211 – مفهوم 7: قيمة الإيمان في الحياة وثمراته
1 – أهم قيمة للإيمان أنه معرفة للحقيقة الأولى: وجود الله تعالى؛ تلك المعرفة التي لا تصح في النفس البشرية معرفة لوجود أي شيء آخر إلا من خلالها؛ فيدرك أن الوجود من صنع الله، ومن ثَمَّ يتعامل الإنسان مع الكون وهو يعرف طبيعته، كما يعرف قوانينه التي تحكمه، وينسق حركته مع حركة هذا الوجود الكبير وفق هذا الفهم، ولا ينحرف عن نواميسه الكلية؛ فيسعد بهذا التناسق ويمضي مع الكون كله إلى بارئ الوجود في طاعة واستسلام وسلام؛ عبدًا لله موحدًا له لا شريك له وتلك صفة لازمة لكل إنسان، ولكنها ألزم ما تكون للجماعة التي تقود البشرية إلى بارئ الوجود.
2 – وقيمة الإيمان كذلك في تحقيقه للطمأنينة النفسية، والثقة بالطريق، وعدم الحيرة أو التردد، أو الخوف، أو اليأس. وهذه صفات لازمة لكل إنسان في رحلته على الأرض، ولكنها ألزم ما تكون للقائد الذي يرتاد الطريق ويقود البشرية في هذا الطريق.
3 – وقيمة الإيمان في التجرد من الهوى والمصالح والأغراض والمغانم الشخصية؛ إذ يصبح القلب متعلقًا بهدف أبعد من ذاته، ويحس أنه ليس له من الأمر شيء؛ إنما هي دعوة الله، وهو فيها أجير عند الله! وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن تُوكَلُ إليه مهمة القيادة كي لا يقنط إذا أعرض عنه القطيع الشارد، أو أُوذي في سبيل الدعوة، ولا يغتر إذا ما استجابت له الجماهير أو دانت له الرقاب؛ فإنما هو أجير.
4 – والإيمان بالله دليل على حيوية الفطرة وسلامة أجهزة الاستقبال فيها، وعلى صدق الإدراك الإنساني وحيوية البنية البشرية، وعلى رحابة في مجال الإحساس بحقائق الوجود؛ وهذه كلها من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية.
5 – والإيمان بالله قوة دافعة دافقة؛ تجمع جوانب الكينونة البشرية كلها، وتتجه بها إلى وجهة واحدة، وتطلقها لتستمد قوتها من قوة الله، ولتعمل في تحقيق مشيئته عزّ وجلّ في خلافة الأرض وعمارتها ودفع الفساد والفتنة عنها، وفي ترقية الحياة ونمائها، مع إدراك حقيقة فنائها وبقاء الآخرة، فتجعل عملها في الدنيا رغبة في الآخرة؛ وهذه كذلك من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية.
6 – والإيمان بالله تحررٌ من العبودية للهوى، ومن العبودية للعبيد. وما من شك أن الإنسان المتحرر بالعبودية لله أقدر على الخلافة في الأرض خلافة راشدة صالحة.
7 – والإيمان هو أُسُّ الفضائل، ولجام الرذائل، وقوام الضمائر، وسند العزائم في الشدائد، وبلسم الصبر عند المصائب، وعماد الرضا والقناعة بالحظوظ، ونور الأمل في الصدور، وسكن النفوس وطمأنينتها إذا أوحشتها الحياة، وعزاء القلوب إذا نزل بها الموت أو اقتربت أيامه، والعروة الوثقى بين الإنسانية ومُثُلِها الكريمة.
8 – وبفقد الإيمان نكون أسوأ حظًّا في الحياة، وأدنى رتبة في سلم المخلوقات من أذل البهائم، وأحقر الحشرات، وأشرس الضواري؛ فالبهائم تجوع كما نجوع ولكنها في نجوة من هم الرزق وخوف الفقر وذل السؤال، وهي تلد كما نلد، وتفقد أولادها كما نفقد، ولكنها في راحة من هلع الثكلى وخوف اليتيمة، وهي تتألم في أجسادها كما نتألم ولكنها في راحة مما يأكل القلوب ويقطع الأرحام ويفرق الشمل كالحسد والكذب والنميمة، وهي تمرض كما نمرض وتموت كما نموت ولكنها في راحة من التفكر في عاقبة الموت.
فإن لم يكن لنا إيمان يسلينا ويرضينا ويعزينا كنا أشقى وأضل من الحيوانات العجماوات، وصدق الله العظيم إذ يقول في وصف الكافرين: (أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445