان رقم (8) .

(2) باختصار وشيء من التصرف من مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكي للشيخ ابن عثيمين 1/22-24.

(3) بل هو مبتدع لوجود الشبهة .

(4) المجموع الثمين 2/62-63.

(5) بدائع الفوائد 1/ 192-190 باختصار نقلا عن نواقض الإيمان القولية والعملية ص118.

اقرأ أيضا

سورة العصر وأصول النجاة الأربعة

آثار التوحيد في حياة الأمة

وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ .. (1) خطر الشرك

 

التعليقات غير متاحة