150 – مفهوم 24: كيف يبين القرآن كل شيء؟
قال تعالى: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ) [النحل:89]، فهذا البيان يشمل: أصول الدين وفروعه، وأحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد:
– فأصول الدين ومسائل العقيدة الكبار التي يحتاج القلب مرورها عليه وتذكيره بها باستمرار تُثنّى وتكرر في القرآن بألفاظ متعددة وأدلة متنوعة لتستقر في القلوب.
– وبعض الأحكام الفقهية ترد في القرآن مفصلة، وبعضها الآخر هو وبعض جزئيات العقيدة يُكتفى باندراجه تحت القواعد والأمور العامة التي تقررها آيات القرآن الكريم، وتتولى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تفصيله؛ فقول الله تعالى: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ) قد جاء بعده قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، وهي آية تقرر قاعدة عامة هي: أن كل أمر مشتمل على عدل وإحسان أو إيتاء ذي القربى فهو مما يأمر القرآن به، وكل أمر مشتمل على فحشاء أو منكر أو بغي فهو مما ينهى القرآن عنه.
فليس المقصود إذًا أن كل جزئيات المسائل وتفاصيلها منصوص عليها في القرآن؛ فهذا غير معقول؛ لأن الوقائع والأحداث متجددة ولا تنتهي، فلا تنحصر بين دفتي كتاب، وإنما يكفي اندراجها تحت آيات عامة؛ فلا تجد في القرآن مثلًا نصًّا يُحرِّم بلفظه السجائر والتبغ، ولكنك تجد ذلك مشمولًا بقول الله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ) [الأعراف:157]، ولا شك أن السجائر من الخبائث لأنها ضارة؛ فيستدل بهذه الآية على حرمتها.
ثم إن ما ورد بيانه في السنة يدخل ضمن بيان القرآن؛ فقد قال تعالى: (وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ) [الحشر:7]؛ فمخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم مخالفة لبيان القرآن.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445