من الملام؟! أهو من انتفض ذبًّا عن دمه المراق، وعرضه المستباح، وأرضه المغتصبة، ومقدساته المنتهكة؟ أمّن تقاعس مع قوته ونفوذه، ولم يقم بما أوجب الله عليه من مجاهدة اليهود أو التضييق عليهم بكل وسيلة متاحة ومقدورة له…؟
ازدواجية المعايير في فهم “الولاء والبراء”
كثير من الناس يحصر عقيدة الولاء والبراء في الرافضة وإيران بالخصوص، وهي حق واجب في حق هؤلاء الزنادقة.
لكنه يغفل عن البراءة من أمثالهم من المنافقين كالزنادقة التنويريين، والعلمانيين، والحداثيين، والعقلانيين المحرفين لأصول الدين وثوابته، والموالين للكفار أعداء الدين من اليهود والنصارى والوثنيين أفرادًا كانوا أو حكومات.
فضلًا عن البراءة من الكفار الأصليين كاليهود والنصارى والوثنيين البوذيين وغيرهم من أصناف الملل.
وآخرون يتبرؤون من بعض الجماعات الإسلامية أعظم من براءتهم من الزنادقة المنتسبين إلى الإسلام ومن الكفار الأصليين.
وآخرون عقيدة الولاء والبراء عندهم تبع لنهج الدولة السياسي: تراه يسكت عمن طبّع ووالى الصهاينة اليهود على المسلمين، ولمح بتصحيح عقيدتهم بفرية الإبراهيمية، بينما يسلط لسانه على من جاهد اليهود الغاصبين وذب عن دينه وعرضه وماله وأرضه ومقدسات المسلمين.
لماذا التركيز فقط على المقاومة؟!
يتكلم الواحد منهم في حماس -المنفردة دون جميع المسلمين بجهاد الصهاينة الغاصبين- وينتقدها بحرية وبلا حدود، متغافلًا عن وضعهم الشرعي باعتبارهم ولاة أمر غزة، فضلًا عن غفلته عن تقدير الوقت والحال.
ويتعامى في الوقت نفسه عن موقف السلطة الفلسطينية المخزي في تحالفهم مع الصهاينة ضد المجاهدين، وخير شاهد على هذا ما يقوم به الصهاينة من تهجيرٍ لأهل جنين وطولكرم وغيرها من قرى الضفة الغربية وتدمير ممتلكات الفلسطينيين فيها.
فضلا عن تعاميه عن غيرها من الحكومات العميلة والمتخاذلة عن نصرة أهل غزة.
فعند هؤلاء: الحكومة المجاهدة للكفار المنتصبة لإفساد مخططاته: مباحٌ عرضها بالنقد العلني ووجوب بيان أخطائها تصريحا لا تلميحا، والتشنيع عليها وقت حربها لليهود.
بينما الحكومات العميلة لليهود والموالية لغيرهم من أعداء الدين وأصناف الكفار الملاعين كالنصارى والوثنيين: يُمنع نقدها تعريضًا فضلا عن التصريح، ويُحفظ حقها وتُنزل عليها كل أحاديث الإمامة، بل وتُمدح على ما ليس فيها، ويُبرر تخاذلها وتقاعسها وتُختلق له الأعذار الواهية.
فعن أي ولاء وبراء يتكلم هؤلاء؟!
الولاء يجب أن يكون لجميع المؤمنين؛ المتوافقين مع دولنا سياسيا أو المخالفين.
والبراء يجب أن يكون من جميع الكافرين؛ المتحالفين مع دولنا سياسيا أو المنافرين المعادين.
وأما أن يكون الولاء والبراء تبعًا لسياسات الدول، ولمدى النفوذ السياسي للطائفة أو الحكومة، والقرب والبعد المصلحي: فهذا دين أهل الأهواء لا دين أهل السنة والجماعة.
والولاء والبراء يتجزأ؛ فقد تتبرأ من شخص أو طائفة لبدعتها، بينما تواليها ضد من هم أبعد منها في البدعة، فضلًا عن وجوب توليها ضد الكفار.
وقد تقتضي المصلحة الشرعية التصريح بالبراءة من طائفة أو جماعة أو حكومة في وقت، بينما تقتضي المصلحة في وقت آخر التصريح بموالاتها، كما لو كانوا في حرب ضد الكفار، أو حين يُراد ظلمهم والمبالغة في عقوبتهم، أو في الحكم عليهم.
يبرر بعضهم نقده لحماس والفصائل المجاهدة حرصه على دماء المسلمين أن تُهدر وتُسال، بينما يغفل عمن ساهم في قتل المسلمين واستباحة دمائهم بموالاته لليهود الغاصبين، وسكوته عما يجب في حقهم شرعًا من المعاداة والمنافرة والمجاهدة، والسعي بكل السبل للحد من تعديهم على أراضي المسلمين ومقدساتهم ومحرماتهم، ما جعل اليهود الغاصبين يستطيلون على المسلمين بسبب تخاذل هؤلاء، وأمنه جانبهم، فتجرؤوا على مقدسات المسلمين وأرواحهم وأعراضهم، حتى إنهم لم يتوقفوا قط عن قتل المسلمين واغتصاب أراضيهم واستباحة حرماتهم.
فمن الملام؟
أهو من انتفض ذبًّا عن دمه المراق، وعرضه المستباح، وأرضه المغتصبة، ومقدساته المنتهكة؟
أمّن تقاعس مع قوته ونفوذه، ولم يقم بما أوجب الله عليه من مجاهدة اليهود أو التضييق عليهم بكل وسيلة متاحة ومقدورة له، بل قام بالتطبيع معهم، والتبادل الاقتصادي والثقافي والسياسي، وفتح أجواءه البرية والجوية والبحرية للصهاينة الملاعين.
لو أرادت بعض الدول وقف الحرب ضد غزة لكان لهم موقف آخر، ولعرفوا كيف يضيقون على العدو ويُؤلمونه بغير حرب.
لكن إلى الله المشتكى، وعند الله تجتمع الخصوم.
فنسأل الله أن يفقهنا في الدين وأن يعيذنا من الجهل، وأن يرزقنا الإخلاص وحسن القصد وأن يسلمنا من الهوى.
المصدر
صفحة د. فيصل بن قزار الجاسم، على منصة X.
اقرأ أيضا
مظاهَرةُ المُشرِكين على المُسلِمين
من منكرات التطبيع مع اليهود؛ ولاية الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين