راجت في الفترة الأخيرة حالة أن يرى الناس حرمات الله تُنتهك والفواحش تُرتكب ثم يقول القائل لم يضرني ذلك في شيء..! مع تغيير قيمي للمجتمع، وخطورةٍ على عقائده، وإهمالٍ لطبيعة التكاليف الشرعية، وخطر شيوع الفواحش وغياب دور أصحاب الرسالات.. ولهذا كانت هذه الصيحة.
شبهة خطيرة
مع الهجمة العلمانية والليبرالية المناهضة للدين، والإزاحة له عن دوره في نفوس الناس وواقع المجتمعات، بدأت موجات من الفواحش والظواهر المرعبة للتحلل من الدين تنتشر بمساندة الإعلام، ومِن قبله الاستبداد.
والخطير هو الرواج الاجتماعي لهذه الظواهر الخطيرة. والكلمة التي يصدّرونها كحجة في الحصول على إباحة الفواحش والتحلل من الدين وأحكامه وقيمه، هي أن من يفعل الفاحشة ويجاهر بها ويدعو إليها وينظم وجودها في المجتمع لم يضر الآخرين، بمعنى أنه لم يضيق عليهم حرية الفجور لو أرادوا، أو لم يمس أبدانهم بسوء!
ولما اتسعت مساحة هذه الحجة السمجة، حتى وصل الأمر إلى أن بدأ من يرى الفواحش والانحرافات الكبيرة والإلحاد والمجاهرة بذلك والدعوة إليه، بدأت تدب إليهم هذه الكلمة
إنه لم يضرني في شيء!
حتى خشي الناس أن تنهار منظومة قيم المجتمع المسلم، وأن تحدث تغييرات عميقة وسريعة تتلاحق في سنوات معدودة للأجيال القريبة، بل خشي البعض أن تسمح هذه الحجة وأمثالها بتغيير للعقائد واندراس للدين ومحوٍ له.
ولتوضيح حقيقة هذه المقولة الخطيرة، لا بد من بيان أمور:
أولًا: يجب التفريق بين مجالين
1- مجال العقيدة الفردية للإنسان وأفعاله الخاصة في خاصة نفسه ومشاعره المستكينة في ضميره، ولأفعاله المستترة عن الخلق، فهذا المجال مجال فردي خاص بين العبد وربه؛ وهو ليس مجال حديثنا.
2- مجال الحكم العام (القانون) والمجاهرة بالأفعال وتنظيمها، والدعوة إليها مباشرة، أو من خلال أجهزة التوجيه والتأثير الفني والفكري والثقافي، وهذا هو مجال حديثنا.
فالأولى علاقة فردية خاصة ومستترة، لكن الثانية تشكل المجتمع وحركته وتعني بالقيم والمستقبل والاتجاهات العامة للأمة، وتوافق أو تصطدم بالعقيدة؛ لأنها ترجمة عن عقيدة وانعكاس لها.
[للمزيد: مسؤولية الفرد عن انتكاسة الأمة.. التكاليف الفردية والجماعية]
ثانيًا: الإنسان ليس مجرد دابة
بل إنه مجموعة من حرمات الدم والعرض والعقل والمال، ومجموعة من العقائد والقيم والأخلاق والاتجاهات؛ فالمس بالإنسان لا يخص جسده ودمه وماله فقط، بل ما يمس عقيدته، وقميه وأخلاقه وموروثه الحضاري.
ومن أهمل هذه القيمة للإنسان فقد أزرى به وحطَّ من شأنه.
ثالثًا: التفريق بين تكليفين شرعيين
1- امتثال أمر الله تعالى في خاصة الإنسان.
2- إعلاء كلمة الله.
وكلمة الله تعالى هي مجموع ما أنزل من شريعة أمر بها عباده، والمقصود بإعلائها أن تكون هي القانون المنظم للحياة والقيم المراعاة والأخلاق التي يتربى عليها المجتمع ونشوؤه، والنظام الاجتماعي والأخلاقي والقانوني الذي يشكل المجتمع، ويرسم ملامحه، ويحدد وظيفته بين الأمم.
ولهذا أمر تعالى بإعلاء كلمته؛ قال تعالى: ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ (الأنفال:39). وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: “لتكون كلمة الله هل العليا”(1).
وظيفة الرسل .. ومشقاتهم
إن وظيفة الرسالة ووظيفة الرسل جميعًا هي دعوة المجتمع والقوم الذين أُرسلوا فيهم لتنظيم المجتمع على وفق المنهج المنزل. ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾(الحديد:25). فقيام القسط والعدل بين الناس، وقيام الناس به، وقيام حياتهم به، إنما يكون وفق الرسالة المرسلة، وهذا يكون بقبولها في الضمائر، وقيامها كمنهج محكَم وقانون عام وجاد، وكمنهج للتربية والتوجيه.
ولو كانت وظيفة الرسل أن ينعزل كل امرئ بعقيدته لما كان هناك صراع، وأذى يتحمله الرسل ومن آمن معهم، ولتركت جميع الأمم وجميع الأقوام الرسلَ ومن آمن بهم وشأنهم، إذ لا يحركون ساكنًا، ولا يحاولون تغيير المجتمع.
بينما جاء القرآن يوضح أن الرسل وأتباعهم كانوا يواجهون الأمم بوجوب التغيير وينكرون عليهم الانحراف، وخاضوا معهم صراعًا تكلف شهداء وأذى وصبرًا، ولهذا قالت ثمود: ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا؟﴾ (هود:62).
وقالت مدين: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ؟﴾ (هود:87)، وهو نهْي عن الانحراف في العبادة، وعن الانحراف في التصرفات المالية.
وقالت قريش: ﴿امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾! (ص:6).
ولهذا واجه الرسل والمؤمنون مشقات كثيرة. ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾(آل عمران:146) وفي قراءة: وكأين من نبي قُتل معه رِبّيون كثير. فاستُشهد من الرِبّيين “العلماء العُبّاد” خلق كثير، وقرأها بعضهم بالوقف على “قُتل”. وكأين من نبي قُتل، معه ربيون كثير. ويكون المعنى أنه قد قُتل كثير من الأنبياء، فما ضعف الرِبّيون من بعدهم.
رابعا: التكاليف الشرعية على ضربين
1- منها ما يقوم به المسلم منفردًا، مثل بر الوالدين في العادات، ومثل أداء الأمانة في المعاملات.
2- ومنها ما لا يقوم به إلا باجتماعه مع غيره من قوى المجتمع من خلال إقامة السلطة التي تقوم بإقامة الدين وسياسة الدنيا به، مثل إقامة الحدود ورد الحقوق من مغتصبها، ومثل إقامة الصلاة في المجتمع على هيئة جماعية بحفظ أوقاتها وتنظيم الأعمال بمراعاة وقتها وعقوبة مخالفها، وإقامة الزكاة وجمعها من مستحقيها وأصحاب نصابها، وإيصالها الى مستحقيها، وفرْض ذلك كما فرضه رسول الله وعقوبة المخالف كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما نَصَّ على ذلك وأمر به.
إن معارك الإيمان والكفر كانت بين عقائد وقيم وأخلاق وقوانين وأحكام في هذا الجانب مصدرها الوحي، وعقائد وأخلاق وقوانين وأحكام في ذاك الجانب مصدرها رافض للنبوة والوحي، والمصدر الغيبي مكذب به أو مشكك فيه أو كاره لها ورافض إياه، مؤثرًا للعاجلة أو حاقدًا أو خائفًا من خسارة كِبْره ومنصبه، أو مترعًا بالشهوات يريد إباحتها دون قيود، ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ (النساء:27).
ولو كان الأمر أمر اعتقادات خاصة، ويفعل كل امرئ جهارًا ما يشاء، وتشرع كل مجموعة من الناس ما تريد دون انضباط بالوحي والتزام بمصدره؛ لما كان هناك خلاف أو صراع من أصله، ولما كان هناك شهداء.
[للمزيد: مسؤولية الفرد عن انتكاسة الأمة.. المسؤولية الفردية والتضامنية]
خامسا: سعي اصحاب العقائد لفرض قيمهم
إن طبيعة الأمور هي سعْي أصحاب كل عقائد وقيم لفرض ما يعتنقون قيمًا وعقائد وأخلاقًا بشكل نظام وقانون وتربية.
قد يبدأ بعض المنحرفين بهدم الموجود، ولكنه لا يقف عند هذا، بل يسعى إلى إيجاد مجموعة ضغط لاتجاهه، يعقبها طلب إباحة التحلل. وهذه نقطة في غاية الأهمية، وهي أن المقصود من وراء هذه الاتجاهات الفاحشة هو إباحة المحرم وتغيير الأحكام، وهذا هو تبديل الأحكام بتحليل الحرام وتحريم الحلال، ومن رضي بتبديل الأحكام لم يكن مسلمًا بإجماع الأمة.
إن تبديل الأحكام يصطدم مع عقيدة المسلم لأن حق التشريع وإصدار الأحكام وفرض القيم وتحديد الأخلاق هو حق خالص لله تعالى؛ فالحكم التشريعي حق خالص لرب العالمين، ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا؟﴾ (الأنعام:114) ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ (الشورى:10).
وقال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾(يوسف:40)، وفيها جعل تعالى إفراده بالحكم التشريعي هو المترجِم عن إفراده بالعبادة وشامل له، وجعل تعالى هذا هو “الدين القيم”، أي القويم المَرضي عند الله تعالى.
كما أن كل إباحة لما حرم الله ـ فضلًا عن مناقضتها لعقيدة المسلم ـ فهي تتضمن تحريمًا لمنع المحرمات في المجتمع، وتحريمًا لفرض ما أمر الله تعالى به، وهو مناقضة لدين الله وتطبيقه النبوي والراشد، وفي جميع عصور المسلمين، عدا الحقبة العلمانية التعيسة.
[للمزيد: حُماة الفضيلة .. وحِلف الرذيلة (1-3) طبيعة الصراع]
سادسا: تدرج مخيف
لا بد أن يعلم كل مسلم حقيقة الأمور، وهي أن وجود تيارات الإباحية والفواحش والانحلال تريد مراحل مقصودة: الوجود كظاهرة، ثم الحق القانوني، ثم تحريم منعها (مصادمة لأحكام رب العالمين)، ثم زحزحة وإسقاط العقيدة الإسلامية الربانية التي ترفض هذا الانحراف، والتي تقرر مصدرًا ربانيًا للتشريع، والتي تمنع هذه الظواهر قانونًا وتربية وتوجيهًا وثقافة.
ليبرالية بحد السيف..!
إننا لم نر في واقعنا وتجاربنا من الليبراليين والعلمانيين من رضي بوجود المسلمين وممارستهم لدينهم، بل التجربة تقول إنهم استدعوا العسكر لفرض ليبراليتهم، وأعلنوا أنهم لفرض علمانيتهم لا بد من ضريبة من دماء المجتمع بجرعات متكررة حتى تستقر علمانيتهم! وبالفعل ذبحوا وأحرقوا واستبدّوا وسجنوا وقهروا وتتبعوا المسلمين في كل موطن حتى يستقر الوجود العلماني..
فلم تعش العلمانية برضا الناس، ولم يُفرض الإسلام بحد السيف، بل فُرضت العلمانية ومُنع الإسلام بحد السيف، وخداع العقول، ووقْع السوط وصاعق الكهرباء، وإبادة الجيوش، وصرير المجنزرات.
إنهم في البداية يطلبون حرية الفواحش كممارسة، ثم يريدون إباحتها كقانون، ثم يستدعون العسكر لفرض ليبراليتهم وذبح المخالفين! إنها المأساة الفاجعة والمضحكة المبكية.
سابعا: دور المحبين
من جانب آخر فالقاعدة في هذا الدين أنه لا يحب عبدٌ ربه وهو يقر ما يبغضه تعالى، بل لو رضي قلبه بما حرم الله لكان بمنزلة من فعله، ولهذا جاء في الحدي«إذا عُمل بالخطيئة في الأرض كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها»(2).
وقد أهلك الله أمة بعابد فيها إذ لم يغضب لله عندما انتُهكت حرماته وضُيعت فرائضه.
ولهذا جعل تعالى الجهاد عنوان المحبين ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ (المائدة:54).
وقد فرض الله ورسوله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعله بابا من أبواب الجنة، وفيه آيات كثيرة وأحاديث ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (التوبة:71) وذلك في مقابل من وصفهم قبلها ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ﴾! (التوبة:67) ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾!
وقد رأينا كثيرا من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، وبتبجح!
ثامنا: مقصود العقوبة في الاسلام
إن من مقصود الإسلام في أحكامه ردع الانحراف وإصلاح المجتمع والحياة، ولهذا يشدد العقوبة على الفساق واتجاهات الانحراف فشرع عقوبة شديدة للزنا والقذف وغيره، وإن كان أصحابه مسلمين، بينما قد يقر غير المسلمين على عقائدهم.
فالجزاء الكامل ليس في الدنيا بل في الآخرة، ومن فقه العقوبات ومقصودها ـ مع التطهير والردع ـ منع الانحراف وتضييق أبوابه، وفتح المجال للخير وللمعروف والتربية عليه وتوجيه الأمة والنشأ والأجيال عليه، ليكون نظاما اجتماعيا قائما على قوانين وقيم وأخلاق، قائمة جميعها على عقيدة واحدة،هي لا إله إلا الله.
يقول ابن تيمية:
وهنا قاعدة شريفة ينبغي التفطن لها: وهو أن ما عاد من الذنوب بإضرار الغير في دينه ودنياه فعقوبتنا له في الدنيا أكبر، وأما ما عاد من الذنوب بمضرة الإنسان في نفسه فقد تكون عقوبته في الآخرة أشد وإن كنا نحن لا نعاقبه في الدنيا(3).
التحريم للمفاسد خالصةً أو غالبةً
كما أن من القواعد العظام للشريعة أن الله تعالى لم يحرم شيئا إلا لأن مفسدته خالصة أو غالبة، ولم يأمر بشيء إلا لأن مصلحته خالصة أو غالبة، فمن أقر المعاصي والمحرمات والفواحش فقد أقر ما تضمنته من المفاسد التي تفسد الحياة وتهلك الأمم كما قال تعالى ﴿فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ﴾ (الأنعام: 6) ﴿فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (الأعراف:96)
وقال تعالى ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ﴾ (هود:116)،وشؤم مفاسد المعاصي تطال الفاعل والساكت؛ فضلا عن الراضي، فالراضي بمنزلة الفاعل في ميزان الله تعالى.
والدليل القاطع مداهنة ثمود في عقر الناقة التي نهى الله عنها؛ فقد ذبحها واحد ﴿إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ (الشمس:12)، ورضي الآخرون وداهن البعض، فنُسب الذبح للجميع؛ فمرة نسب الذبح اليه ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ﴾ (القمر:29) ومرة نسب اليهم جميعا الذبح لرضاهم ومداهنتهم ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ (الشمس:14).
[للمزيد: أيها الصائمون .. شريعة الله رحمة ومصالح]
إيجابية المسلم
إن المسلم إيجابي في الحياة ليحقق دينه وعقيدته ويقوم بأمر ربّه وفرضه عليه، وليُصلح الحياة، ويهدي الله به الخلق، بل وليحمي وجوده وحقه في الحياة وليقرر للإسلام ومنهجِه مكانتَه في الحياة دعوة وإقناعا، وقوة وحراكا.
فمن رأى الفواحش والمنكرات والسقوط والتردّي الأخلاقي والتغيير القيمي السلبي وتبديل الأحكام؛ ثم قال كلما رأى فاحشة ظاهرة “لم يضروني في شيء” فهو واهم، إنه في غيبوبة؛ لقد أضروه في كل شيء! فماذا يبقى ب
عد دين الله ومنهجه؟ وماذا أبقى للأمة؟ وماذا أبقى للأجيال من بعده؟
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا» (4).
……………………………………………………
هوامش:
- رواه مسلم، كتاب الإمارة 3525.
- رواه أبو داود، 4345.
- مجموع الفتاوى ج 10، صـ 373.
- رواه البخاري (2493).
اقرأ أيضا: