246 – مفهوم 16: الفرق بين الصلح مع الكفار والتطبيع معهم
الصلح الجائز مع العدو الكافر المحارب هو الذي يبرمه الإمام المسلم الخاضع لشريعة ربه إذا رأى بمشاورة أهل الحل والعقد من العلماء والعقلاء أنه يحقق مصلحة للمسلمين أو يدفع شرًّا عنهم، وهو صلحٌ مؤقت ريثما يتقوَّى المسلمون فينبذوا إلى عدوهم الكافر عهدهم ثم يقاتلونهم ليكون الدين كله لله؛ فهو صلحٌ يحكمه تعارض المصالح والمفاسد وفقه الموازنات، وليس صلحًا دائمًا ولا يُعطي للكافر أحقية للبقاء الدائم في ديار المسلمين، ولا يتحول الكافر بهذا الصلح من عدوٍّ إلى صديق، ولا تتحول معاداته إلى موالاة، بل تبقى العداوة معه والبراءة منه حتى مع إبرام الصلح.
أمَّا التطبيع مع اليهود الكفرة الذي يطرح اليوم فهو شأن آخر لا علاقة له بالصلح بمفهومه السابق، وهو خيانة لدين الإسلام وللأمة المسلمة للأسباب الآتية:
1 – لأن فيه إقرارًا للكافر المحتل بحقه في تملك ديار المسلمين تملكًا دائمًا؛ وهذا مناف لمقاصد الشريعة وأصول الإسلام؛ لأن فيه تعطيلًا لشعيرة الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ.
2 – لأنه يهدم عقيدة الولاء والبراء التي هي أصل «لا إله إلا الله»؛ حيث يُحلُّ المحبة والإخاء والسلام مع اليهود محل العداوة والبراءة منهم ومن كفرهم، ويُلزِم النظم الحاكمة بإسكات كل من يعلن عداوته وبغضه لهم وتفريغ المناهج الدراسية والإعلام من كل ما يشير إلى هذه العداوة التي صرَّح بها الله عزّ وجلّ في كتابه: ﵟلَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْﵞ [المائدة:82].
3 – لأنه عقد مذلة ومهانة؛ حيث العدو فيه هو الأعلى، وهو الذي يملي شروطه على المسلمين، ويكون مهيمنًا على بلدانهم، والكل خاضع له خضوعًا دائمًا.
4 – يتيح التطبيع لليهود الدخول إلى بلدان المسلمين والتلاعب باقتصادها وإعلامها وتعليمها، والسيطرة على مقدرات البلاد بالاستثمار فيها ونشر الربا، وتسنم إدارات البلاد وجعل أبناء المسلمين موظفين أذلة تحت سيطرتهم.
5 – كما يتيح فتح البلاد لهم نشر الرذيلة فيها والإفساد في الأرض؛ فما حلَّ اليهود بأرض إلا أفسدوا أخلاقها واقتصادها.
6 – في التطبيع إعانة لليهود على المجاهدين في فلسطين وتصفية للجهاد هناك، وفي ذلك مظاهرة للكفار على المسلمين، وهذا ناقض من نواقض الإسلام.
فكيف يقال – بعد كل هذا- إن التطبيع مع اليهود صلحٌ شرعيٌ يقاس على صلح النبي صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش أو مع اليهود في المدينة؟! وما كان صلح النبي مع قريش إلا مؤقتًا، وما كانت معاهدته لليهود في المدينة إلا وهم تحت حكم الإسلام وسيطرته وكانوا من سكانها قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فقد خانوا الرسول صلى الله عليه وسلم ونقضوا المعاهدة بهذه الخيانة –وهذا ديدنهم- فأجلاهم منها.
ثم كيف يقاس تطبيع الأنظمة المعاصرة الدائم مع اليهود -وهي أنظمة رافضة لشرع الله وللحكم به، معطلة لشعيرة الجهاد- على صلح النبي صلى الله عليه وسلم معهم صلحًا مؤقتًا -وهو المستسلم لشرع ربه المنقاد لحكمه، المجاهد في سبيله- وصلحه معهم هو حتى يتقوى لمواجهتهم فينبذ إليهم عهودهم ويجاهدهم.
إن التطبيع في حقيقته ذلٌ وخيانة للمسلمين، وبيع لأوطانهم للكفار وإقرارهم عليها، وهدمٌ لعقيدة التوحيد القائمة على الولاء لله وحده والبراءة من الشرك وأهله من: يهود، أو نصارى، أو أي ملة أخرى تشرك بالله تعالى، ومن يسعى لإزالة العداوة مع الكفار بغير دعوتهم للإسلام وإدخالهم فيه فإنما يسعى لتبديل دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والإتيان بدين جديد.
المصدر: كتاب خلاصة مفاهيم أهل السنة – إعداد نخبة من طلبة العلم – 1445