خطة ترامب القديمة الجديدة

إن الدرس من أوسلو وصفقة القرن وخريطة الطريق واضح: ما لم تُعالج جذور القضية، ستبقى كل هذه الخطط أوراقًا على الطاولة، بينما يستمر الفلسطينيون في دفع الثمن على الأرض.

خطة ترامب 21: تساؤلات أكثر من إجابات!

منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023 وما تبعها من تدمير غير مسبوق في غزة، يعيش الفلسطينيون والمنطقة والعالم على وقع سؤال واحد: ماذا بعد؟

عشرات المبادرات ووساطات الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الإقليمية طرحت على الطاولة، لكن معظمها تعثّر عند العقبة نفسها: التناقض الجذري بين رؤية إسرائيل لأمنها ورؤية الفلسطينيين لحقوقهم.

في هذا السياق، برز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخطة قال إنها تتكون من 21 بندًا، تهدف إلى إنهاء الحرب وفتح صفحة جديدة.

ترامب قدّمها خلال اجتماعات الأمم المتحدة، وروّج لها باعتبارها “الاختراق” الذي يمكن أن يضع حدًا للصراع. لكن، ورغم الضجيج السياسي والإعلامي، فإن الخطة تثير من اللحظة الأولى تساؤلات أكثر مما تقدّم إجابات.

ملامح الخطة المسربة

بحسب ما رشح في وسائل الإعلام، تقوم الخطة على عناصر أساسية:

وقف فوري لإطلاق النار يتزامن مع الإفراج عن المحتجزين (لا حديث عن الأسرى الفلسطينيين).

انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، مع بقاء ترتيبات أمنية (لا جدول زمني).

تشكيل سلطة انتقالية دولية (GITA) تتولى إدارة غزة لسنوات، وربما يقودها سياسي غربي مثل توني بلير!

نشر قوة دولية متعددة الجنسيات – صلبها قوات عربية- لحفظ الأمن وضمان الاستقرار.

إطلاق برنامج إعادة إعمار شامل بتمويل خليجي ودولي.

إعادة غزة في نهاية المطاف إلى إدارة فلسطينية، مع إبقاء العلاقة بالضفة الغربية والقدس معلّقة إلى حين.

لكنّ الأهم والأكثر إثارة للجدل هو ما أشيع عن بند يسمح بـ”نقل مؤقت” لبعض سكان غزة إلى خارج القطاع أثناء عملية إعادة الإعمار. الفلسطينيون يقرأون هذا البند كإعادة إنتاج لفكرة التهجير، حتى لو جرى تغليفها بعبارة “مؤقت”، ما يثير حساسيات تاريخية مرتبطة بنكبة 1948.

منطق الخطة ومشكلاتها

اللافت أن هذه الخطة لا تخرج عن النمط المتكرر في المبادرات – الأمريكية: معالجة النتائج المباشرة للصراع دون الاقتراب من جذوره. – التركيز على الأمن أولًا، والإدارة الانتقالية ثانيًا، ثم وعود غامضة بالدولة لاحقًا.

من وجهة نظر فلسطينية، هذا المنطق ينطوي على أربع مشكلات كبرى:

  1. تجاهل الفلسطينيين: يتم طرح مستقبل غزة في أروقة واشنطن وعواصم عربية وغربية، بينما أصحاب الأرض والقضية يوضعون في موقع المتلقّي.
  2. أمن إسرائيل كأولوية مطلقة: كل البنية المقترحة تبدأ من فرض الاستقرار وفق الرؤية الإسرائيلية، بينما حقوق الفلسطينيين في الحرية والسيادة تؤجَّل إلى أجل غير معلوم.
  3. خطر التهجير: حتى لو سُمي “مؤقتًا”، أي نقل للسكان يُنظر إليه كخط أحمر وطني وقانوني، ويذكّر بجريمة النكبة.
  4. تجاهل القضايا الجوهرية: لا ذكر للاستيطان، أو القدس، أو الحصار، أو اللاجئين. وهي جميعها قضايا تمثل لبّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.

التحديات الإقليمية والدولية

تطبيق مثل هذه الخطة ليس سهلًا حتى لو وافقت واشنطن وتل أبيب:

مصر ترفض أي مشروع يعني إدخال غزة في إدارتها أو استقبال لاجئين على أرضها.

الأردن يخشى انعكاسات الخطة على الضفة الغربية ومصير اللاجئين.

دول الخليج قد تموّل الإعمار، لكنها لا تريد أن تتحمّل كلفة سياسية أو أمنية.

المجتمع الدولي يرى أن أي تهجير للسكان أو فرض إدارة خارجية دون موافقتهم قد يشكل خرقًا للقانون الدولي.

البعد السياسي لترامب

ترامب يقدّم نفسه كصانع صفقات، ويريد إعادة الولايات المتحدة إلى قلب اللعبة في الشرق الأوسط. لكنّ طرح خطة من هذا النوع يبدو أيضًا موجّهًا للجمهور الداخلي الأمريكي: إظهار أن واشنطن قادرة على وقف الحرب وإدارة ما بعدها.

إلا أن التجارب السابقة أثبتت أن أي خطة تتجاهل جذور القضية لا تصمد طويلًا، بل تتحول إلى وسيلة لكسب الوقت لصالح إسرائيل وترسيخ الوقائع على الأرض.

خطة ترامب ذات الـ21 بندًا قد تبدو للبعض “اختراقًا”، لكنها في نظر الفلسطينيين إعادة إنتاج لمقاربات فشلت من قبل.

هي ترتيبات إدارية وأمنية لإدارة الأزمة لا أكثر، دون معالجة حقيقية للاحتلال والحصار والحقوق الوطنية.

بهذا المعنى، تُقرأ الخطة لا كمشروع سلام بل كمشروع إدارة صراع، يحاول أن يُجمّل الواقع القائم ويطيل عمره – لصالح الاحتلال.

والدرس من أوسلو وصفقة القرن وخريطة الطريق واضح: ما لم تُعالج جذور القضية، ستبقى كل هذه الخطط أوراقًا على الطاولة، بينما يستمر الفلسطينيون في دفع الثمن على الأرض.

المصدر

صفحة د. إبراهيم حمامي، على منصة X.

اقرأ أيضا

ترامب وإسرائيل..وأصحاب الفيل ..!

مشروع ترامب لتهجير أهالي قطاع غزة

تشاجوس تتكرّر في فلسطين

التعليقات غير متاحة