383 – مفهوم 6: مجيء الأمر في صورة الخبر
قال الله تعالى: (إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ) [الأنفال:65]. فهذه الآية صورتها صورة الخبر عن المؤمنين بأنهم إذا بلغوا هذا القدر المعين يغلبوا ذلك المقدار المعين من الكافرين، ولكن معناها وحقيقتها أمر المؤمنين بالثبات في القتال إذا كانت نسبتهم إلى الكفار نسبة واحد من المؤمنين لكل عشرة من الكافرين، وأنه يحرم عليهم الفرار حينئذ، ثم نُسِخ الحكمُ وخُفِّف بالآية بعدها. ويدل على أن المقصود الأمر لا مجرد الإخبار قول الله تعالى بعدها: (ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [الأنفال:66]؛ فإن الخبر لا يدخله التخفيف، وإنما يكون ذلك في الأمر والتكليف.
ومن نكتة وفائدة العدول عن صيغة الأمر إلى صيغة الخبر هنا: تقوية قلوب المؤمنين، والبشارة بأنهم إذا فعلوا ذلك فسوف يغلبون الكفار بإذن الله تعالى.
وهكذا يعدل أحيانًا عن صيغة الأمر أو النهي المباشر إلى صيغة الخبر، ويكون المقصود هو الأمر أو النهي، ويكون في ذلك فوائد بلاغية، وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445