106 – مفهوم 46: لا ينسب الشر إلى الله تعالى
لا ينسب الشر إلى الله تعالى؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أدعية استفتاح الصلاة، وفيه: (والشر ليس إليك) [رواه مسلم (771)، وأبو داود (760)، والترمذي (3422)]، وهذا النفي يقتضي امتناع إضافة الشر إلى الله تعالى بأي وجه: لا لذاته، ولا لأسمائه أو صفاته، ولا لأفعاله؛ فهو سبحانه منزه عن ذلك، وأفعاله كلها خيرات محضة، وإنما يكون الأمر شرًّا بالنسبة إلى المخلوق وما يتعلق به ويقوم به؛ وذلك كما قال تعالى: (مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَ) [النساء:79] أي: ما يصيبك يا ابن آدم مما يسوؤك فهو بسبب معاصيك.
ولا يتعارض ذلك مع كون الشر مثله مثل الخير واقع بتقدير الله عزّ وجلّ وقضائه كما قال تعالى ردًّا على المنافقين: (وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا) [النساء:78]، فما يفعله الله من العدل بعباده وعقوبة من يستحق العقوبة منهم هو خير محض وإن كان شرًّا في نظرهم أو بالنسبة لهم؛ مثل قطع يد السارق أو القصاص من القاتل.
والحاصل أن الله خالق كل من الخير والشر، ولكن الشر يكون مفعولًا منفصلًا وليس وصفًا لله تعالى، ولا يقال: إنه سبحانه فاعل للشر، وإنما هو خيرٌ من جهة تعلقه بفعله سبحانه وتقديره، وشرٌّ من جهة نسبته إلى من هو شرٌّ في حقه؛ فهو أمر نسبي له وجهان:
أحدهما: خيرٌ؛ وهو الوجه الذي يُنسب إلى الله تعالى خلقًا وتكوينًا ومشيئة؛ لما فيه من الحكمة البالغة التي قد يستأثر الله بعلمها، أو يُطلع من يشاء من خلقه على ما شاء منها.
والثاني: وجه شر؛ وهو الوجه الذي يُنسب إلى المخلوق المتسبب فيه والواقع عليه.
ولهذا ينبغي التأدب مع الله في الحديث وعدم نسبة الشر إليه سبحانه؛ كما قال الخضر لموسى عليه السلام حين بيَّن له ما فعله في السفينة: (فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا) [الكهف:79] فنسب الأمر لنفسه، أمَّا حين بيَّن وجه الخير في بناء الجدار فقال: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبۡلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسۡتَخۡرِجَا كَنزَهُمَا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ) [الكهف:82] فنسب الخير لله تعالى، ثم قال عن الكل: (وَمَا فَعَلۡتُهُۥ عَنۡ أَمۡرِيۚ ذَٰلِكَ تَأۡوِيلُ مَا لَمۡ تَسۡطِع عَّلَيۡهِ صَبۡرٗا) [الكهف:82].
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445