لا شك ولا ريب أن أعظم ما بعث به الرسل هو التوحيد والتحذير من الشرك . كما قال الله تبارك تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25] وكما قال عز وجل: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36] . وهكذا القرآن في كل حديث وقصص يقصها . يبين أن التوحيد هو الأساس الذي تدعو إليه الرسل قاطبة . وبعد ذلك تأتي الأحكام والشرائع ، ويأتي الحلال والحرام .
نواقض الإيمان – التوحيد – وما يخالفه
الشرك بالله
قول الله تبارك وتعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر:65].
فانظر أيها المسلم ، مع من هذا الخطاب؟ إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللرسل من قبله (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ) هذا الخطاب وهذا الإنذار وهذا التخويف .
هذا لرسول الله ، وهل في البشر جميعا وفي خلق الله قاطبة من دعا إلى التوحيد وصابر عليه ورابط وحذر من الشرك وزجر كرسول الله صلى الله عليه وسلم والرسل من قبله ؟! . لا بإجماع كل العقلاء في هذه الدنيا .
ومع ذلك فإن هذا التحذير يقال له صلى الله عليه وسلم .
الشرك يدمر الأعمال ويحبطها
وكما في آيات الأنعام بعد أن ذكر الأنبياء وقصصهم : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:88].
ولو أن الله تبارك وتعالى يريد عبادات بلا توحيد وإن خالطها الشرك ونواقض الإيمان ، لكان عباد النصارى ورهبانهم ورهبان الهندوس والبوذيين أكثر الناس إيمانا ، لأنهم أكثر الناس اجتهادا في العبادة !. بل لكان الخوارج أكثر هذه الأمة إيمانا ، لأنهم كما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام – الذين عبدوا الله عز وجل كما شرع وأمر – قال : «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم» . لكن لما تلبسوا بما تلبسوا به من الانحراف والبدعة والضلال ، لم ينفعهم .
فتبين أن تصحيح الاعتقاد وأصل الإيمان والدين هو الأساس الذي يجب أن تبنى عليه بقية الأعمال ، وإذا صح ذلك – أي الاعتقاد – فإن العبد يكون على سبيل النجاة وإن ارتكب ما ارتكب ، كما جاء في قوله عز وجل في الحديث القدسي ، قال صلى الله عليه وسلم : «يقول عز وجل : يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا – أي بملء الأرض خطايا – ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا غفرت لك» . وهذا من فضل الله عز وجل لمن جاء محققا التوحيد والإيمان ، ولو وقع فيما يقع فيه بنو آدم من الأخطاء والذنوب ، ولو تلبس بما لا ينبغي أن يتلبس به المؤمن .
تحقيق التوحيد نجاة في الدنيا والآخرة
التوحيد كلما قوي ، والإيمان كلما امتلأ به قلب الإنسان ويقينه وشعوره ووجدانه ، فإن ذلك بلا ريب هو سبيل النجاة في الدنيا والآخرة .
التوحيد في الدنيا سبيل نجاة ، لأن الإنسان إذا وحد الله سبحانه وتعالى وأقر له بالربوبية والألوهية وانقاد لشرعه ودينه: سلم بذلك ماله ودمه ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام» . هذا في الدنيا .
وفي الآخرة ، تكون النجاة من عذاب الله عز وجل ، إما ابتداء – وهذا من فضل الله – وهؤلاء هم الذين حققوا التوحيد قولا وعملا ، فكان لهم الاهتداء التام والأمن التام الذي ذكره الله تبارك وتعالى في قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) . ثبت في البخاري وغيره أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه ؟! – ظنوا أن ذلك في المعاصي والذنوب ، ولا شك إنها من ظلم النفس – فبين النبي صلى الله عليه وسلم إن المقصود : الشرك . قال : «ألم تقرءوا قول العبد الصالح (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)» . فالمقصود من هذه الآية: الذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشيء من الشرك .
(أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) هؤلاء لهم الأمن التام يوم القيامة ، وفي الدنيا أيضا . مهما حصل لهم من ابتلاء أو محن فهم في الحقيقة في أمن ، لأن الأمن الحقيقي هو الأمن على العقيدة والإيمان .
(وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فلهم أيضا الاهتداء التام .
الموحد تحت المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له
أما لو حصل من الإنسان شيء من التلبس بالذنوب والمعاصي ووقع فيما نهى الله تبارك وتعالى عنه ، فإنه بين أمرين:
إما أن الله عز وجل يغفر له ويعفو عنه بتحقيقه للتوحيد – وهذا فضل من الله تبارك وتعالى وتكرم منه ويمن به على من يشاء من عباده – .
ولا أدل على ذلك – أي المغفرة – من حديث البطاقة .
هذه هي الحالة الأولى .
والحالة الأخرى: أن يكون لديه من الذنوب والكبائر والعيوب ما أضعف إيمانه وأتى عليه بنقص شديد ، وهو مع ذلك لم يزل من أهل التوحيد ولم يتلبس بشيء من الشرك .
ففي هذه الحالة الذي يحصل – إن دخل النار ولم يشمله فضل الله تبارك وتعالى ولا شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا الشهداء ولا الصالحين ، ولا شيء من ما هو من موانع إنفاذ الوعيد في الآخرة ، بل استحق أن يدخل النار – فهذا أيضا على سبيل نجاة ، وإن دخلها – النار – فهو خير من الذين هم أهلها – نسأل الله العفو والعافية – أهل النار الذين لا يحيون فيها ولا يموتون ولا يطمعون في خروج أبدا . – نسأل الله أن يحفظنا وإياكم – هو خير منهم ، لأنه لا بد أن يخرج بإذن الله ، ويكون في هذه الحالة في نار العصاة وليس نار الكافرين .
أركان التوحيد
ولكي تتضح لنا الصورة كاملة عن نواقض الإيمان ، فإنه لابد أن نعرف ما أصل الدين وما التوحيد:
إن التوحيد ثلاثة أقسام : توحيد الألوهية . وتوحيد الربوبية . وتوحيد الأسماء والصفات .
نستطيع أن نتعرف على نواقض الإيمان بمعرفة نواقض كل نوع من أنواع التوحيد .
توحيد الربوبية
أجمعت كل الفطر والعقول السليمة على الإقرار به ، ولم ينكره إلا مكابر.
نواقض توحيد الربوبية
أن ينكر وجود الله عز وجل . وهذا إفك عظيم وباطل مبين لم تعتقده أمة من الأمم قبل ظهور هؤلاء الملاحدة المسمين بالشيوعيين ، والفكر المادي في أوربا . أما قبل ذلك فإنما كان أفراد قلائل زاغوا وضلوا وأضلوا .
إنكار الله تبارك وتعالى إنكارا كليا !! . إنكار الخالق عز وجل مع وجود المخلوقات أمر عجب !! (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) .
مع رؤية المخلوقات والإقرار بوجود مخلوقات.
فالمقصود أن من أنكر وجود الله عز وجل فقد ناقض هذا الأصل العظيم الذي أقر به المشركون (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
ما كان المشركون الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كان العرب قاطبة ينكرون وجود الله تبارك وتعالى ، بل كلهم يعلم أن الله هو الخالق وهو الرزاق وهو المدبر (وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) . فكانت هذه من البديهيات في حياة العرب في الجاهلية . ومن أنكرها فلا شك أنه أكفر من أولئك الكافرين .
ويؤلمنا جدا هذه الأيام أن ينتشر هذا الفكر الإلحادي بين شباب المسلمين بصراحة ووضوح وبلا تورية ، وله وجود ظاهري بارز بين . يتسلل إلى المسلمين من خلال الإعلام الفاسد ووسائل الإعلام التي تنتشر وتبث ما يصادم ويناقض عقيدة التوحيد بأنواعه الثلاثة ، ويكفيها أنها تنشر الفكر الغربي بسمومه ونظرياته وآفاته .
ولا شك أن الفكر الغربي متشبع بالإلحاد لأنه هارب من خرافات الكنيسة وغيرها وطغيانها واستبدادها وجبروتها . فهو في هروبه هذا ، ومع تصوره أنه لا دين إلا ما جاءت به الكنيسة ، وأنه دين باطل ، فما سواه من الأديان أكثر بطلانا . لا يمكن أن يتصور منه إلا أن يكفر بكل دين ، وبالتالي يكفر بوجود الله تبارك وتعالى.
توحيد الألوهية ، أو ” توحيد العبادة ”
وتوحيد العبادة هو الذي جاءت الرسل الكرام لتقريره والدعوة إليه من خلال إلزام الناس بتوحيد الألوهية .
بمعنى: إنكم بإقراركم بتوحيد الربوبية يلزمكم أن توحدوا الله سبحانه وتعالى في العبادة والطاعة والاتباع .
وما جاء الرسل صلوات الله وسلامه عليهم إلا لهذا ، كما ذكر في الآيات السابقات .
فكان الانحراف الذي وقع فيه الناس: أنهم عبدوا غير الله تبارك وتعالى . كما ثبت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: ( إن الناس كانوا على التوحيد عشرة قرون ) . في قوله تعالى: (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا). كانوا على التوحيد عشرة قرون ثم فشا فيهم الشرك وتعظيم الأولياء وتقديس الصالحين وتصويرهم ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة نوح : (وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) . فقالوا نصورهم ونعظمهم ونتذكر عبادة الله تبارك وتعالى بتعظيمهم . فلما نسخ العلم وضعف وتضائل ، عبدت هذه الصور وأصبحت آلهة من دون الله ، ثم بقيت هذه المعبودات في العرب ، حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل قبيلة من العرب معبود من هذه المعبودات مع غيرها .
توحيد الألوهية هو النوع الثاني من أنواع التوحيد ، وتوحيد الألوهية هو توحيد العبادة ، والعبادة : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والخفية ، ويدخل فيها أول ما يدخل : أعمال القلوب ، كالخشية والإنابة والرجاء والرغبة والرهبة والخوف والحب والدعاء والإخبات والتوكل والتضرع ، وغير ذلك .
نواقض توحيد الألوهية
الذي يفعله من ينقضون هذا الإيمان وهذا الأصل العظيم من طواغيت الخرافة والدجل ، هو أنهم يصرفون الناس عن عبادة الله ودعوة الله والاستغاثة بالله ، إلى الاستغاثة بالمخلوقين ودعوتهم والتضرع إليهم .
ولا يخفى هذا الحال في عالمنا الإسلامي اليوم . . . فإننا نجد – مثلا- الصوفية يعلمون الناس أن يستغيثوا بأوليائهم . مثل الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله – وكان – عابدا عالما لكنهم غلوا فيه ، حتى جعلوه إلها ، فيقولون : يا جيلاني ، أو يقولون : يا نقشبندي ، أو : يا تيجاني ، أو : يا سيدي فلان ، أو : يا علي – كما تفعل الروافض – ، يا حسين ، يا عباس ، يا كذا . فيغلوا هؤلاء كما يغلوا أولئك في دعاء غير الله عز وجل .
وإذا ألمت بهم مصيبة أو نزلت بهم ضائقة ، دعوا غير الله ، وبذلك يكونون أكثر نقضا للإيمان وتعلقا بالشرك من المشركين الأولين الذين كانوا (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي حينما تضيق بهم الدنيا وتأتيهم الريح ، يدعون الله مخلصين له الدين ، وهؤلاء كلما اشتدت بهم الكربات وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت يدعون غير الله . في حين أن المشركين يخلصون دينهم لله عز وجل في حال الشدة ، وإنما يشركون إذا نجاهم إلى البر (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) .
شرك الاتباع والطاعة في التشريع
ويتفرع عن توحيد الألوهية أمر عظيم وقعت فيه الأمة في هذا الزمن ، وهو خطب جلل خطير ، وهو أن يشرك مع الله تبارك وتعالى في الاتباع وفي الطاعة وفي التشريع ، وهذا مناقض للإيمان ، كما قال الله عز وجل : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) . وكما قال تبارك وتعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) ، وكما قال عز وجل : (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وقوله: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، وقوله : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا) . وآيات عظيمة كثيرة في هذا الشأن – كما في آيات الكهف والشورى – كلها تدل على انه لا بد من توحيد وتجريد متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشريع ، في الطاعة ، في التحليل والتحريم .
وناقض هذا الأصل : أن يعتقد أحد من الناس أن بإمكانه أن يتبع أي شيء أو أي دين سواء كان ذلك شرعا منسوخا ودينا موروثا، أو دين وضعي وشريعة وضعية .
فلو قال قائل: نحن مسلمون ، نصوم ونصلي ونحج البيت ، لكن في جوانبنا المالية نريد أن نأخذ شريعة التوراة لأنها سهلة وخفيفة وواضحة. لو قال قائل ذلك فإنه يكون كافر بالقرآن وبالدين كله ، ناقضا للإيمان مرتدا عن الإسلام .
فإذا قال آخر: لا نريد شريعة القرآن لأنها قديمة ، لكن نريد شريعة ” نابليون ” أو القانون الفرنسي أو القانون الأمريكي أو الإنكليزي ، أو أي قانون من القوانيين . . . فنأخذه في أمورنا المالية فقط والمعاملات التجارية ، أما الصلاة والصيام والزكاة والحج فنحن مسلمون . فنقول : لا ينفع ذلك لأن هذا قد نقض إيمانه باتباعه لغير شريعة الله تبارك وتعالى .
لا يكون الإنسان مؤمنا إلا بتحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا مناقض لشهادة ” أن محمدا رسول الله ” مناقضة عظيمة ، ولهذا في الآية الأولى لما قال تبارك وتعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) نفى الله تبارك وتعالى الإيمان عنهم حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم . لأن الأمر كما قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) لابد من طاعته (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) فإذا تولى عن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفض اتباعه فهو من الكافرين .
يقول ابن القيم رحمه الله ، هذه الآية: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) شملت ثلاث مراتب – هي نفس المراتب التي في حديث جبريل –
حديث جبريل: فسر فيه النبي صلى الله عليه وسلم : الإسلام والإيمان والإحسان . فأما الإسلام : فهو الحد الأدنى . وأول ما يدخل به الإنسان في هذا الدين . وهو الانقياد الظاهر لله عز وجل . كما في قول الله: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الإسلام في حديث جبريل ، يقابله التحكيم في هذه الآية (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) . فمن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مسلم ومن لم يحكمه فهو ليس بمسلم .
ثم قال بعد ذلك: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ) نفي الحرج في هذه الآية يقابل الإيمان في حديث جبريل . فمن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتفى الحرج من قلبه فقد ارتقى . أي أسلم ثم آمن .
(وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً) درجة التسليم هي التي تقابل الإحسان في حديث جبريل عليه السلام وهي أعلى درجات الإيمان .
ومن التسليم لأمر الله تبارك وتعالى والإذعان لشرعه فيما يتعلق بالمرأة المسلمة : أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى انزل هذه الشريعة وجعلها كلها رحمة وعدلا ، فكل من تشدق وزعم انه يرحم المرأة ، أو يعدل معها بإخراجها عما جاء في كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ، فإنه إنما يريد أن يخرجها من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر .
ولا شك أن اعتقاد ذلك: كفر بشريعة الله وكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن صدقت بذلك ، وانساقت ورائه فقد وقعت في الكفر الصراح . فيجب عليها أن تتوب وأن تتقي الله سبحانه وتعالى . وإن كانت تجهل ذلك فلتسأل أهل الذكر لتعلم أنها قد خرجت على شريعة ربها وعلى كتابه ، فلم يعد لها حق ولا حظ فيما وعد الله تبارك وتعالى به عباده المؤمنين الموحدين . . . فلتعد حالا ولتصدق التوبة والأوبة إلى الله تبارك وتعالى ولتتجرد عما دعته وعما اعتقدته أو وقعت فيه ، من شباك هؤلاء الضالين المضلين .
كلما تعلق بأحكام المرأة ، من الحجاب والقرار في البيت ومن أحكام العشرة الزوجية ومن أحكام الطلاق والعدة والحداد والميراث ، وغير ذلك . . . كله عدل وكله رحمة بها .
والله سبحانه وتعالى هو الذي شرع لنا هذه الشريعة ، ولو خرجنا عليها واتبعنا شرعة غيره ، لكنا من الكافرين المرتدين . عياذا بالله عز وجل .
توحيد الأسماء والصفات
ويكفر الإنسان وينقض إيمانه إذا نفى ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات – التي كما قال الله تبارك وتعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . فالله عز وجل له صفات الكمال ونعوت الجلال وكل ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء وصفات فإنما يدل على ذلك .
وإن خيل لبعض العقول أن بعضها ربما كان نقصا ، أو أن نفيه يكون تنزيه لله – بزعمهم – فنقول:
أن من نفى أسماء الله وصفاته ، فلا شك أنه قد خرج عن هذا الدين ، وعن هذا الإيمان ، ثم إنه بقدر ما ينحرف ، يكون خروجه جزئيا . . . حتى يصل به الحال إلى الخروج الكلي ، والعياذ بالله .
وهذا الأمر قد وقع الخلط فيه قديما وظهرت الفرق التي ضلت في توحيد الله في جانب الأسماء والصفات كالجهمية الذين نفوا أسماء الله وصفاته ، والمعتزلة الذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات ، والأشعرية الذين أثبتوا الأسماء وبعض الصفات ونفوا البعض الآخر.
والحق القويم ، هو ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم ، من إثبات كل ما أثبته الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تكييف ولا تحريف ولا تمثيل ، بل يقولون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكفر والكافرين
ثم هناك أمر رابع – لا يدخل في هذه الأنواع الثلاثة – لكنه لازم عظيم لها ، وإذا نقضه العبد فقد نقض إيمانه ، ونعني به :
وهذا جانب مهم جدا ، ولكننا في هذا الزمن نرى الكثير من المسلمين قد وقع فيما يناقض إيمانه حينما والى أعداء الله ، وعادى أولياء الله – نسأل الله العفو والعافية – والله تبارك وتعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) انظروا (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) وغير ذلك من الآيات كما في سورة الكافرين ، وفيها البراء منهم (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ… إلى آخرها) .
شرعت قراءة هذه السورة وسورة الإخلاص في راتبة المغرب والصبح . فالإنسان صباح مساء يتبرأ من المشركين ومعبوداتهم . يقول صلى الله عليه وسلم : «أنا بريء من كل مسلم بين ظهراني مشركين» – أو كما قال – ويقول في حديث آخر : «لا تترائا ناراهما» . نار المسلم ونار الكافر ، لأن كل منهما له طريق وله سبيل مختلف تماما عن الآخر .
والذي وقعت فيه الأمة الإسلامية في هذا العصر من نواقض الإسلام: أنها داهنت الكافرين والمشركين أحبتهم ووالتهم ، باستشارتهم ، بل حكمتهم !! . والله تعالى يقول : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) سبحان الله العظيم ما أكبر انطباق هذه الآية على واقعنا .
فهذا – أي الولاء والبراء – أعظم ملازم لتوحيد الله تعالى . وكما نص العلماء : أكثر ما ذكر الله عز وجل بعد توحيده وإفراده بالعبادة: الولاء والبراء من الكافرين . فالبراء أصل من أصول الإسلام . ويجب على كل مسلم أن يحافظ على ولاءه وبراءه.
وبهذا نستطيع أن نقول: إنا قد ذكرنا أعظم ما يجب على المسلم اجتنابه من نواقض الإسلام وهي كثيرة . منها نواقض الإسلام العشرة وغيرها .
ولكن حرصت أن أبينها من خلال ما يقابلها: التوحيد – أنواع التوحيد الثلاثة – وتحقيق الولاء والبراء .
وبتوضيح هذا: أكون قد وضحت نواقضها من الشرك والكفر واتباع غير الشرع وموالاة الكافرين .
المصدر
المكتبة الشاملة: محاضرة مفرغة بعنوان “الإيمان” لفضيلة الشيخ د. سفر الحوالي بتصرف يسير.
اقرأ أيضا
العلمانية والصوفية.. وإسقاط الشريعة
التلازم بين الحكم بما أنزل الله، والولاء والبراء .. في القرآن