170 – مفهوم 2: مسميات اليوم الآخر في القرآن الكريم ودلالاتها
سُمِّي اليوم الآخر في القرآن الكريم بمسميات عديدة، ووُصِف بأوصاف كثيرة، فبلغ ذلك نحوًا من ثلاثة وعشرين اسمًا ووصفًا. وإنما كثرت مسميات هذا اليوم وأوصافه لعظم شأنه -كما هو معتاد عند العرب من ذكر مسميات عديدة لما يعظم عندهم كالسيف والأسد- فاليوم الآخر لمَّا عظم أمره وكثرت أهواله سمَّاه القرآن مسميات عديدة ووصفه بأوصاف كثيرة؛ فمن ذلك:
2،1 – اليوم الآخر والآخرة: فقد ورد لفظ «اليوم الآخر» (26) مرة، وورد لفظ «الآخرة» (110) مرة، وهما بمعنى واحد؛ فاليوم الآخر لأنه لا يوم بعده، والآخرة لأنه لا شيء بعدها؛ فهي آخر المحطات التي يتنقل الإنسان بينها: من العدم إلى بطن أمه، ثم الخروج للحياة الدنيا، فحياة البرزخ، ثم هذه الآخرة التي يخلد فيها إمَّا في الجنة أو في النار. ومن هذه الآيات: قول الله تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ) [البقرة:8]، وقوله تعالى: (وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ) [البقرة:4].
4،3 – يوم الدين ويوم الحساب: وهما بمعنى واحد؛ فالدين هو الجزاء والحساب، وقد ورد لفظ «يوم الدين» (13) مرة، وورد لفظ «يوم الحساب» (4) مرات. وسمِّي هذا اليوم بذلك لأن المرء يحاسب فيه على أعماله في الحياة الدنيا ويجازى عليها؛ قال الله تعالى: (مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ) [الفاتحة:4]، وقال تعالى: (هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ) [ص:53].
5 – يوم القيامة: وقد ورد في القرآن الكريم (70) مرة؛ منها قول الله تعالى: (لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ) [القيامة:1]، وقد سُمِّيتْ السورة بهذا الاسم، وسمِّي اليوم بذلك لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين لحسابهم؛ كما قال تعالى: (يَوۡمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [المطففين:6].
6 – الساعة: وردت في القرآن الكريم (35) مرة؛ منها قوله الله تعالى: (وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ) [النحل:77]، والساعة: الوقت الحاضر [القاموس المحيط مادة (سوع)]؛ سُمِّيت بذلك لقرب مجيئها فكأنها حاضرة، ولمجيئها بغتة كما قال تعالى: (يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَاۖ قُلۡ إِنَّمَا عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّيۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقۡتِهَآ إِلَّا هُوَۚ ثَقُلَتۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا تَأۡتِيكُمۡ إِلَّا بَغۡتَةٗ) [الأعراف:187].
7 – الآزفة: قال الله تعالى: (أَزِفَتِ ٱلۡأٓزِفَةُ) [النجم:57]، ودلالتها قريبة من دلالة «الساعة»؛ فأزف أي: دنا وقَرُبَ. وقد ذُكرت أيضًا مضافًا إليها لفظ «يوم»؛ قال تعالى: (وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَ) [غافر:18].
8 – الواقعة: قال الله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ) [الواقعة:1]، وقال تعالى: (فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ) [الحاقة:15]؛ وسمِّيتْ بذلك لتحقق وقوعها.
9 – الحاقة: قال الله تعالى: (ٱلۡحَآقَّةُ (١) مَا ٱلۡحَآقَّةُ (٢) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ) [الحاقة:1-3]؛ وسُمِّيتْ بذلك لأنه يتحقق فيها ما أنكره المكذبون بها.
10 – الطامة الكبرى: قال الله تعالى: (فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلۡكُبۡرَىٰ) [النازعات:34]؛ يقال: طمَّ الأمر إذا علا وغلب؛ فسُمِّيتْ القيامة بذلك لأنها تعلو على كل أمر هائل.
11 – الصاخة: قال الله تعالى: (فَإِذَا جَآءَتِ ٱلصَّآخَّةُ) [عبس:33]؛ يعني صيحة القيامة؛ سُمِّيتْ بذلك لأنها تصخ الآذان؛ أي: تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها.
12 – الغاشية: قال الله تعالى: (هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ) [الغاشية:1]؛ سُمِّيتْ بذلك لأنها تغشى الناس بأفزاعها وتغمهم، ومن دلالتها: غشيان النار للكفار وإحاطتها بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم؛ قال تعالى: (يَوۡمَ يَغۡشَىٰهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۡ وَيَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [العنكبوت:55]، وقال تعالى: (لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٞ وَمِن فَوۡقِهِمۡ غَوَاشٖ) [الأعراف:41].
13 – القارعة: قال تعالى: (ٱلۡقَارِعَةُ (١) مَا ٱلۡقَارِعَةُ (٢) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ) [القارعة:1-3]، وقال تعالى: (كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ) [الحاقة:4]، سُمِّيتْ بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها؛ يقال: قد أصابتهم قوارع الدهر أي: أهواله وشدائده.
والأسماء الآتية كلها مضاف إليها لفظ «يوم»:
14 – يوم الحسرة: قال الله تعالى: (وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡحَسۡرَةِ إِذۡ قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ وَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ) [مريم:39]؛ وسُمِّي بذلك لشدة تحسُّر العباد فيه؛ سواء تحسر الكفار على ما فاتهم من الإيمان به كما في الآية السابقة، وكما في قوله تعالى: (أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّٰخِرِينَ) [الزمر:56] وغيرهما من الآيات، أو حتى يتحسَّر المؤمنون على عدم استزادتهم من أعمال البر والتقوى.
15 – يوم البعث: قال الله تعالى: (وَقَال ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِيمَٰنَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ) [الروم:56]، والبعث يقصد به: إحياء الله للموتى ونشرهم للحساب.
16 – يوم الفصل: قال الله تعالى: (إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا) [النبأ:17]، وقـال تعالى: (هَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِ ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ) [الصافات:21]؛ وسُمِّي بذلك لأن الله عزّ وجلّ يفصل فيه بين العباد؛ قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ) [السجدة:25].
17 – يوم التلاق: قال الله تعالى: (يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ) [غافر:15]؛ أي اليوم الذي يلتقي فيه العباد كلهم؛ فيلتقي الظالم والمظلوم، وأهل الأرض وأهل السماء، بل يلتقي فيه المخلوق الضعيف بالخالق الجبار، ويلتقي فيه كل عامل بعمله من خير أو شر.
18 – يوم الجمع: قال الله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَتُنذِرَ يَوۡمَ ٱلۡجَمۡعِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ فَرِيقٞ فِي ٱلۡجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ) [الشورى:7]، وقـال تعـالى: (يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِ) [التغابن:9]؛ فهو يوم يُجمع فيه الناس جميعًا كما قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ) [هود:103].
19 – يوم التناد: قال الله تعالى: (وَيَٰقَوۡمِ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ يَوۡمَ ٱلتَّنَادِ) [غافر:32]؛ وسُمِّي بذلك لكثرة ما يحصل فيه من نداء؛ فكل إنسان ينادَى فيه باسمه للحساب، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، وكذلك ينادِي أصحاب النار أصحاب الجنة، وينادِي أصحاب الأعراف كُلًّا منهما.
20 – يوم الوعيد: قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡوَعِيدِ) [ق:20]؛ فهو اليوم الذي توعَّد الله به الكافرين والمنافقين بما فيه من العذاب والخلود في النار، وتوعَّد كل ظالم وعاصٍ بالحساب على ظلمه ومعصيته، وحقيقة الوعيد: الإخبار عن العقوبة على المخالفة.
21 – يوم الخلود: قال الله تعالى: (ٱدۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُلُودِ) [ق:34]؛ فالناس يخلدون فيه بلا موت، وفي الحديث: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح… فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت) [رواه البخاري (4730) واللفظ له، ومسلم (2849)].
22 – يوم الخروج: قال الله تعالى: (يَوۡمَ يَسۡمَعُونَ ٱلصَّيۡحَةَ بِٱلۡحَقِّۚ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلۡخُرُوجِ) [ق:42]؛ فهو يوم يخرج فيه الناس من قبورهم بعد سماع الصيحة، وهي النفخة الثانية في الصور، فيخرجون للحساب والجزاء كما قال تعالى: (يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعٗا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبٖ يُوفِضُونَ) [المعارج:43].
23 – يوم التغابن: قال الله تعالى: (يَوۡمَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِ) [التغابن:9]؛ فهو يوم فيه الغابن والمغبون؛ أي: الرابح والخاسر؛ يربح المؤمنون بالزحزحة من النار ودخول الجنة، ويخسر الكافرون بدخولهم النار.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445