201 – مفهوم 14: طلاقة المشيئة الإلهية وثبات السنن الكونية
الأخذ بالأسباب مع عدم التعلق بها مبني على إدراك طلاقة المشيئة الإلهية التي قد تخرق ثبات السنن الكونية لحكمة يعلمها الله؛ فالله سبحانه قادر متى شاء وكيف شاء أن يخرق هذه السنن؛ فهو: (فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:16]، وهو: (عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) [البقرة:20]؛ فقد منع الله النار أن تحرق إبراهيم عليه السلام خلافًا لثبات هذه السنة الكونية؛ قال تعالى: (قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ) [الأنبياء:69]، ورزق زكريا عليه السلام بيحيى عليه السلام رغم كبر سنه وكون امرأته عاقرًا؛ قال تعالى: (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَقَدۡ بَلَغَنِيَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِي عَاقِرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ) [آل عمران:40].
فالخلاصة أن المؤمن ينبغي أن يأخذ بما يستطيع من الأسباب، ويُعلِّق رجاءه بعد ذلك بالله وحده؛ فيكون بذلك وسطًا بين من يٌفرِط في النظر إلى ثبات السنن الكونية وحتميتها وعدم قابليتها للتخلف بحال، ومن يُفَرِّط في الأخذ بالأسباب زاعمًا اعتماده على مشيئة الله وطلاقتها، ومثال تلك الوسطية: ما قام به المسلمون في غزوة بدر؛ حيث أخذوا بما يقدرون عليه من الأسباب، واستنفدوا وسعهم في ذلك، وعلَّقوا رجاءهم بالله، فأمدَّهم سبحانه بالملائكة الذين مكنوهم من النصر رغم قلة عددهم وعتادهم -وهو المخالف للمعتاد في نظر الناس- قال تعالى: (إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ) [الأنفال:9].
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445