53 – مفهوم 4: مضادة حكم الله شرك
إذ تبين أن الحكم بما أنزل الله ركن ركين من أركان التوحيد، فيترتب على ذلك أن من يضع نفسه من الخلق ندًّا لله تعالى في التشريع والتحليل والتحريم فقد أشرك بالله عزّ وجلّ في توحيد الربوبية؛ لأنه أشرك بالله في أفعاله سبحانه التي منها الحكم والتشريع، وقد سبق بيان أن أحبار اليهود ورهبان النصارى بتحليلهم للحرام وتحريمهم للحلال إنما يجعلون أنفسهم بذلك أربابًا من دون الله كما قال تعالى: (ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ) [التوبة:31].
ومن أطاع غير الله عزّ وجلّ ووافقه عن علم على استحلال الحرام، أو تحريم الحلال، أو تحاكم عن علم ورضا إلى غير حكم الله فقد أشرك في الألوهية كشركه في العبادة؛ لأنه توجه بفعله إلى غير الله صاحب الحكم وحده، وقد قال تعالى: (وَإِنۡ أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ) [الأنعام:121]، وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا) [النساء: 65].
فكل حكم أو حاكم يرفض حكم الله وشرعه ويضاده فهو طاغوت ومشرِّع يشرك بالله؛ سواء كان ذلك المشرع فردًا، أو نظامًا، أو دستورًا، أو برلمانًا (مجلس وطني)؛ حيث يجعلون لأنفسهم السيادة العليا والقوة النافذة فوق كل قوة أو حكم، ولو كان شرع الله عزّ وجلّ، وهذا هو الكفر المبين والشرك الأكبر الذي لا يقبل الله عزّ وجلّ من صاحبه صرفًا ولا عدلًا.
وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على كفر من دفع شيئًا أنزله الله [ينظر: التمهيد (4/226)].
المصدر:كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم