من جميل ما كتبه ابن تيمية في واقعة غزو التتار للمسلمين، وما حصل فيها من الفتنة العظيمة، وانقسام الناس فيها إلى: ناصر وخاذل وكافر..
وكلامه فيها يُنزل على ما نحن فيه من واقعة غزة، والحرب الدائرة فيها بين الإيمان والكفر، بين أنصار الله وأوليائه وبين أولياء الشيطان وأنصاره، حيث رفع المنافقون رؤوسهم، وانكشفت خبايا الصدور، وفُضح المرتزقة والمندسون…
امتحان القلوب: التتار وغزة… اختبار يرفع أقوامًا ويخفض آخرين
فتأمل كلامه فيها، ووازنه بما نحن فيه من الفتنة والمحنة في نازلة غزة، فكأنما يتحدث عن واقعنا اليوم..
قال رحمه الله:
(فينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في عباده. ودأب الأمم وعاداتهم لا سيما في مثل هذه الحادثة العظيمة التي طبق الخافقين خبرها واستطار في جميع ديار الإسلام شررها، وأطلع فيها النفاق ناصية رأسه، وكشر فيها الكفر عن أنيابه وأضراسه، وكاد فيه عمود الكتاب أن يجتث ويخترم، وحبل الإيمان أن ينقطع ويصطلم، وعقر دار المؤمنين أن يحل بها البوار، وأن يزول هذا الدين باستيلاء الفجرة التتار، وظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض أن ما وعدهم الله ورسوله إلا غرورا، وأن لن ينقلب حزب الله ورسوله إلى أهليهم أبدا،وزُيّن ذلك في قلوبهم، وظنوا ظن السوء وكانوا قوما بورا، ونزلت فتنة تركت الحليم فيها حيران، وأنزلت الرجل الصاحي منزلة السكران… وميز الله فيها أهل البصائر والإيقان من الذين في قلوبهم مرض أو نفاق وضعف إيمان، ورفع بها أقواما إلى الدرجات العالية، كما خفض بها أقواما إلى المنازل الهاوية، وكفر بها عن آخرين أعمالهم الخاطئة، وحدث من أنواع البلوى ما جعلها قيامة مختصرة من القيامة الكبرى.
ثلاثة أحزاب لا تتغير: ناصر وخاذل وكافر في كل محنة
فإن الناس تفرقوا فيها ما بين شقي وسعيد في اليوم الموعود… وبُليت فيها السرائر، وظهرت الخبايا التي كانت تكنها الضمائر، وتبين أن البهرج من الأقوال والأعمال يخون صاحبه أحوج ما كان إليه في المآل، وذم سادته وكبراءه من أطاعهم فأضلوه السبيلا. كما حمد ربه من صدق في إيمانه فاتخذ مع الرسول سبيلا، وبان صدق ما جاءت به الآثار النبوية من الأخبار بما يكون، وواطأتها قلوب الذين هم في هذه الأمة محدثون كما تواطأت عليه المبشرات التي أريها المؤمنون وتبين فيها الطائفة المنصورة الظاهرة على الدين الذين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة. حيث تحزبت الناس ثلاثة أحزاب: حزب مجتهد في نصر الدين. وآخر خاذل له. وآخر خارج عن شريعة الإسلام. وانقسم الناس ما بين مأجور ومعذور، وآخر قد غره بالله الغرور. وكان هذا الامتحان تمييزا من الله وتقسيما)(1).
الهوامش
1- مجموع الفتاوى 427/29.
المصدر
صفحة الشيخ فيصل بن قزار الجاسم، على منصة X.
اقرأ أيضا
من ابن تيمية إلى الثابتين في وجه الباطل.. خمسةُ مواقف
هجمات (التتر) بين الماضي والحاضر
من بشائر النصر في اللحظات الحرجة .. مواجهة التتار والصليبيين
