لقد أصبح إعلان حلف ضد إيران أمرا أشد استبعادا؛ نظرا لعلاقات إيران القوية مع بعض دول الخليج مثل عمان والإمارات، وللخطوات الواسعة التي تخطوها دول خليجية أخرى نحو الصلح مع إيران كالسعودية.

أهمية زيارة بايدن والأهداف المرجوة

زيارة الرئيس الأمريکی ، كان ينتظرها رؤساء وكبار رجال دول عربية، ولكن الحقيقة أن الأكثر ترقبا ولهفة هم الأمريكان أنفسهم؛ وذلك لتحقيق الأهداف التالية:

1- دعم الاقتصاد الأمريكي المنهار من خلال التوقيع على عدد من المشاريع، وزيادة إنتاج النفط لخفض أسعار البترول، وتوفير الطاقة الرخيصة بشكل عام لأمريكا وأوروبا بعد النقص الحاد الذي خلفته الحرب الأوكرانية الروسية، فمن الواضح أن الحرب الروسية الأوكرانية غيرت حسابات أمريكا، فقررت إدارة بایدن إصلاح علاقاتها مع الدول العربية، ومتابعة نهج الرئيس السابق ترامب.. وبايدن لم يدرك إلا متأخرا خطورة تطور العلاقات العربية مع الصين وروسيا..

2- محاولة فرض التطبيع على الشعوب العربية مع الكيان الصهيوني، وترويض شعوب المنطقة عليه في صورة تحالف أمني وربما عسكري لمواجهة النفوذ الإيراني – المفتعل – المتزايد في المنطقة -بحجة الضرورة -.

وكان رئيس وزراء يهود – یائیر لابيد- قد قال: إن طائرة بايدن ستحمل رسالة سلام وأمل منا إلى السعوديين…

وخلال مراسم تودیعه بايدن، قال لابيد: هذا يوم تاريخي، بعد فترة من العلاقات القوية خلف الستار، مع السعودية، والولايات المتحدة… والأجواء السعودية ستصبح الآن مفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي،

وأحب أن أشكر الرئيس بایدن، على زيارته لإسرائيل، والتزامه بإسرائيل قوية وإسرائيل مزدهرة… وأتمنى له كل التوفيق في اجتماعاته في جدة…

3- کسب أصوات المنتخبين لبايدن في الداخل الأمريكي وخصوصا اللوبي الصهيوني. تقول المتحدثة باسم البيت الأبيض – کارین جان بيير-:

هذه الرحلة إلى إسرائيل والسعودية، عندما تتم، ستكون في سياق الإنجازات المهمة للشعب الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط..

ونحن هنا نحاول فيما يلي فهم ما يدور..

من الأهداف المعلنة إعلاميا للأمريكان في المنطقة:

تكوين حلف عربي مكون من دول التعاون الخليجي ومصر والأردن… لمواجهة خطر التمدد الإيراني ..

ولا شك أن الخوف من خطر إيران واقع -وإن كان التمدد الإيراني بضوء أخضر بل يدعم أمریکي وغربي لأهداف لا تخفی۔

ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية عملت خلال السنوات القليلة الماضية لإزالة العقبات بين دول المنطقة وخاصة الدول الخليجية إضافة إلى مصر والأردن.. والكيان الصهيوني.

فأصبحت الظروف العربية – فيما بينها – أفضل لإقامة هذا الحلف..

ولكن رغم ذلك أصبح إعلان حلف ضد إيران أمرا أشد استبعادا؛ نظرا لعلاقات إيران القوية مع بعض دول الخليج مثل عمان والإمارات، وللخطوات الواسعة التي تخطوها دول خليجية أخرى نحو الصلح مع إيران كالسعودية التي تنشغل منذ فترة ليست بالقريبة بمباحثات مع الجانب الإيراني برعاية عراقية.. وذلك بعد تأكد دول الخليج أنه لا قبل لها بمواجهة إيران..

واجتماع العرب -ولو صوريا دون ضغوط- أمر مستبعد، نتيجة للاختلافات الكبيرة بينهم، ولذا بدا الاجتماع التشاوري الدوري لوزراء الخارجية العرب الذي سبق اجتماع جدة بنحو شهر باهتا لا قيمة له رغم الأزمات المتصاعدة، ولم يطرح فيه أي من المسائل الحساسة ولا حتى ما تفتعله إيران من مشاكل في اليمن وسوريا ولبنان وغيرها..

وقد لخص کیسنجر طريقة فهم الأمريكان للأحداث وطريقة تشكيلها -ومن بينها أحداث العرب والشرق الأوسط – بقوله:

بدا لي أن المرء إذا أراد أن يفهم ما هو مطلوب لتشكيل الأحداث التي يواجهها المجتمع بطريقة بناءة أو مقيدة، فمراجعة عمل القادة طريقة جيدة لهذا الفهم..

وكان هذا خلاصة كتابه الجديد، الذي يحلل فيه ستة قادة معاصرين له، وهم:

الرئيس المصري أنور السادات، والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، والمستشار الألماني كونراد أديناور، والرئيس الفرنسي شارل ديغول، ورئيس الوزراء السنغافوري لي كوان يو، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر..

وقال عن سبب اختياره لهؤلاء: قررت أن أكتب كتابا عن القيادة لأني قضيت حياتي بالتعاون مع أفراد كانوا يحاولون تشكيل الأحداث. لقد فعلت ذلك في ظل ظروف من الاضطراب الشديد. يجب تفسير الأحداك، وإعطائها اتجاها، ومعنى تقنيا واستراتيجيا من قبل قيادة المجتمع. وهكذا، اعتقدت بأن من الممكن القيام بذلك في شكل أفضل من خلال التطر إلى إدارات قادة معينين….

لقد اخترت هؤلاء الستة لأن الفرصة أتيحت لي لمراقبة كل واحد منهم وهو يعمل، والمشاركة في بعض أعمالهم أحيانا على مستوى السياسة العامة، ودائما على مستوى المناقشة.

عقبات أمام الحلف المنشود

والدول العربية تعلم خطورة السعي لهذا الحلف، وقبل أكثر من ثلاث سنوات وتحت قيادة الرئيس الأمريكي ترامب رفضت مصر الجهود الأمريكية التي تقودها واشنطن لجمع الحلفاء العرب في معاهدة أمنية وسياسية واقتصادية لتشكيل ما أطلق عليه “ناتو عربي” على غرار حلف شمال الأطلسي للتصدي لسياسات طهران.

وكانت مصر قد أبلغت قرارها للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالتحالف الأمني في الشرق الأوسط المقترح، قبل اجتماع عقد في الرياض أيضا.

وكان مما قيل وقتها: إن مصر انسحبت لتشككها في جدية المبادرة، فهي لم تر الخطة التي تحدد ملامح هذا التحالف، ولأن وضع خطة مثل هذه ينطوي عليه خطر زيادة التوتر مع إيران.

وأيضا نسب لمصدر سعودي – حينها- قوله عن المبادرة: إنها لا تسير كما ينبغي.

وكذلك – مما يجعل التحالف العربي بعيد المنال – تبادل الزيارات بين إيران وقطر في الأسابيع القليلة الماضية، ونقل القطريون إلى إيران أخبار ورش الاتصالات واللقاءات (الخليجية الأمريكية)، و(الأمريكية اليهودية)، و(اليهودية الخليجية) استعدادا لزيارة الرئيس الأميركي جو بایدن إلى المنطقة.. فكيف نتصور أن تتحالف قطر ضد إيران؟!! وقد صرح عدد من مسؤولي دول الخليج أنهم ليسوا في تحالف ضد أي دولة – في إشارة إلى إيران -.

ومن جهة إيران فإنها قررت -قبل نحو شهر – العودة إلى طاولة المفاوضات النووية – بفضل السعي القطري-، مما يؤكد صعوبة السعي لهذا التحالف حاليا على الأقل -.

إيران ليست الهدف الأول من زيارة بايدن

وبالإضافة لكل ما تقدم فإن المعلومات تشير إلى أنه في ظل الأزمة العالمية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية فإن النفط الإيراني يتدفق حاليا بكل قوة وسلاسة إلى أوروبا، -وبالطبع – بموافقة أمريكية، فالسعي للتحالف المذكور ليس جديا وأمامه تحديات كبيرة، إلا أن يراد منه جر المنطقة لمواجهة عسكرية مع إيران يبدأها الكيان الصهيوني؟ !!!!

وتهديد إيران بمثل هذا التحالف أمر وارد ولكنه تهديد ضعيف جدا، وقبل أيام قليلة قال مستشار الأمن القومي الأميركي جیك سوليفان – في مؤتمر صحفي -: إن موقف الولايات المتحدة واضح… إننا مصممون على ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي… هنالك صفقة مطروحة على الطاولة، والأمر متروك لإيران لتقرر ما إذا كانت تريد قبولها أم لا.

كل هذا يدل على أن إيران ليست الهدف الأول من زيارة بايدن ..

ومن الواضح والمؤكد أن معسكرين عالميين قد تبلورا، أحدهما: معسكر غربي بقيادة أمريكا، والآخر: شرقي بقيادة الصين..

ولكل منهما سعي لتوسيع نطاق نفوذه وتحالفاته..

والعرب بحالتهم الهزيلة المتهافتة عرضة لسعي الفريقين للاستحواذ عليهم..

وحدة المسلمين واعتصامهم بحبل الله..المخرج والحل

ولا حل للعرب إلا بمراجعة دينهم حتى لا يكونوا غثاء كغثاء السيل ؛ عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعی عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، قال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن» فقال قائل: یا رسول الله، وما الوهن؟ قال : «حب الدنيا وكراهية الموت»1(1) [رواه أبو داود (4297) وغيره، وصححه الألباني]..

فتمسك العرب والمسلمين بدينهم واعتصامهم بحبل الله عز وجل يرفع شأنهم، ويقذف الرعب في قلوب أعدائهم، وبإمكانهم أن يشكلوا بوحدتهم والإمكانات التي حباهم الله بها وموقعهم الاستراتيجي قوة عالمية أو معسكرا ثالثا، وأما بعدهم عن دينهم وتفرق كلمتهم فإنه يقذف في قلوبهم الوهن، أي حب الحياة وكراهية الموت، ويجعلهم وبلادهم وثرواته لقمة سائغة شهية لكل طامع، وصدق فيهم قول نبيهم صلى الله عليه وسلم…

وختاما نذكر بالمحكمات القرآنية التالية:

1- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة:51-57].

2- وقال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [البقرة:120].

3- وقال تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة:9].

4- وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:28-29].

اللهم احفظ المسلمين وبلادهم من كل سوء وطامع..

الهوامش

(1) [رواه أبو داود (4297) وغيره، وصححه الألباني].

اقرأ أيضا

أمريكا..وتحالفها الدولي الجديد

المستقبل وأمريكا

الرقصة الرشيقة بين أمريكا وإيران

 

التعليقات غير متاحة