104 – مفهوم 44: نموذج للطف الله بعباده المتقين وتهيئة أسباب نجاتهم وتمكينهم
من مقتضى اسم الله (اللطيف) -كما أسلفنا- أن يأتي بأسباب نجاة عباده المتقين شيئًا فشيئًا بالتدرج لا دفعة واحدة، ومن أوضح صور ذلك: ما قدَّره سبحانه لنبيه موسى عليه السلام ومن معه من العباد المتقين للنجاة من فرعون وبطشه، وتمكينهم في الأرض؛ كما ورد في سورة القصص؛ حيث قال تعالى في أولها: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ) [القصص:5]:
– فكانت بداية ذلك: إنجاء موسى وهو رضيع من الذبح من خلال أمر هو مظنة الهلاك: (فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ) [القصص:7].
– فيأخذه آل فرعون ويتربى في قصره بطلب من امرأة فرعون: (فَٱلۡتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرۡعَوۡنَ لِيَكُونَ لَهُمۡ عَدُوّٗا وَحَزَنًا) [القصص:8]، (قَالتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ) [القصص:9].
– ثم يحرم الله عليه المراضع حتى تعود إليه أمه لترضعه وتأخذ على ذلك أجرًا.
– ثم يبلغ أشده في قصر فرعون ويؤتيه الله حكمًا وعلمًا.
– ثم يخرج من مصر خائفًا يترقب بعد قتله للقبطي، ويعيش في مدين ويتزوج فيها.
– ليعود إلى مصر مرة أخرى بعد عشر سنين ومعه الآيات والمعجزات، ويغلب فرعون بالحجة والبرهان.
– ثم ينجيه الله وقومه، ويغرق فرعون وجنده في اليم ليمكن موسى وقومه في الأرض ويرث ما فيها.
فسبحان الله اللطيف الخبير، وعلى المؤمنين المستضعفين ألا ييأسوا، وأن يبذلوا جهدهم في تحقيق إيمانهم، ويأخذوا بأسباب النهوض، ويكلوا الأمر بعدها إلى الله (اللطيف) ليدبره لهم كيف يشاء وقتما يشاء.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445