عقارب الساعة لا تعود للوراء، وحقيقة انكسار قرن الصهيونازية لن تغطيها غرابيل مكر المتآمرين، وفي زحمة هذا الغبار المصطنع ليس هناك أوضح من حقيقة راسخة كالشمس في رائعة النهار عنوانها: نحن الطوفان، ونحن اليوم التالي.
مخاوف لا حقيقة
الحقيقة أنّ المخاوف التي تتملك المحب لغزة ومقاومتها؛ أو تلك التي يسعى لبثها المُغِرض على طريقة نجوى الشيطان ليحزن الذين آمنوا؛ هي مخاوف لا حقيقة لها على الأرض، وأنّها لا تعدوا مجرد افتراضات لا تستند لدراسةِ “معركة الطوفان” دراسةً متأنيةً، وتأمّلِ أحداثها ونتائجها ومآلاتها على المنطقة كلِّها.
حقائق ما بعد الطوفان
وأنّ ثمة جملة حقائق اعتبارها معينٌ على تصوّر الواقع، واستحضار شكل ومستوى حضور مشروع المقاومة في مستقبل غزة في يومها التالي وتالي التالي حتى يوم العودة وكنس المحتل عن بلادنا.
وسأكتفي بذكر بعضها على سبيل الإيجاز بما يناسب:
أولاً: بعيداً عن حساسية البعض من التصريح بانتصار القسام في هذه المعركة؛ دعونا نقف على ما لا يقبل جدلاً، وهو: إنْ لم ينتصر القسام في المعركة؛ فلا شك أن الكيان وقوى التحالف الدولي من أمامه قد هُزموا، وأنّ أيّاً من أهدافهم المرفوعة في حربهم لم تتحقق، وعليه: فمَن عجز عن كسر المقاومة مع فرط القوة المستخدمة، والقتل الممنهج؛ هو على الحقيقة أعجز من أن يحدد ملامح اليوم التالي لغزة؛ وأنّ الثبات الأسطوري، والمقاومة المنظمة، وامتلاك زمام المبادرة في كثير من مواطن الالتحام، يجعل الغزاة أمام اعتراف واضح: أنهم أمام حالة يصعب كسرها، ويستحيل ترويضها، وأنّ أيّاً من العملاء المأجورين يصعب عليه أن يؤدي المهمة التي فشلت فيها القوى العالمية ومعها جسور إمداد بحرية وجوية وبرية، وغطاء سياسي لا حد له.
ثانياً: المرتبطون بالمشروع الصهيوني قد صرحوا في عدة مواطن رسمية عالمية أنهم يشعرون بخيبة أمل من انكسار الهجمة العسكرية أمام المقاومة، وأنهم فوجئوا بهذا الأداء الفذ غير العادي للمقاومة في غزة، وأنّ أحداً لم يكن يتوقع أن تطول المعركة أكثر من 60 يوماً؛ لا أن تمتد لمدة 471 يوماً وفي خاتمتها يجلس الغزاة على طاولة المفاوضات ليقابلوا قادةً يحملون مشروعاً قد استعصى فناؤه أو حتى إضعافُه، وأنه جاء بحضور يمثل شرعيةً أمميةً ترتبط به أجيال أمتنا وتتطلع لفريد تجربته، وعظيم أدائه الذي قادهم لنفحات تاريخهم الصحابي الذي تربوا عليه، والمقاومة والحالة هذه تصعّب على الضباع البناء على ما تمنوا تحقيقه من كسر المقاومة أو إضعافها ضعفاً ملحوظاً يسهل معه تنفيذ الدور الإحلالي الوظيفي المهين!!
وهذا يقودنا لحقيقة ثالثة مرعبة يخشاها الغزاة مجتمعون والأنظمة المرتبطة بهم ارتباط حبل الناس المهترأ!!
وهي: غزة إنْ لم تُقدّم لها مقاربة سياسية تمثل المقاومة فيها عنصراً فاعلاً لا يقبل المساومة على سلاحه، أو إحاطة مشروعه التحرري بقيود الانكفاء على أزمة إنسانية تمثل عامل ابتزاز مستمر؛ فإنّ أحداً لن ينعم بالأمن القريب، ولا تعدو كل تلك المحاولات البائسة إلا مجرد تأخير الانفجار التالي الذي لم تُنتزع فتائل تأجيجه وتصاعد دائرة انفجاره، وقد يحمل في قادم مواجهته شعوراً بالخذلان والتآمر الخدمي، والذي تختلط معه موازين التمييز في كثير حالاته، ولا شك أنّ أحداً في منطقتنا وفي مقدمتهم العدو الصهيوني يحب أن يرى فوضى منظمة تحسن الإيلام لمجرد الإيلام فقط والانتصار لمظلومية شوشت على صوت العقل المطلوب، وأحسن الأعداء -كما يقولون دوماً- هو العدو العاقل لا المتهور الجموح الذي لا يملك ما يخسره، وتلك موازنة سيحرص العدو على انتظامها أكثر من غزة.
رابعاً: تعال أحدثك عن حالةٍ تمثل ثقافةً لجيلٍ فريدٍ يبحث عن “ثلث الفرصة” حتى يؤلم عدوّه إيلاماً مقطِّعاً.
في أحد كمائن الموت للعدو في غزة، كانت العبوة عبارة عن مادة متفجرة مأخوذة من صاروخ للعدو لم ينفجر، موضوعة داخل علبة حليب (NIDO)!! وقد قتل معها أكثر من 7 جنود في ما يشبه تسلية العقل “الغزاوي” غير المكلفة في استنزاف عدوٍّ أمريكي بريطاني ألماني فرنسي في صورة الكيان الصغير !!
وعليه فمن رأى في علبة حليب النيدو (NIDO) فرصةً لاستمرار جذوة المقاومة، فلا تملك قوةٌ أن تقهره، أو تباريه، وهي وإن رأت جزءًا من نجاح تكتيكي فهو في حقيقته صورة الفشل الاستراتيجي على مدىً ليس ببعيد، وأفضل ما يمكن تدارُكه في هذا السقوط الملحوظ، هو الاعتراف بهذا الوجود المقاوم على أرض غزة وعدم مصادمته.
عقارب الساعة لا تعود للوراء، وحقيقة انكسار قرن الصهيونازية لن تغطيها غرابيل مكر المتآمرين، وفي زحمة هذا الغبار المصطنع ليس هناك أوضح من حقيقة راسخة كالشمس في رائعة النهار عنوانها: نحن الطوفان، ونحن اليوم التالي.
قال الله العزيز الحكيم: ﴿إِنَّ الَّذينَ كَفَروا يُنفِقونَ أَموالَهُم لِيَصُدّوا عَن سَبيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقونَها ثُمَّ تَكونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبونَ وَالَّذينَ كَفَروا إِلى جَهَنَّمَ يُحشَرونَ﴾ [الأنفال:36].
المصدر
صفحة د. نائل بن غازي، على منصة X.