تأمل لحظة.. هل السنن الإلهية حتمٌ لا مفرّ منه؟
وما السر في ثباتها وجريانها عبر الزمان والمكان؟

حين تتدبر القرآن الكريم بتأنٍّ ووعي، تجد أن السنن الإلهية ليست مجرد حكايات تاريخية، بل قوانين ربانية جارية في حياة البشر، تُحكم بأمر الله وتمضي في خلقه بعدله وحكمته. ولأن فهمها من مفاتيح الفقه في الدين والبصيرة في الواقع، فإن التعمق في خصائصها ومعانيها يفتح أبوابًا من الوعي واليقين لا تُقدّر بثمن.

تأمل وأنت تتلو

من خلال تلاوتك للقرآن ؛ حاول أن تَتَبْع كُلياتِه في موضوعاته وقضاياه الكبرى، ومن ذلك حديثه عن [السُّنن الإلهية وأحكامها القدرية].

وقد عرفها العز ابن عبد السلام (ت: 660هـ): بقوله : ” ﱡسُنَّةَ اللَّهِﱠ: طريقته السالفة في نصر رُسله وأوليائه على أعدائه ” تفسير المواردي..

خصائص السُّنن الربانية

سترى وانت تتدبر كتاب الله، أن السُّنن الربانية  تتميز بخصائص؛ منها:

  1. أنها قَدَرٌ سابق؛ علينا أن نُؤمن به ونُسَلِم له

قال الله تعالى: (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا )   {الأحزاب: 38}

2… أنها لا تَتَبدل في انتظام وقوعها على من لم يُسَلِموا بها..

قال تعالى: ( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 60- 62]

3..  أنها لا تتحول إلى غير مُستحقها، وإن طال انتظارها..

قال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)  (فاطر/ 43).

4.. أنها لا مستحيل أمامها  إذا ما توافرت في المؤمنين شروطها..

قال تعالى : ( وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) {الفتح: 22، 23}

5.. أنها تُعاجل من عاندوها ، وتَعجلوا أسبابها..

قال تعالى:  ( وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا  )  {الإسراء: 76، 77}

6..  أنها ماضية ، لا تتوقف عند زمان أو مكان

قال تعالى: ( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) {الأنفال:38}

7.. أنها لا تُخالَف مثل التكاليف الشرعية.. فلا  يمكن عصيانها،  ولا الخروج على أحكامها..

قال تعالى: [ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ(82 ) فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرِحُوا۟ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوۡا۟ بَأۡسَنَا قَالُوۤا۟ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِینَ(84) فَلَمۡ یَكُ یَنفَعُهُمۡ إِیمَـٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡا۟ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ فِی عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ(85) ] [غافر: 82- 85].

8.. أنها لا تهدي المعاندين، ولكن تعظ المتقين..

قال تعالى:  [قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(139) ] {آل عمران: 137- 139}

9.. أنها تسري بقدر الخير على الأبرار  ..

قال تعالى:  [مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا(39) ] {الأحزاب:38، 39}

10 ..  كما تجري بقدر الشر على الأشرار والفجار..

قال تعالى: ( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ) {الأنفال:38}.

هذا عن أبرز الخصائص العامة للسنن الإلهية، أما أنواعها في كتاب الله وفي سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  فهناك الكثير من تفاصيلها التي تعرف من أمثلتها.. ولا يستقيم فهم الحقائق الكبرى دونها..

مسؤولية المتدبر في تتبع آثار السنن الإلهية

فعلى كل متدبر في كتاب الله أن يبذل المستطاع في استخراجها، لمراقبة آثارها ومواضع جريانها بالخير للأخيار المتقين ..وبالشر للأشرار المكذبين بالدين، وفي هذه الدنيا العاجلة.. قبل الآخرة الآجلة..

المصدر:

د. عبد العزيز كامل

اقرأ أيضاً:

التعليقات غير متاحة