77 – مفهوم 17: اسما الله: «الأول» و«الآخر» وآثار الإيمان بهما
«الأول» في اللغة هو موضع التقدم والسبق، والذي يأتي غيره بعده -سواء كان ذلك في الزمان، أو المكان، أو الرتبة والمنزلة- و«الآخر» عكسه؛ فهو الذي ليس بعده شيء.
وقد ورد الاسمان في القرآن الكريم مقترنين ببعضهما البعض؛ قال تعالى: (هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ) [الحديد:3]؛ فـ«الأول» في حق الله تعالى معناه: الذي ليس قبله شيء، و«الآخر» هو الذي ليس بعده شيء كما فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه، قال: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر) [رواه مسلم (2713)].
– فاسم الله «الأول» يدل على أن كل ما سواه سبحانه حادث كائن بعد أن لم يكن.
– واسم الله «الآخر» يدل على أن كل ما سواه مآله إلى فناء، والله وحده هو الباقي الذي لا انتهاء لوجوده.
وقد اشتهر عند المتكلمين تسمية الله تعالى ووصفه بلفظ: «القديم»؛ يريدون به ما لا أول لوجوده، وهذا معنى صحيح لكن لم يأت به نص من الكتاب أو السنة، فليس هو من أسماء الله الحسنى، والأولى الالتزام بلفظ: «الأول»؛ لموافقته لما ورد في كتاب الله تعالى، ولعموم معناه أيضًا في اللغة؛ فإن «القديم» يعم كل ما تقدَّم على غيره في الزمان فقط، بخلاف «الأول» الذي يدل على التقدم المطلق على كل شيء.
ومن أهم آثار الإيمان بهذين الاسمين الكريمين:
1 – الافتقار إلى الله وحده، والتجرد من التعلق بالأسباب والركون إليها:
– فاسم الله «الأول» يقتضي قصر النظر على سبق فضل الله ورحمته؛ فهو المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها بأي وسيلة من العبد، وفضله سابق على الوسائل، بل الوسائل نفسها هي من فضله وجوده.
– واسم الله «الآخر» يقتضي كذلك عدم الركون للأسباب أو الوثوق بها؛ لأنها تنعدم وتنقضي لا محالة، ويبقى الله الدائم الباقي.
فالتعبد بهذين الاسمين الكريمين يحقق الافتقار إلى الله وحده؛ كونه المبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، والباقي بعدها، الذي ليس له نهاية ولا زوال؛ فهو أول كل شيء وآخره.
2 – تحقيق العبودية لله تعالى ومحبته؛ فهو «الأول» الذي ابتدأت منه المخلوقات، و«الآخر» الذي انتهت إليه عبوديتها وإرادتها ومحبتها، فليس وراء الله شيء يُقصد أو يعبد ويتأله؛ فكما خلقنا وحده وجب علينا عبادته وحده لتصح عبوديتنا له باسميه: «الأول»، و«الآخر».
3 – إدراك أن الله سبحانه هو المعد والممد، ومنه السبب والمسبَّب؛ كما قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ زَادَهُمۡ هُدٗى) [محمد:17]، فهداهم أولًا فاهتدوا، فزادهم هدى ثانيًا، وهذا من سر اسميه: «الأول»، و«الآخر».
4 – تحقيق الاستعاذة به سبحانه؛ فهو الذي يعيذ من نفسه بنفسه كما قال أعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك منك) [رواه مسلم (486)].
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445