لم تنشإ إسرائيل فجأة في 1948، بل هي نتيجة عملية تدريجية من التهيئة الاستعمارية تحت الانتداب البريطاني، تم خلالها بناء دولة كاملة لليهود داخل فلسطين عسكريًا وسكانيًا وإداريًا بين 1918 و1948 على حساب حقوق وممتلكات الشعب الفلسطيني.

التأسيس المتدرج لإسرائيل تحت الانتداب البريطاني

إذا حاولت أن تفهم قضية فلسطين وفكَّرتَ في قراءة تاريخها، فمن أهم الاكتشافات التي ستتفاجأ بها أن إسرائيل لم تنشأ في 1948م..

لقد ظلت تنشأ وتتكوَّن وتترسخ على الأرض، وبطبيعة الحال جرى هذا في حضانة المحتل الإنجليزي ورعايته.

تضاعف عدد اليهود 13 ضعفا، فبعد أن كانوا حوالي خمسين ألفا عام 1918، أي 8% من السكان، بلغت أعدادهم 650 ألفا، وكان يملك الفلسطينيون 98.5% من أراضيهم عام 1918 م، فصار اليهود عند 1948 يملكون 6% من الأرض. وبعد أن لم يكن لليهود جندي واحد في فلسطين صار لهم نحو 60 ألف جندي، وثلاثة مصانع للأسلحة، ومخابيء سرية ومخازن كبيرة للأسلحة، ومئات بل آلاف السيارات المصفحة، وطائرات تجوب سماء فلسطين وتقصف المدن والقرى. وبعد أن لم يكن لليهود في فلسطين تنظيم شعبي أو هيئة قيادية، صار لهم فيها حكومة قائمة!!

وطنية وهمية: كيف حاكمت الأنظمة العربية “عمالة” الآخرين وهي في أحضان المستعمر؟

وخذ عندك هذه المعلومة التي لا يعرفها أكثر الناس الآن..

في ذلك الوقت، كانت الحكومات العربية (تبدو مستقلة)، وتتصرف على هذا النحو المستقل.. سواء في مصر أو في الأردن، ولم يكن مقبولا أن تتعامل مع ملك مصر أو ملك الأردن باعتبارهم خاضعين للإنجليز.. يعني: نفس حالتنا الآن!! يحدثك عن الوطنية والاستقلال والعروبة، وربما يحاكمك بتهمة العمالة للإنجليز وتعريض أمن الوطن للخطر، في الوقت الذي يبيت هو في أحضان الإنجليز!!

السؤال هنا.. إذا لم تنشأ إسرائيل في 1948، فماذا إذن الذي حدث في هذا العام؟

حدث أمران.. وأريدك -عزيزي القارئ- أن تنتبه معي، فهما مقصود هذا الكلام.. الذي حدث هو:

  1. (الإعلان) عن قيام دولة إسرائيل!
  2. (تصفية الجيوب) التي تعيق قيام هذه الدولة!

أما الإعلان فهو مفهوم.. إنه يشبه وضع الختم على القرار.. فبعد تهيئة الأمور والتدبير والإعداد والتخطيط.. يأتي إصدار القرار والتوقيع عليه وإعلانه في الجريدة الرسمية!

وأما تصفية الجيوب فمعناها: تهجير المدن ذات الكتلة السكانية العربية الكبيرة لكي يستقيم بقاء الدولة الجديدة.. لم يكن ممكنا أن تقوم إسرائيل وفيها مدينتان مثل حيفا ويافا..

لذلك حصلت مؤامرة خاصة على تهجير هاتين المدينتيْن تحديدا.. لن يتسع الوقت لأحكي لك قصتهما.. لكن ابحث عنهما لترى المأساة.

والآن.. ماذا أريد أن أقول؟

أريد أن أقول بوضوح: لا تستغرب يا عزيزي القارئ إذا كنا نعيش الآن حالة “إسرائيل الكبرى” التي تتمدد من النيل إلى الفرات لكن دون (الإعلان) الرسمي عن ذلك.

لو رجعت إلى أجواء 1948، كنتَ سترى مظهرا عروبيا هادرا في رفض إسرائيل وفي الاستعداد لقتالها حتى بإرسال الجيوش وإرسال المتطوعين والإعلان عن فتح معسكرات التدريب وجمع التبرعات، فضلا عن المواقف السياسية الهائجة..

اكتشفنا بعد السنين، بعد أن صارت الأحداث تاريخا، أن هذا كله كان جزءا من المؤامرة!!

الحدود الحقيقية لإسرائيل

هل تتذكر تغريدة إيدي كوهين التي صدقت فعلا والتي قال فيها: النقطة التي ستتوقف فيها قافلة الصمود هي الحدود الحقيقية لإسرائيل.. وبالفعل توقفت القافلة عند حدود سيطرة حفتر في شرقي ليبيا؟!

ثم توقفت مرة أخرى عند مطار القاهرة وفنادق القاهرة التي دوهمت فيها مجموعات النشطاء الآتين بالطيران.. ثم مرة أخرى عند الإسماعيلية على حدود قناة السويس!!

حين ترى أن النقطة الوحيدة التي أغلقت على إسرائيل (التجارة البحرية في باب المندب، بفعل ضربات الحوثيين) قد نشطت لها دول الخليج والأردن فصنعت مسارا آخر لنقل البضائع بريا.. ثم مسارا آخر بحريا ينتهي إلى بورسعيد ومنها إلى ميناء أسدود!!

حين ترى المناورات العسكرية الإسرائيلية العربية المشتركة تقوم في المغرب، وفيها يجري التدريب على اقتحام الأنفاق!!

حين ترى الإعلام العربي عموما يتبنى الرواية الإسرائيلية وينزل بثقله الفضائي والإلكتروني على غزة وأهلها.. ويصير نجومه هؤلاء الذين يقولون الخيانة العلنية جهارا نهارا!!

حين ترى أفرادا من اليهود وصلوا إلى بلادنا المقدسة ونفخوا فيها البوق وأقاموا فيها شعائر يهودية!!

إن الطائرات الإسرائيلية تطير فوق سائر هذه المساحة العربية، حتى فوق الدول التي لم (تعلن) التطبيع معها.. بل حتى فوق الشرق التركي، الدولة التي أعلنت حظرا للطيران الإسرائيلي فوقها!!

التأسيس قد اكتمل ولم يبق إلا الإعلان الرسمي

ألا يشير هذا كله إلى أننا في وضع مشابه لذلك التاريخ.. قبل 1948، حين كان أجدادنا يظنون أنهم مستقلون، وأن الحكومات لن تسمح بقيام إسرائيل، بل وأنها سترسل الجيوش والمتطوعين لمنع “تدنيس عروبة فلسطين”؟!!

ألا يجعلنا هذا نتوقع أنه ما بقي إلا (الإعلان) عن إسرائيل الكبرى التي هي في حقيقة الأمر تسيطر على هذه المساحة بين النيل والفرات؟!!

أفهم أنه قد يبدو كلاما مبالغا فيه ومتطرفا.. تماما مثلما كان سيوصف بهذا من كان يقول في عام 1948م: لقد اتفق الجميع على إنشاء إسرائيل، وإسرائيل قد قامت بالفعل!

ثم لم يبق إذن إلا تصفية الجيوب.. الجيوب التي تعيق قيام هذه الدولة!!

المعركة واحدة: من غزة إلى السجون.. حرب على صحوة الأمة

وهذا الذي يحدث في غزة.. وهو نفسه الذي يحدث لكل حركة إسلامية، غير أن غزة يقتلها الصهاينة بأنفسهم مع الدعم الإقليمي والدولي، وأما سائر الحركات الأخرى فتتكفل بها الحكومات (العربية والإسلامية، الوطنية)..

ولهذا لا تسمع في فضاء ساحتنا العربية والإسلامية إلا حديث “الإرهاب” وحديث “الجماعات الإرهابية”!!

نحن في لحظة تحتاج إلى كل جهد، وكل كلمة حق، وكل حركة سعي، وكل دينار ودرهم وفلس، وكل قطرة بطولة، وكل عضة صبر، وكل مسكة ثبات..

فكل هذا الذي يدبرون له قد ينهار وينقلب على رؤوسهم إن كان فينا بقية من صبر وعمل وجهد وثبات.. فإما أن ننجح أو نلقى الله على ذلك!

المصدر

صفحة الأستاذ محمد إلهامي، على منصة X.

اقرأ أيضا

إسرائيل الكبرى.. و(المفاجأة) الكبرى..!

منبع الشر الكبير: النظام والسلطة

التعليقات غير متاحة