ما يجري على أرض غزة منذ السابع من أكتوبر (2023) أصبح خارج نطاق التحليل البشري. فمن درس قواعد التحليل السياسي وأوتي حظاً من النظر الاستراتيجي، يدرك أن تداعيات الحدث تيمم شطر نهايات مرسومة ومقاصد قد حددها الله.
طوفان الأقصى أنموذج فريد
ربما ليس من المروءة المقارنة “الآن” بين وافر الاحتياطات الأمنية التي اتخذها القسام قبيل معركة “الطوفان” والتي استمرت طيلة 12 شهراً دون تحقيق “أدنى أدنى” اختراق أمني لمنظومة القيادة. وبين “خطير” الاختراق الأمني لقيادات الحزب اللبناني والتي طالت رأس الهرم فيه.
لكنّنا لابد وأن نعترف اعتراف مطمئنٍ ونحن في أوج المواجهة العسكرية مع القوى العالمية: أنَّ ما حققه القسام في ميدانيْ: الأمن والمواجهة العسكرية وفي بقعة صغيرة منبسطة ساحلية محاصرة منذ أكثر من 17 عاماً هو أنموذج فريد يدرّس في مجاليْ “الأمن والعسكر”، وما طال بعض قيادات الصفّ الأول للقسام من الاغتيالات كان بالدرجة الأولى لطبيعة العمل الميداني والذي يعتريه بلا شك الخطأ.
خيار “الطوفان” خياراً فلسطينياً بامتياز
وعليه فقد ناسب أن نذكّر مجدداً: لقد كان خيار “الطوفان” خياراً فلسطينياً بامتياز؛ والاستعداد له كان بحجم إدراك خبث العدو؛ وأهميته لحلفاء قريبين وبعيدين في المنطقة؛ ويقين أنهم لن يتركوا سبيلاً لضمان تفوقه في هذه المواجهة؛ ولو بتجويع الناس، وقتل الجرحى، ومنع الهواء والماء عن غزة.
ويقين أنّ المعركة ستكون كسر عظم لا مفر منها؛ لفرض أجندات المشروع الجهادي الغزي على أرض الواقع؛ والذي يراد له أن ينتهي أثره وتذهب ريحُه؛ فالعدو كان سيبدأ المعركة على طريقة “الضربة السريعة الخاطفة” ضمن استراتيجة معاركه في المنطقة، والتي حققت تفوقاً استراتيجياً على جيوش دول الطوق المستسلمة أصلاً؛ فأراد أن ينفذ ذات الاستراتيجية في معركة سريعة في غزة تحقق له علوَّ يدٍّ في إدارتها؛ فجاءت ضربة “الطوفان” بعد الاستعانة بالله -العزيز الحكيم- استباقيةً معداً لها؛ ومتوقعاً توابعها.
أُعلن عن المعركة بقرارٍ “سياسي وعسكري” حرٍّ يراعي مصلحة الأمة أصالةً؛ ثم مصلحة الفلسطينيين تبعاً!!
لن يضرونا إلا أذىً
فالعدو كان يستهدف بالدرجة الأولى: هوية الأمة ومقدساتها؛ ومقدراتها!!
ولم نرتجِ من أمتنا إلا النصرة -المشكوك فيها- ومن غيرهم إلا مساندةً إن حضرت فبها ونعمت؛ وإلا فطريقنا واضح؛ ونهايته بإذن الله أكثر وضوحاً؛ ولا مجال للرجوع.
فمن ساندنا في معركتنا سنحفظ له صنيعه؛ وسنشكر له نخوته؛ وسنبارك مساندته؛ ولسنا نتكل على أحدٍ إلا الله -سبحانه- ومن جلس دون النصرة الواجبة كحال “المجموع من أمتنا” فلن يضرونا إلا أذىً لحزن تخلفهم عن ميادين شرفهم وعزتهم؛ وخشية كُرْهِ الله لانبعاثهم فثبطهم فحازوا رتبة “مع الخوالف” مع سبق إصرار مشين.
العدو يبحث عن صورة نصر استراتيجي
واليوم بعد 12 شهراً لازال القسام في الميدان؛ وينال من العدو مع كل تقدمٍ؛ ويحقق إنجازات ميدانية بل واستراتيجية مؤثرة بشكل فاعل على مستقبل الكيان في المنطقة؛ ومعه أسرى العدو؛ ولم يحقق العدو في عدوانه أيّاً من أهدافه المعلنة؛ وهذا ما دفعه لغزو لبنان للبحث عن صورة نصر استراتيجي تغطي على فشله الاستراتيجي الذي لن يُمحى، وسيطارده مدة بقائه القليلة -بإذن الله- في السابع من أكتوبر.
اعتمادُنا في معركتنا من قبل ومن بعد على الله -سبحانه- هو حسبنا ونعم الوكيل.
فلا تلتفت لضعف أو اختفاء جبهة مساندة؛ والزم ثغر الصبر والمصابرة.
فانقطاع الرجاء من الناس وقت المعركة هو يقين بشرى النصر الأكيد القريب.
قال الله -تعالى- (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].
المصدر
صفحة د. نائل بن غازي رحمه الله على منصة x..