إن العناية بتعريف الناس بخالقهم عزَّ وجلَّ من أعظم الغايات، بل هي الأساس الذي قامت عليه دعوات المرسلين، وعليه كانت أعظم النصوص القرآنية والنبوية هي التي تتحدث عن الله رب العالمين، وكانت أعظم النعم أن الله هدانا إليه وعرَّفنا به عليه، فعرَّفناه بنور وحيه، وهذا معنى قول من قال من أهل العلم: “عرفت ربي بربي، لولا ربي ما عرفت ربي”، أي أن الله عرَّفنا بنفسه من خلال حديثه عن نفسه في كتابه، ولولا هذا الوحي ما عرفنا الله سبحانه وتعالى.

في كتاب الله غنى عن كلام الفلاسفة والكتب المحرفة

إذا أنت فقهت حديث الله عن نفسه تكون قد عرفت الله بالله، وكنت على السداد والصواب، وسرت على الصراط المستقيم، وخلصت من الجهل والشرك، وانحزت إلى زمرة الإيمان، وكنت بالله عارفًا، ولدينه متابعًا، ولم يك حاجة إلا مقولات الفلاسفة، ولا إلى الدين المحرف الذي عليه المغضوب عليهم والضالون، ولا إلى النظريات التي يرددها علماء الغرب، ولو كان فيما يعلمه هؤلاء كفاية لما أرسل الله رسله، ولا أنزل الكتب، وفي يوم القيامة لا يسألنا ربُّنا عما قرره أصحاب العقول في القديم والحديث، بل يسألنا ربُّنا عما جاءت به نذر ربُّنا.

الآيات التي عرَّفنا فيها بنفسه في سورة البقرة

هاتان آيتان عظيمتان كريمتان حدَّثنا ربُّنا فيهما عن ذاته الكريمة سبحانه، فقد أعلمنا ربُّنا في الآية الأولى منهما أنه وحده المعبود الذي لا يستحق العبادة أحد غيره، وهذا أصل الدين وقاعدته، وأعظم فهم بعث الله به رسله، وأنزله في كتبه.

والأمر الثاني الذي عرَّفنا الله تعالى به عن نفسه سوقُه ثمانية آيات عظيمة أبدعها الله في كونه، ومن نظر فيها نظر معتبر، وتأمل فيها بصدق، كانت هادية له إلى بارئها ومبدعها سبحانه وتعالى، وسيأتي تفصيل القول فيها في شرح الآيات.

(وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة: 163 – 164].

تفسير المفردات في هذه الآيات

وإلهكم: الإله المعبود.

واختلاف الليل والنهار: تعاقبهما وتقارضهما.

والفلك: السفن.

فأحيا به الأرض بعد موتها: أحياها بالنبات والشجر.

الدابة: كل ما يدب على وجه الأرض من إنسان وحيوان وطيور.

تصريف الرياح: توجيه الرياح إلى مختلف الجهات.

لآياتٍ: لعلامات دالاتٍ على وحدانية الله تعالى.

شرح الآيات التي عرَّفنا الله فيها بنفسه

عرَّفنا ربُّنا – عزَّ وجلَّ – في هاتين الآيتين في هذا الموضع عن نفسه، وأعلمنا ربُّنا – عزَّ وجلَّ – أنه هو المعبود الذي لا يستحق أن يعبد معه أحد (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ).

وعرَّفنا – سبحانه – بصفتين من صفاته العظيمة التي تحبها نفوس المؤمنين، هما الرحمن الرحيم، وهما صفتان مشتقتان من الرحمة (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).

ثم أورد رب العزَّة في الآية الثانية من هذا الموضع ثماني آيات تدل على وحدانيته وعظمته وقدرته وبديع صنعه.

فمن ذلك أنه خلق السموات والأرض، وهما من أعظم ما خلقه ربُّنا، وقد مدح الله نفسه كثيراً بإيجادهما وخلقهما سبحانه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ومن ذلك أنه سبحانه خلق الليل والنهار على نحو معجب بديع، فهما يتعاقبان ويتقارضان، ويحقق وجودهما فوق الأرض الحياة المطمئنة للإنسان، (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار).

ومن تلكم الآيات العظيمة التي أبدعها الله في هذا الكون لبني آدم الفلك التي تمخر عباب البحار والأنهار، تحملهم إلى بلدٍ لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ).

وأعلمنا ربُّنا – عزَّ وجلَّ – أنه أنزل لنا من السماء ماء، فأحيا به الأرض بعد ما ذوت أشجارها، ومات نباتها (وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا).

ومما عرَّفنا الله أنه بثَّه ونشره في الأرض من الآيات الدواب من الإنسان والحيوانات والطيور، وهي تملأ الأرض في كلِّ أنحائها (وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ).

ومن ذلك خلقه – سبحانه – الرياح، وتوجيهها إلى مختلف أنحاء الأرض، أحيانًا تحمل السحاب بالخير والمطر، وأحيانًا تهيج وتحمل العذاب، وأحيانًا تثير البحر، فيغرق السفن (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ).

وآخر الآيات التي عرَّفنا ربُّنا أنه خلقها لنا (وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) تحمل الخصب والنماء، وتسير مشرقةً ومغربةً فتفرح النفوس، وتبهج القلوب.

كيف عرَّفنا الله تعالى بنفسه في هذه الآيات

عرَّفنا الله – عزَّ وجلَّ – في هاتين الآيتين بنفسه وفق ما يأتي:

1 – عرَّفنا سبحانه وتعالى أنه وحده المعبود الذي يستحق العبادة، ولا يستحق العبادة أحدٌ غيره في هذا الكون الواسع العريض.

2 عرَّفنا ربُّنا – سبحانه وتعالى – أنه هو الرحمن الرحيم.

3 – وعرَّفنا سبحانه أنه وحده خالق السموات والأرض.

4 – وأنه هو الذي خلق لنا الليل والنهار على هذا النحو الذي نراه ونشاهده.

5 – وأنه هو الذي خلق السفن تجري بنا وبأثقالنا إلى مختلف أنحاء الأرض.

6 – وهو الذي أنزل لنا الماء من السماء، فأحيا به الأرض بعد موتها، فأنبتت من كل زوج بهيج طعامًا لنا ولدوابنا.

7 – وهو الذي نشر في هذه الأرض الدواب تملأ السهل والجبل، وتمدنا بالغذاء والدواء.

8 – وهو الذي صرف الرياح في جنبات الأرض، منها الخفيف، ومنها الشديد، ومنها الذي يحمل الخصب، ومنها ما يحمل العذاب.

9 – وهو الذي سخر لنا السحاب يحمل هذه الكميات الهائلة من الأمطار تجودنا بالخير، وتروي حقولنا ومزارعنا سبحانه.

المصدر

كتاب: “الله يحدث عباده عن نفسه” عمر بن سليمان الأشقر، ص25-30.

اقرأ أيضا

أسماء الله الحسنى .. المعرفة للتعبد

أسماء الله الحسنى .. استقامة الرؤية والشعور.

العلم بأسماء الله الحسنی وصفاته العلا

التعليقات غير متاحة