وتبقى الوساخة مراتب .. بعضُها أحط وأوسخ من بعض .. بعضها قد يزول بفَرْك خفيف .. وبعضها بالصابون .. وبعضها بالكشط الشديد العنيف .. وبعضها – وهو الغالب في هذا الباب – لا تغسله مياه الأرض كلها ..
وُلاة طغاة ظلمة وكلاء للاحتلال ماذا عسانا نقول؟!
قال مهنا: سألتُ الإمام أحمد بن حنبل عن إبراهيم بن الهروي فقال: «رجلٌ وسخ»، فقلت: ما قولك إنّه وسخ؟ قال: «من يتبع الولاة؛ فهو وسخ»1(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (٣/٤٧٦)..
مقالة الإمام أحمد هذه كانت في رجل له وُصْلة بالعلم والفقه والحديث..في علاقته بـ(وُلاة) كانت الشريعة مرجعيتهم – ولو على دخَن – وكان الجهاد ماضيا في أزمنتهم – ولو على جَوْر – وكانت الأمّة ممكّنة – ولو على فُرقة وخلاف -.
في الدولة الحديثة العلمانية الجاهليّة فلسفةً ومرجعية ونشأة وواقعا ومآلا .. وفي نسختها العربية الأشد سوءا وتشوّها وانحطاطا .. والتي أنتجت وُلاة طغاة ظلمة غَشَمة وكلاء للاحتلال – قصدا أو بغير قصد لا يهمّ – ماذا عسانا نقول؟!
[للمزيد: الأمة تفتقدكم .. فأين أنتم يا معشر العلماء]
من يفعل أيّا من ذلك فهو (وَسِخ)..
كل أكاديميّ.
كل باحث.
كل جامعة.
كل مركز بحث.
كل معهد علوم شرعيّة.
كل زاوية قرآنية.
كل داعية وفقيه وشيخ طريقة.
كل مشروع إصلاح.
كل ملتقى ومؤتمر.
كل موقع إلكتروني.
كل جريدة.
وكلّ..وكلّ..وكلّ..
من يتبع (الوُلاة = الطغاة) من هؤلاء.
ومن يدور في فلكهم.
ومن يلبّس على الناس أمرهم.
ومن يزكّيهم.
ومن يدعو لطاعتهم والخضوع لهم.
من يبرّر لهم ويبحث لهم عن أعذار لم تخطر في بالهم أصلا.
من يربط مصيره بمصيرهم.
من يجعلهم ولاة أمر (وليس المداخلة وحدهم من يفعل ذلك).
من يكون لهم ظهيرا.
من يركن إليهم.
من يفعل أيّا من ذلك فهو (وَسِخ)..
هذه هي القاعدة والأصل الذي يجب تثبيته وترسيخه .. ثم يُنظر بعد ذلك في حالات الضرورة والاستثناء .. لا أن يصبح الاستثناء أصلا ينسخ القاعدة ويرجع عليها بالبطلان.
[للمزيد: مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر]
وساخة لا تغسلها مياه الأرض كلها
وتبقى الوساخة مراتب .. بعضُها أحط وأوسخ من بعض .. بعضها قد يزول بفَرْك خفيف .. وبعضها بالصابون .. وبعضها بالكشط الشديد العنيف .. وبعضها – وهو الغالب في هذا الباب – لا تغسله مياه الأرض كلها .. إلا توبة نصوح يُكْفر فيها بالطاغوت ويؤمن فيها بالله وحده لا شريك له على ملة أبينا إبراهيم: (إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة:4].
الهوامش
(1) الآداب الشرعية لابن مفلح (٣/٤٧٦).
المصدر
صفحة الشيخ أبو إسلام منير
اقرأ أيضا
مصيبة العلماء في واقعنا المعاصر
الأمة تفتقدكم .. فأين أنتم يا معشر العلماء
القنديل والمنديل .. وما يجري على الدين من تبديل .. قناديل معاصرة