544 – مفهوم 6: شطط المتصوفة في أعمال القلوب
كما اعتنى السلف الصالح رضي الله عنهم بالقلوب وأعمالها وأحوالها اعتنى أيضًا المتصوفة بذلك، ولكنهم بالغوا فيه مبالغة تتجاوز حدود الكتاب والسنة في توصيف أعمال القلوب وتفصيلها؛ ولذا فقد شطوا في ذلك المجال وضلوا من حيث أرادوا الهداية؛ فلا تكاد تجد عملًا من أعمال القلوب إلا ولهم فيه ضلال وانحراف؛ فمن ذلك:
1 – ضلالهم في الرضا: حيث جاوزوا الحد في الرضا بقضاء الله وقدره، فخلطوا بين إرادة الله الكونية وإرادته الشرعية، واعتقدوا وجوب الرضا بالكفر والفسوق والعصيان بحجة أنه لو لم يكن الرضا به مطلوبًا لما وقع في الكون، فوقعوا بذلك في الجبر المحض تحت ستار عبارات لهم في ذلك غالية غامضة مثل: «شهود الحقيقة الكونية»، و«الاستبصار بسر الله في القدر».
2 – ضلالهم في محبة الله: حيث أدَّى تعظيمهم لها إلى احتقار كلٍّ من الخوف والرجاء؛ أعني الخوف من الله تعالى وعذابه، ورجاء جنته وثوابه، وعَدُّوا ذلك أضعف مقامات السالكين إلى الله، وزعموا أن عبادة الله تكون لذاته فحسب لا طمعًا في جنته ولا خوفًا من ناره، وجعلوا ذروة المحبة هي الفناء في المحبوب، وهي عندهم خاصة بأولياء الله فقط، ومقامهم عندهم أعلى من مقام الأنبياء.
وبسبب هذا الضلال منهم في المحبة قال السلف فيهم: «من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق». والصحيح أن يُعبد الله بكل من المحبة والخوف والرجاء.
3 – ضلالهم في التوكل على الله: حيث جعلوا التوكل تواكلًا رخيصًا وتسوُّلًا، وتعمَّدوا إلحاق الضرر بأنفسهم بتركهم للأسباب المشروعة والدعاء الذي هو أعظم العبادة ولبها، فضلًا عن غفلتهم عن أعظم درجات التوكل، وهي: التوكل على الله في إقامة دينه والجهاد في سبيله، ومقاومة الكفر والفساد كما كان توكل الأنبياء عليهم السلام.
4 – ضلالهم في الزهد: حيث أخرجوه من كونه عملًا قلبيًّا إيجابيًّا إلى مظهر سلبي حرَّموا به الطيبات من الرزق، كما حرَّموا طلب العلم، وزعموا أن من يشتغل به له الشريعة أما هم فلهم الحقيقة؛ لأن العلم يؤدي إلى تقدير الناس للعالم ويشغل عن الجمعية على الله، وهذا ينافي الزهد. فجعلوا الزهد فقرًا وجهلًا، وسموا أنفسهم: الفقراء.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445

