65 – مفهوم 5: شُبه نفاة الصفات والرد عليها
يزعم المعطلة نفاة صفات الله تعالى أنهم إنما ينزهون الله عزّ وجلّ ويوحدونه بنفيهم هذا، وشُبهُهم في ذلك:
1 – أن إثبات الصفة يقتضي تشبيه الله بمخلوقاته؛ لأننا لا نعرف الصفة في الوجود إلا للمخلوقات، فإذا أثبتناها لله عزّ وجلّ فقد شبهناه بمخلوقاته.
وجواب ذلك: أنه لا يلزم بحال من إثبات الصفة التشبيه؛ بل نثبت صفة الخالق دون تشبيهها بصفة المخلوق؛ فالمخلوقات نفسها تشترك في بعض الصفات ولا تتشابه فيها؛ فالإنسان له يد، والحيوان له يد، وشتان ما بين اليدين -وهما مخلوقتان- وإنما يوجد القدر المشترك بين الصفات في الذهن فقط دون واقع الأمر وحقيقته، فكيف بالخالق المباين لمخلوقاته في جميع صفاته التي كلها كمال وجلال.
2 – زعمهم أن القول بتعدد الصفات يفضي إلى القول بتعدد الذوات؛ لأننا لو أثبتنا الصفات لله لكانت قديمة مثله، وهذا يفضي إلى القول بتعدد القدماء، وهو ينافي التوحيد.
وجواب ذلك: أن ذلك هراء وهذيان؛ فصفات الله سبحانه قائمة بذاته وليست منفردة؛ فهي صفات جلال وكمال لذات واحدة.
3 – أما الأشاعرة الذين أثبتوا لله سبعًا فقط من الصفات دون بقيتها فقد وقعوا في التناقض، ورد عليهم كل من أهل السنة والمعطلة بأن إثباتكم لهذه الصفات السبع -التي تقولون: إن العقل دلَّ عليها- يوقعكم في التشبيه المزعوم الذي تدَّعون الفرار منه؛ فكل صفة من هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه في كتابه الكريم قد أثبتها لغيره من مخلوقاته -وإن اختلفت حقيقة كيفيتها-:
– فالله عزّ وجلّ وصف نفسه بالقدرة فقال: (إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) [البقرة:20]، ووصف بعض المخلوقين بالقدرة فقال: (إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ) [المائدة:34]، ولكنا نقول: لله تعالى قدرة حقيقية تليق بكماله وجلاله سبحانه، كما أن للمخلوقين قدرة تناسب حالهم وعجزهم وفنائهم، وما بين القدرتين من الاختلاف كما بين ذات الخالق وذوات المخلوقين من اختلاف، وهكذا في سائر الصفات السبع:
– فالله تعالى وصف نفسه بالإرادة فقال: (إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ) [يس:82]، ووصف بعض المخلوقين بالإرادة فقال: (تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ) [الأنفال:67].
– ووصف نفسه عزّ وجلّ بالعلم فقال: (وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ) [التغابن:11]، ووصف بعض المخلوقين بالعلم فقال: (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ) [الحجر:53].
– ووصف نفسه عزّ وجلّ بالحياة فقال: (ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ)[البقرة:255]، ووصف بعض مخلوقاته بالحياة فقال: (وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ)[الأنبياء:30].
– ووصف نفسه عزّ وجلّ بالسمع والبصر فقال: (إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ) [المجادلة:1]، ووصف الإنسان المخلوق بأنه سميع بصير فقال: (إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيرًا) [الإنسان:2].
– ووصف نفسه بالكلام فقال عزّ وجلّ: (وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا) [النساء:164]، وقال: (وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ)[الأعراف:143]، ووصف بعض المخلوقين بالكلام فقال: (فَلَمَّا كَلَّمَهُۥ قَالَ إِنَّكَ ٱلۡيَوۡمَ لَدَيۡنَا مَكِينٌ أَمِينٞ) [يوسف:54].
فما يزعمه الأشاعرة من أن إثبات الصفات يقتضي التشبيه يلزمهم في الصفات السبع التي يقرونها بعقولهم، ولو قالوا: إن الصفات السبع ثابتة لله على ما يليق بجلاله وكماله، وليست مثل صفات المخلوقين، نقول لهم: إذًا يلزمكم تعميم ذلك في سائر الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا صحة لما تزعمونه من فرق بين صفات الذات وصفات المعاني، وإلا كنتم متناقضين في دعواكم.
والخلاصة إذًا هي وجوب إثبات كل ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من أسماء حسنى وصفات عليا، والجزم بأنها كلها صفات حقيقية تليق بجلال الله وكماله سبحانه، وتفارق ما لدى المخلوقين من صفات تناسب حالهم الذي لا يخلو من عجز ومآله إلى الفناء، وما بين أوصافه سبحانه وأوصاف مخلوقاته من الاختلاف هو كما بين ذات الخالق وذوات المخلوقين من مباينة واختلاف.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445