طاعة الله ورسوله وتحكيم الله ورسوله هو سبب السعادة عاجلا وآجلا، ومن تدبر العالم والشرور الواقعة فيه علم أن كل شر في العالم سببه مخالفة الرسول والخروج عن طاعته وكل خير في العالم فإنه بسبب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

خير الدنيا والآخرة في طاعة الله والرسول

لا شك أن كل خير في العالم سببه الوقوف عند حدود الله تعالى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والالتزام بالشرع في كل كبيرة وصغيرة هو سبب السعادة العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة.

ومن تدبر العالم والشرور الواقعة فيه علم أن كل شر في العالم سببه مخالفة الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم، والخروج عن الشريعة الغراء التي من أعرض عنها كانت معيشته ضنكا؛ قال تعالى: (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا).

قال السعدي: … أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابًا صعدًا أي شديدًا بليغا1(1) [تيسير الكريم الرحمن ص (٨٩٠)]..

وقال تعالى: (… فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَىٰ، وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحشُرُهُۥ يَومَ القِيَٰمَةِ أَعمَىٰ).

عن أبي هريرة رضي الله عنه: «…. . ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وهي المعيشة الضنك التي قال الله تعالى: (فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا وَنَحشُرُهُۥ يَومَ القِيَٰمَةِ أَعمَىٰ)»2(2) [رواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٢٠٦٢) وسنده حسن]..

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله جل وعلا: (فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَة ضَنكا) قال: «عذاب القبر»3(3) [رواه ابن حبان (۳۱۱۹) وحسن الأرناؤوط إسناده، وقال ابن كثير: إسناده جيد. التفسير (٣١٧/٥)]..

ومن أهل التفسير من عمم المعيشة الضنك في الدنيا وفي القبر وفي النار…

قال ابن حیان: … وقال الجوهري: المعيشة الضنك في الدنيا، والمعنى أن الكافر وإن كان متسع الحال والمال فمعه من الحرص والأمل والتعذيب بأمور الدنيا والرغبة وامتناع صفاء العيش لذلك ما تصير معيشته ضنكا4(4) [البحر المحيط (٣٩٤/٧)]..

شر الدنيا والآخرة في مخالفة الله والرسول

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: طاعة الله ورسوله وتحكيم الله ورسوله هو سبب السعادة عاجلا وآجلا، ومن تدبر العالم والشرور الواقعة فيه علم أن كل شر في العالم سببه مخالفة الرسول والخروج عن طاعته وكل خير في العالم فإنه بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هو من موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها، فعاد شر الدنيا والآخرة إلى مخالفة الرسول وما يترتب عليه، فلو أن الناس أطاعوا الرسول حق طاعته لم يكن في الأرض شر قط، وهذا كما أنه معلوم في الشرور العامة والمصائب الواقعة في الأرض فكذلك هو في الشر والألم والغم الذي يصيب العبد في نفسه فإنما هو بسبب مخالفة الرسول ولأن طاعته هي الحصن الذي من دخله كان من الآمنين والكهف الذي من لجأ إليه كان من الناجين5(5) [زاد المهاجر إلى ربه ص(٤٣)]..

علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله

وقال تعالى: (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).

قال السعدي: يقول تعالى -مبينًا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله-: إن من انشرح صدره للإسلام، أي اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومن عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق.

وأن علامة من يرد الله أن يضله، أن يجعل صدره ضيقا حرجا. أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته یکاد يصعد في السماء، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه. وهذا سببه عدم إيمانهم، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم؛ لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان، وهذا ميزان لا يعول، وطريق لا يتغير..6(6) [تيسير الكريم الرحمن ص(٢٧٢)]..

الحق والخير والسعادة في ما أنزله الله تعالى من الوحي

وقد ظن بعض من اعتقد نفسه من الأذكياء من الفلاسفة والمتكلمين أنهم قد يجدون الحق والخير والسعادة في غير ما أنزله الله تعالى من الوحي فتاهوا وضاعت أعمارهم وأوقاتهم سدى؛ يقول شيخ الإسلام: وقد تدبرت كتب الاختلاف التي يذكر فيها مقالات الناس….

فرأيت عامة الاختلاف الذي فيها من الاختلاف المذموم. وأما الحق الذي بعث الله به رسوله، وأنزل به كتابه، وكان عليه سلف الأمة فلا يوجد فيها في جميع مسائل الاختلاف، بل يذكر أحدهم في المسألة عدة أقوال، والقول الذي جاء به الكتاب والسنة لا يذكرونه، وليس ذلك لأنهم يعرفونه ولا يذكرونه، بل لا يعرفونه .

ولهذا كان السلف والأئمة يذمون هذا الكلام.

ولهذا يوجد الحاذق منهم المنصف الذي غرضه الحق في آخر عمره يصرح بالحيرة والشك، إذ لم يجد في الاختلافات التي نظر فيها وناظر ما هو حق محض. وكثير منهم يترك الجميع ويرجع إلى دين العامة الذي عليه العجائز والأعراب.

كما قال أبو المعالي وقت السياق: “لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه. والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي”.

وكذلك أبو حامد في آخر عمره استقر أمره على الوقف والحيرة، بعد أن نظر فيما كان عنده من طرق النظار: أهل الكلام والفلسفة، وسلك ما تبين له من طرق العبادة والرياضة والزهد، وفي آخر عمره اشتغل بالحديث: بالبخاري ومسلم..7(7) [منهاج السنة النبوية (٢٦٨/٥ – ٢٦٩)]..

دخول الكفار في دين الله أفواجا علامة قوة هذا الدين وحيويته

إن قوة هذا الدين وحيويته في شتى مناحي الحياة واضحة بحيث تبهر كل من نظر إلى تعاليمه بعين الإنصاف؛ فيسلم من يسلم من العقلاء قناعة بصحة هذا الدين وصدق نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وغير خاف دخول كثير من الكفار في دين الله أفواجا بقوة وبلا توقف يوميا، ودون إكراه -رغم شدة المعارضة للإسلام والعداء العالمي السافر-.

وغير خاف -أيضا-: التعتيم على نسب الداخلين في الإسلام عالميا -وخاصة في دول الغرب وأمريكا-، ولكن الآثار البادية لكل ناظر تظهر الحقيقة؛ فمن ذلك أنه خلال ١٢ عاما تم بناء ١٢٠٠ مسجد في أمريكا وحدها، بمعدل مائة مسجد سنويا…

الاستقامة على منهج الله سبيل الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة

وأما من استقام من البشرية على أمر الله تعالى فقد أصاب الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة؛ التي هي سنة من سنن الله في عباده تضمنها قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

عن ابن عباس، قوله: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) قال السعادة8(8) [رواه الطبري بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عنه]..

وعن قتادة (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) قال: وهي الجنة9(9) [رواه الطبري بسند حسن]..

الوعد بالتمكين للمؤمنين من رسول رب العالمين

ورغم ما يحيط بالمسلمين -في زماننا هذا- من إحباط ونكبات وسيطرة أعداء الملة فإننا نوقن أن النصر للإسلام ولعباد الله المؤمنين كما وعد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها»10(10) [أخرجه مسلم (۲۸۸۹) من حديث ثوبان رضي الله عنه]..

يقول الحميدي: «إن الله زوى لي الأرض»: أي: جمعها لي جمعا أمكنه الإشراف على ما زوي له منها، والنظر إليه، والمعرفة به، وهو ما خصه بالذكر من المشارق والمغارب إذا لم يوجد نص بزيادة على ذلك، وهذا من أعلام نبوته في الإخبار عما يكون قبل كونه؛ لأن أمته لم يتسعوا في الجنوب والشمال كاتساعهم في المشارق والمغارب، وهذا مما استفدناه قديماً عن بعض الأئمة المتكلمين على المعاني11(11) [تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ص(٢٣٤)]..

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم -أيضا-: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر»12(12) [أخرجه أحمد (١٦٩٥٧) وغيره من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (۳)]..

أي المدينتين تفتح أولًا القسطنطينية أو رومية؟

ومن المبشرات أيضا وعد النبي صلى الله عليه وسلّم بفتح رومية -وهي روما عاصمة إيطاليا اليوم-، فعن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل: أي المدينتين تفتح أولًا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلّم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «مدينة هرقل تفتح أولا» يعني قسطنطينية13(13) [رواه أحمد (٦٦٤٥) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة (٤)]..

وقد تم فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وعلى الأرجح أن المراد بالحديث هو الفتح الثاني للقسطنطينية وذلك في آخر الزمان؛ لما رواه معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: «عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح قسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال»14(14) [رواه أبو داود (٤٢٩٤) وأحمد (۲۲۰۲۳) وحسنه الألباني، ورواه الحاكم (۸۲۹۷) موقوفا، وقال: هذا الحديث وإن كان موقوفا فإن إسناده صحيح على شرط الرجال، وقال الذهبي: صحيح موقوف].. ولقول أنس بن مالك رضي الله عنه: «فتح القسطنطينية مع قيام الساعة»15(15) [رواه الترمذي (۲۲۳۹) وقال الألباني: صحيح الإسناد موقوف].. يعني قرب قيام الساعة.

وهذا الفتح الثاني للقسطنطينية يكون القتال فيه بالسيوف والخيول وليست فيه وسائل الحرب الحديثة ولا الاتصالات الحديثة كما دل عليه حديث مسلم: «… فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشأم خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته»16(16) [رواه مسلم (۲۸۹۷)].. وفي صحيح مسلم أيضًا: «إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ»17(17) [رواه مسلم (۲۸۹۹)]..

ومما لا شك فيه أن تحقيق فتح روما سيكون في ظل خلافة راشدة للأمة المسلمة، والظاهر أنها في زمن المهدي وعيسى عليهما السلام، وقد جاء في الحديث: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضًا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ثم سكت18(18) [رواه أحمد (١٨٤٠٦) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة(5)]..

أعز الله عز وجل دينه وعباده المؤمنين.

الهوامش

(1) [تيسير الكريم الرحمن ص (٨٩٠)].

(2) [رواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٢٠٦٢) وسنده حسن].

(3) [رواه ابن حبان (۳۱۱۹) وحسن الأرناؤوط إسناده، وقال ابن كثير: إسناده جيد. التفسير (٣١٧/٥)].

(4) [البحر المحيط (٣٩٤/٧)].

(5) [زاد المهاجر إلى ربه ص(٤٣)].

(6) [تيسير الكريم الرحمن ص(٢٧٢)].

(7) [منهاج السنة النبوية (٢٦٨/٥ – ٢٦٩)].

(8) [رواه الطبري بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عنه].

(9) [رواه الطبري بسند حسن].

(10) [أخرجه مسلم (۲۸۸۹) من حديث ثوبان رضي الله عنه].

(11) [تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم ص(٢٣٤)].

(12) [أخرجه أحمد (١٦٩٥٧) وغيره من حديث المقداد بن الأسود رضي الله عنه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (۳)].

(13) [رواه أحمد (٦٦٤٥) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة (٤)].

(14) [رواه أبو داود (٤٢٩٤) وأحمد (۲۲۰۲۳) وحسنه الألباني، ورواه الحاكم (۸۲۹۷) موقوفا، وقال: هذا الحديث وإن كان موقوفا فإن إسناده صحيح على شرط الرجال، وقال الذهبي: صحيح موقوف].

(15) [رواه الترمذي (۲۲۳۹) وقال الألباني: صحيح الإسناد موقوف].

(16) [رواه مسلم (۲۸۹۷)].

(17) [رواه مسلم (۲۸۹۹)].

(18) [رواه أحمد (١٨٤٠٦) وغيره، وصححه الألباني في الصحيحة(5)].

اقرأ أيضا

عالمية الإسلام وواقع المسلمين ومستقبلهم

واقع الأمة الإسلامية

الأمة الإسلامية بين أسباب السقوط وعوامل النهوض

التعليقات غير متاحة