24 – مفهوم 12: من آثر الدنيا فسد مقصده وخالف سلوكه مقتضى التوحيد
مما يؤسف له أن بعض الناس قد يرث علم السلف ويعتقد عقيدتهم نظريًّا، لكن انصراف همته للدنيا وإيثاره لأيٍّ من زينتها وزخارفها يخرجه عما ورثه ويصرفه إلى ضلالٍ في التصورات وانحراف في السلوك -شعر بذلك أم لم يشعر- وبينما هو ينعى على أهل العقائد البدعية بدعهم يوقعه الشيطان في بدع من جنس آخر من قبيل موالاة أهل الباطل والتهوين من باطلهم، فيصبح مرقاة وسلمًا لعلو الطغاة وأصحاب الأهواء.
فكل من آثر الدنيا على الآخرة من أهل العلم لا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه؛ لأن أحكام الرب سبحانه كثيرًا ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة منهم الذين لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه، فيوقع حب الدنيا من يُفتن بها من أهل العلم في رد الحق وتلبيسه وإخفائه ممالأة لأصحاب الرياسات والأهواء، وخشية من فوات حظه من الدنيا؛ كما قال تعالى عن أهل الكتاب: (فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٞ وَرِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغۡفَرُ لَنَا وَإِن يَأۡتِهِمۡ عَرَضٞ مِّثۡلُهُۥ يَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ يُؤۡخَذۡ عَلَيۡهِم مِّيثَٰقُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ) [الأعراف:169]، فأخبر سبحانه أنهم يأخذون العَرَض الأدنى -وهو العَرَض الدنيوي- مع علمهم بتحريمه عليهم، ويقولـون: (سَيُغۡفَرُ لَنَا) وهم مصرون على ما هم عليه ويكررونه: (وَإِن يَأۡتِهِمۡ عَرَضٞ مِّثۡلُهُۥ يَأۡخُذُوهُۚ)، ويحملهم ذلك على أن يخالفوا الحق ويقولوا على الله غيره عوضًا عن أن يجهروا به ويدافعوا عنه. [ينظر الفوائد لابن القيم، ص 100، 101].
المصدر:كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم