202 – مفهوم 15: صورتان للانحراف في فهم القدر

1 الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي والكفر؛ وقد قال تعالى فيهم: (سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ) [الأنعام:148]، فأكذبهم الله في دعواهم تلك. وهؤلاء وأمثالهم مكابرون ومتناقضون في دعواهم، ولا يمكنهم اطرادها في كل أمر؛ فلو أساء إليهم مسيء بضرب، أو سب، أو سلب حق، ثم احتج عليهم بأن ذلك موجب القضاء والقدر، لم يقبلوا منه ذلك، بل سيغضبون منه أشد الغضب، وسينافحون عن حقهم المسلوب، فيا عجبًا كيف يحتجون بالقدر على المعاصي وما يسخط الله ولا يرضون من أحد أن يحتج به في مقابلة سخطهم عليه لما يغلط به عليهم!

2 الجمود والتواكل: حيث اتخذ بعض المسلمين في العصور المتأخرة الإيمان بالقدر مبرِّرًا واهيًا لعجزهم وانهيارهم، ورضاهم بالفساد والمهانة؛ متناسين أن أقدار الله إنما تجري عليهم في الأصل وفق سنن الله الثابتة التي تربط المسببات بأسبابها، فكان ذلك العجز والتواكل هو المنفذ الرئيس لتسرب الفكر العلماني إلى واقع الأمة المسلمة وسيطرته على مقاليد الأمور فيها. وقد سمَّى مالك بن نبي هذا العجز وقبول الذل بـ(قابلية الاستعمار)، وسمَّاه المودودي: (قابلية الاستعباد).

ولا شك أن الحق في هذا الأمر يكون -كما ذكرنا من قبل- في التوازن بين العمل بكل ما في الوسع لدفع المحذور حتى نصل إلى منتهى الاستطاعة، ثم الاستسلام لما يقدره الله لإيماننا به؛ وهذا يعني فعل الأسباب التي سخَّرها الله لنا، ومدافعة أقدار الله عزّ وجلّ بأقداره ما دام هناك إمكان للمدافعة؛ كما قال تعالى: (وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ) [البقرة:251]، فإذا لم تُجدِ المدافعة، أو لم يكن ذلك في الإمكان، فالواجب الصبر على قضاء الله وقدره، مع اليقين بأن وراء ذلك خيرًا ومصلحة ورحمة ينبغي بذل الجهد في التماسها وتسخيرها للخير والإصلاح، وتغيير أحوال الناس بمحاسبة النفوس وإزالة أسباب المصيبة؛ إيمانًا بقول الله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ) [الرعد:11].

وبهذا يتضح جليًّا الفرق بين التوكل والتواكل حيث:

التوكل هو: عمل القلب وعبوديته؛ اعتمادًا على الله، وثقة به، والتجاءً إليه، وتفويضًا إليه، ورضًا بما يقضيه مع قيام المرء بالأسباب المأمور به.

والتواكل: عجز وتعطيل للأسباب، وتفريط فيها زعمًا أنه من التوكل والإيمان بالقدر.

المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445

انظر أيضا

مفاهيم حول الإيمان بالقدر

موضوعات كتاب: خلاصة مفاهيم أهل السنة

التعليقات غير متاحة